من رسائل حسناء “رسالة الفن”

Cover Image for من رسائل حسناء “رسالة الفن”
نشر بتاريخ

الحمد لله الذي جعل القرآن أعظم معجزة للمصطفى، والصلاة والسلام على من حديثه ليس نطقا عن هوى وإنما هو وحي يوحى، وعلى آله وصحبه.

سيدتي الفاضلة:

آسفة على تأخري في الرد على طلبك، فلم تسعفني الظروف لأقرأ مؤلفك الروائي في وقت وجيز، ولكن على كل حال فقد تمكنت من قراءته بروية وتمعن وأتممته ولله الحمد. ولا أملك إلا أن أقدم لك رأيي فيه ووجهة نظري كما طلبت، لأن رأيي كما زعمت في رسالتك يهمك، وهاك رأيي سيدتي:

لا يمكن لأحد يقرأ روايتك إلا أن يقول أنك حقا كاتبة موهوبة، ومؤلفة تملك خيالا واسعا وأسلوبا متميزا يدل على رصيدك الوافر من اللغة العربية، وحظك الكبير من بلاغتها، وأمثالك ممن يكتبون بهذه الطريقة عزوا في هذا الزمن الذي ساد فيه أدب يخلط بين كل الألوان، ولا يفصل في الكتابة بين الفصحى والعامية.

لقد أعجبت حقا بطريقتك في التعبير عن مشاعر وأحاسيس الآخرين، فقد كشفت عن حس مرهف وقدرة هائلة على التصوير الواضح والتشخيص الدقيق، والمعرفة الحسنة بمشاكل وهموم المجتمع، والتميز في سرد الأحداث مما يجعل القارئ ينسى الوقت ويعيش مع أحداث الرواية متلهفا لمعرفة النهاية. حقا حقا لقد أجدت.

سيدتي الفاضلة:

أدبيا وفنيا أعجبت بكاتبتك، لكن وجدتني في النهاية أختلف معك في الاتجاه الذي تسيرين فيه، ففي نظري الفن ذوق جميل ورسالة صادقة نافعة، نافعة للأمة، ونافعة للأديب حينما تسجل له وتحسب حسنة من حسناته. فقد علق سيدنا رسول اله صلى الله عليه وسلم على بيت شعري للبيد وقال فيه أفضل ما قالت العرب:

ألا كل شيء ماعدا الله باطل

وكل نعيم لا محالة زائل

فهو بيت يؤكد على وحدانية الله ويذكر بفناء الدنيا لمن يغتر بها. وإن كان لبيد ليس مسلما، فقد استخدم الشعر وهو نصراني للتأكيد على وحدانية الله. فهي شهادة منه ورسالة تدعو إلى توحيد الله، وهذا الذي جعله ينال وسام الأفضلية من خير شاهد وخير نافذ لأنه أفصح العرب صلى الله عليه وسلم.

والفن سيدتي في عصرنا الحالي في ظل الفتن التي يموج فيها، لا يكفي أن يصف المشاكل ويستعرضها، فالمتلقي سئم الآن مما يعرض عليه سواء من الأدب المقروء أو المسموع أو المرئي، فهو تكرار لمعاناته داخل المجتمع وإعادة للسينريوهات المعاشة يوميا، ونحن في زمن أصبح المتلقي في حاجة إلى نور ينفس عنه كرب الهم اليومي، إلى نور وأمل يتعلق به وينفس عنه ويخفف من همومه ويضمد جراحه، ليس بالوصف فقط والنقل الحرفي للواقع بل باقتراح حلول وربطه بالمصير الأخروي.

هذه رسالة الأدب سيدتي في نظري والفن عموما، إضافة إلى الرقي بالذوق والتمتع بجمال الكلمة وموسيقاها ورقة المشاعر ووهجها، وصدق الصورة وحسن التعبير عنها.

سيدتي: لقد وجدت روايتك في مضمونها لا تختلف عما هو كائن وما هو معروض في الروايات الحديثة أو الأفلام المصورة. حديث عن مشاكل وهموم، وإطار عام يتحدث عن قصة حب وغرام فاشل ينتهي بخيانة ثم إحباط وسجن في النهاية. والحديث عن الحب ابتذل حتى أصبحت كلمة الحب سواء في الأغنية أو الشعر أو المسرح أو الرواية مرادفة للخيانة منتهية بالإحباط.

لذلك سيدتي ونظرا لأنني أعرفك جيدا وأعرف رصيدك الوافر من التربية والسمو الأخلاقي والديني، أقترح أن تتجه كتابتك في اتجاه آخر حتى لا يأخذك التيار العام ويقودك إلى حين إنقاذ الآخرين، فأصبح الهم أن تكون رواياتهم في النهاية فيلما يمثل ويجنى من ورائه المال، وبالتالي يصبح الأديب تابعا لمتطلبات السوق السينمائية الاستهلاكية.

