من أدب المحب

Cover Image for من أدب المحب
نشر بتاريخ

من أسمى ما أُكرمنا به من النعم ما نجده في قلوبنا من ميل عميق نحو بعضنا البعض، فأن نكرم بقلب طاهر محب فتلك نعمة مغبون فيها كثيرون ممن لا يحسنون إدارة مشاعرهم فيكرهون من لا يستحق ويحبون من لا يستحق دون الالتفات لمعيار مهم في التقييم حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: “إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ” (رواه أحمد (18524) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ).

للمحبة دستور يرضخ له المتحابون حدثنا به ربنا من فوق سبع سماوات حين قال زينة المحبين صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه سبحانه كما ورد في الصحيح: “عن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: “قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ والمتزاورين، والمتبادلين فيّ”. محبة وتزاور وتبادل وتناصح بين المتحابين الذين تظللهم وارف عناية الله ويستحقون بها محبة محبوبهم؛ الله عز وجل. فلنجعل أحبتي أول حبنا وآخره حب الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم والصالحين من عباده، فثمة المنطلق والغاية والمآب. 

ولا ننسى أن نعبر عن حبنا لمن نحب، فذلك أدعى لتوطيد المحبة وتثبيت المودة، عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه، كما في الصحيح قال: مر رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم وعنده ناس، فقال رجل ممن عنده: إني لأحب هذا لله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أعلمته؟” قال: لا، قال: “قم إليه فأعلمه”، فقام إليه فأعلمه، فقال: أحبّك الذي أحببتني له. ثم قال، ثم رجع فسأله النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أنت مع من أحببت، ولك ما احتسبت”.

أعجب ما أعجب له أن تختزل لفظة المحبة في العلاقة التي تربط ذكرا بأنثى، كيف حجرنا واسعا؟ المحبة أعمق وأشمل من أن تلامس هذا الجانب من العلاقات على أهميته وجوهريته في حفظ البيوت وصيانة الأسر، أو خرابها وتقويض دعائمها إن كان استجابة لخواطر شيطانية واستلذاذا لكلام معسول في أزقة الغواية ودروب الفساد.

المحبة أيها الأحباب معين لا ينضب يفيض مدرارا على كل من نعرف ومن لا نعرف، محبة في الله تعالى للآباء والأبناء والأقارب والمؤمنين كافة، نتوجها بدعاء كريم نطق به كتاب ربنا تعالى وظل قرآنا يتلى وتبتهل به القلوب والألسن إلى آخر الدهر: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (الفرقان، 74).

المحبة نهر ثرار متدفق، فلنحرص أن لا يغترف منه من لا يستحق، لنحذر من محبة من ليس في صحبته خير، لا نتحدث البتة بلغة المصالح الدنيوية القاصرة بل بلغة المآل الأخروي، يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.

إن المحب بحبيبه يقتدي لذلك كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حبا لله ولرسول الله عليه سلام الله، ولبعضهم البعض، وما نالوا ما نالوه من شرف المكانة وعلو المقام إلا بفضل المحبة والصحبة. كانوا يلتمسون محبة أقربهم إلى الله، وكانوا جميعا أهل قرب وتقى، يقينا منهم أن “المرء مع من أحب”.

” تهادوا تحابوا”، فأن نتفقد من نحب بالهدية والصلة فذلك مما يوطد المحبة، وليست العبرة بغلاء ثمنها بل أن تكون في ذاتها معبرة.

ولنحرص على تجاوز المشاعر السلبية والحساسيات الدفينة وتوافه الأمور، حتى لا تعكر علينا صفو المحبة وتؤثر على سلامة القلوب، قديما قال الشاعر:

وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة ٌ ** وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا

وحذار أن نرهق من نحب بكثرة الطلبات ونتوهم استجابته لها برهان محبة، فخزائن الله وحدها لا تنفذ.

ولنعلم أخيرا أحبتي أن القلب المحب عطاء من الله الكريم الوهاب، فلنحرص على شكر المنعم سبحانه ولنسأله الثبات، إذ القلوب بيده سبحانه يقلبها كيف يشاء.

وسلمكم الله أحبتي ودمتم بود ومحبة.