من زمن العادة والغفلة إلى زمن العبادة والطاعة

Cover Image for من زمن العادة والغفلة إلى زمن العبادة والطاعة
نشر بتاريخ

شهر الرجال

شهر رمضان مدرسة ربانية يتخرج منهال الرجال؛ بالمفهوم القرآني ولست أقصد الذكورة، الرجال الذين مدحهم الحق عز وجل في كتابه الكريم رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (من الآية 37 سورة النور)، وقال أيضا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الآية 23 سورة الأحزاب).

رجال صادقون في إيمانهم وحبهم لله ولرسوله وللمؤمنين.

شهر الصبر

شهر رمضان مدرسة الصبر، والصبر حبس النفس عن شهواتها وجبرها على الطاعة، والصبر ضياء للمؤمن والمؤمنة.

ففي شهر رمضان يتعود المؤمن أن يحقق عقارب ساعة قلبه على الاستجابة الفورية لمنادي “حي على الصلاة حي الفلاح” فينتظم مع إخوته في الصف في المسجد، لأن الأصل من المسجد وإليه؛ منه ينطلق كل شيء. قال الله تعالى قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) (سورة الأنعام).

شهر القرآن

ميز الله هذا الشهر المبارك؛ شهر رمضان، بالقرآن الكريم، فيه ليلة مباركة أنزل فيها القرآن، وهي ليلة خير من ألف شهر. وفي هذا الشهر كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يتدارس القرآن مع سيدنا جبريل عليه السلام.

والإقبال على القرآن الكريم خلال هذا الشهر نعمة عظمى؛ به يتجدد الإيمان، ويتضاعف الأجر والحسنات، وبه يتنور قلب المؤمن والمؤمنة، فهو شفاء للصدور. فيحسن بالمؤمن أن يحافظ على قراءة القرآن ويختمه مرتين على الأقل في هذا الشهر المبارك، ويحاول كذلك مراجعة ما تم حفظه خلال السنة، ويجعل له وقتا للاستماع خصوصا في الليل قبل النوم أو في جوف الليل.

شهر القيام والتراويح

من الأمور التي تميز هذا الشهر الفضيل هو صلاة التراويح وقيام الليل، فالمؤمن والمؤمنة أكرمهما الله بهذا الموسم الحافل بالخيرات، المتنوع فيه الطاعات، مِن أهمها صلاة التراويح جماعة في المسجد، حيث يشع نور الإيمان، وتنجمع القلوب محبة وافتقارا لله عز وجل، يحضرها الصغير والكبير، تعبيرا عن شكر الله عز وجل أن يسر لنا الصيام.

ويأتي جوف الليل ليختلي المومن والمؤمنة بربهما؛ مناجاة وافتقارا، يسألونه المغفرة والرحمة والعتق من النار، يسألونه العون والمدد والخير والبركات، يسألونه مما سأله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويستعيذونه مما استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شهر الدعاء والتبتل

الدعاء في هذا الشهر العظيم مستجاب، ودعوة الصائم مستجابة، ودعاء السحر في جوف الله مستجاب. فينبغي أن يحرص المؤمن والمؤمنة على الدعاء والإلحاح فيه، ويلتمسا الدعاء من الناس جميعا عسى أن يصيب الدعاء ساعة استجابة. ولا ننسى أن ندعو للوالدين والأبناء والإخوة والأخوات وكل من تربطنا به صلة رحم، والجيران والأصدقاء، وسائر أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. بل ندعو لمن كان سببا في هذا الخير  بعد الثناء والحمد لله والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين وعلى سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته وصحابته رضوان الله عليهم وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

شهر البر والعمل الصالح

يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم “اتقوا النار ولو بشق تمرة” (أخرجه الشيخان البخاري ومسلم)، فشهر رمضان شهر الصدقات والبذل والعطاء، شهر المواساة كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن ثمرات الذكر والصلاة والصيام أن يقذف الله في قلب العبد محبة الخلق، فتترجم سلوكا وعملا يدخل السرور إلى قلوب الفقراء والمحتاجين.. وأفضل البر بر الوالدين والأقربين، ثم يعم الجيران والناس عموما. واعلم أخي أن الأجر والثواب مضاعف في رمضان.

شهر التوبة الجماعية

‏‏وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏‏ ‏[‏النور‏:‏ 31‏]‏.

شهر رمضان تعبير صريح عن التوبة الجماعية إلى الله عز وجل، لاسيما في وقتنا الحالي الممتلئ بالفتن، فما أحوجنا إلى الإنابة والرجوع إلى الله جل شأنه بالتوبة النصوح ورد المظالم إلى أهلها. والاستغفار وصية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يستغفر مائة مرة في اليوم.

شهر الدعوة إلى الله

هذا الشهر الذي تصفد فيه مردة الشياطين وتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب جهنم وتتفتح فيه قلوب العباد؛ حري بالمؤمن والمؤمنة أن يبسطا فيه وجههما الباش للوافدين الجدد والتائبين إلى الله عز وجل، بالكلمة الطيبة والمصاحبة الحانية لضيوف الرحمن. نشجع ونحفز ونوجه، حتى ترسخ أقدامهم في أرض الطاعة والعبادة، لأن المرء ضعيف بنفسه قوي بإخوته.

وفي هذا الشهر كل الظروف مواتية لنبلغ دعوة الله للناس بالرفق والرحمة والحكمة. “بلغوا عني ولو آية” (رواه البخاري في صحيحه) قالها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

شهر ترتيب الأولويات

واعلم أخي وأختي أن شهر رمضان مائدة ربانية بامتياز، مدتها قصيرة ومنافعها كثيرة، فاغتنم واترك عنك التسويف والتثاقل، واعلم أنه لابد لك من ترتيب الأولويات، فالطاعات متنوعة، لكن يلزم ترتيبها.

أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة الفرائض، فيجب الحفاظ على الصلاة المفروضة في وقتها والحرص على تأديتها كما يحب الله ورسوله، وبر الوالدين، فهما طريق الترقي في مدارج الإيمان. من ضيع الصلاة فهو لدونها أضيع، ومن عق والديه فلا خير يرجى فيه لأحد. والحماس كشعلة التبن سرعان ما ينطفئ، فاحرص على البناء الصحيح.

ولا بد لنا – بعدها – أن نعرف أن الله تعالى يحب أعمالا في وقتها؛ فالتسبيح مثلا مستحب عند الشروق والغروب، والاستغفار قبل النوم وعند السحر، وقراءة القرآن الكريم لها أوقات خاصة؛ وقت الفجر وبين العشاءين أو بعد صلاة العصر، والكلمة الطيبة “لا إله إلا الله” مرطبة للسان منورة للقلب تلازمها كل وقت وَحين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم تزين بها فؤادك؛ خصوصا ليلة الجمعة ونهارها.

شهر الكسب الحلال

هذا الشهر شهر جهاد وعمل وليس للنوم والكسل، فمعروف أن جل الغزوات التي قادها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كانت في رمضان، وأهمها غزوة بدر، لهذا فالرسول صلى الله عليه وسلم قال فيه “شهرٌ يُزادُ فيهِ رزقُ المؤمنِ”؛ الرزق المادي والروحي، يختص الله عز وجل به العبد الذي يتوكل عليه حق التوكل ويأخذ بالأسباب. فالذي يعيل أولاده وأهله بالحلال له أجر كبير ومضاعف عند الله تعالى.

واعلم أخي وأختي أن هذا الشهر المبارك لا تنقضي عجائبه وَخيراته، وهو المقترن بخير ما أنزل على خير البشر؛ القرآن الكريم.