فرسالتي إليك سيدتي أن تعيدي النظر في مضمون ما تكتبين وأنت أهل لذلك وأقدر، وأجدر أن تجعلي كتابتك كما تريدينها أنت لا كما يريدها المنتج السينمائي، وأنا على يقين أن الأدب الراقي قادر أن يفرض نفسه على المتلقي القارئ وحتى على المنتج السينمائي. وقد يكون بمثابة رسالة أدبية وفنية جديدة أصيلة، تخترق ما هو كائن بل تتجاوزه لتعود بالأدب إلى سموه وذوقه الرفيع، بالكلمة الجميلة المعبرة، وبالأفكار التي ترحم الناس وتحن عليهم وتبشرهم، وتعيدهم إلى الأصالة، أصالة الفكر والذوق السليمين، وتربطهم في النهاية بالسعادة الأبدية السعادة بلقاء الله تعالى وهو راض عنهم.

ولم لا إعادة النظر فيما هو مطروح في السوق الأدبية، وتناولها بوجهه نظر أخرى متبصرة لا يشغلها جمال اللفظ وروعة الصورة عن جلال المعنى وقيمة المضمون. فكلاهما مطلوب: جمال الذوق وصدق المضمون وقيمته.

نحن في حاجة سيدتي: إلى أدب يعالج القضايا الإنسانية بشكل جديد. أفلا ترين معي أن موضوعا كالحب مثلا يحتاج إلى تصحيح النظرة إليه وتناوله بشكل راق وسام. فالحب في أرقى صورة تمثل في النماذج الناجحة الخالدة من العلاقات الزوجية في المجتمع الإسلامي منذ عهد النبوة، فالحب العفيف والعلاقة الطاهرة تربو وتنمو بين الزوجين وتستمر إلى ما لا نهاية محفوفة بميثاق غليظ هو حصن منيع لهذه العلاقة، وليس من الضرورة أن يموت الحب بعد الزواج أو ينتهي بخيانة. فالحب الطاهر رقى بالعباد وفك الرقاب وسما بأصحابه إلى التعلق بحب رب العباد والسعي للتلاقي والخلود في الجنان حيث يطيب العيش وتهنأ القلوب بمصاحبة النبي خير مثال للإخلاص والوفاء للمحبوب.

وهناك مواضيع أخرى لا يتسع المقام للتفصيل فيها كالعلاقة بين الجيران، وبين الأهل، وتربية الأولاد، وأيضا سيرة النساء الخالدات. كل هذا يحتاج إلى أقلام صادقة لها رسالة وهدف تعيد الأمان والبشرى وتربط الدنيا بالأخرى، وتنوي بما تقدمه من أدب ليس فقط ربحا للشهرة وكسبا للمال، بل أيضا سلما للرقي عند الله تعالى ونيل رضاه بما تقدم من خدمة للأمة من جليل الأعمال. ولو بحثت لوجدت الكثير والكثير من المواضيع الجادة والمفيدة التي تحتاج إلى من ينفض عنها الغبار متفاديا التكرار. مجردا قلمه لخدمة رسالة الفن والأدب الخاص بالمجتمع المسلم الذي يؤمن بأن الحياة لا تنتهي بالموت، وأن اليأس والإحباط لا سبيل له إلى قلب مسلم مؤمن، موقن بصدق رسالة خير الأنبياء المبشرين والرحمة المهداة للعالمين.

سيدتي الفاضلة:

هذا رأي قدمته لك بكل صدق وإخلاص، راجية بذلك أن تكوني قدوة لغيرك في هذا المسار، متميزة في أدبك، كما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون المسلم شامة بين الأقران.

فطوبى لك إن تحملت عبء أمانة إيصال الفن كما يتصوره الإسلام، فتكوني بذلك قد خدمت دينك ونلت الرضا في الدنيا وآخرتك. وتقلدت وسام السبق لخلق جو جديد بنكهة الصدق والطهارة والرقي والصفاء في فضاء الفن والأدب.

وختاما أقول في نظري إذا لم تكن للأدب رسالة يدافع عنها، فلن يعدو أن يكون لغوا وهدرا لا قيمة له تذكر، واللغو لن يستوقف المتلقي المسلم الرصين كثيرا. قال تعالى: والذين إذا مروا باللغو مروا كراما سورة الفرقان.

وإلى فرصة جديدة للقاء والتواصل والحوار، أقول لك، بارك الله في عملك وجعلك من الأقلام المنافحة عن رسالة الإسلام، المعبرة عن حقيقة هذه الأمة، والصلاة والسلام على أفصح من نطق الضاد وعلى آله وصحبه.