اعتبر الأستاذ محمد حمداوي في معرض حديثه عن موقف الجماعة من التعددية السياسية كما أثارتها أسئلة الصحافة في اللقاء الإعلامي ليوم أمس بالرباط، أن الوثيقة السياسية فصلت فيها كثيرا وليس هناك اختلاف بشأنها كما هو متعارف عليه في جميع النظم المبنية أساسا على الاختيار الحر وعلى حرية الانتخابات وفصل السلط، مشددا على أن كل ما هو معلوم ومعروف في هذا المجال “نحن متفقون حوله وهو مسجل بالتفصيل في الوثيقة”.
الأمازيغية لغة الوطن وينبغي إبعادها عن التوظيف والمزايدات السياسية
وأشار حمداوي في جواب آخر عن الأمازيغية إلى أنها ذكرت في مجال التعليم، موضحا أن الوثيقة أشارت إلى أنها لغة الوطن. وشدد على ضرورة إبعادها عن المزايدات السياسية وإبعادها عن التوظيف من قبل الصهيونية مثلا وغيرها. ولهذا يجب أن تكون ملكا لجميع المغاربة، فإذا اتفقنا على شيء ننطلق لننجز المطلوب، يقول حمداوي.
وتابع حديثه عن التعددية الدينية، معتبرا أن منطلق الجماعة في ذلك، هو قول الله تعالى: “لا إكراه في الدين”، والناس أحرار فيما يعتقدون، موضحا أن المتعارف عليه في أي دولة في العالم لها هوية معينة هي هوية الشعب بأكمله، وتلك الهوية تظهر بصمتها في مجتمعها بما لا يعني عدم احترام التعددية، إن في المجال السياسي أو في الشأن الديني أو في بقية المجالات، ونحن لا إشكال لنا في هذا الموضوع، يقول حمداوي.
في قضية هوية الأمة لا نريد أن تفرض أقليات معينة رأيها على على شعب كامل
وأضاف: “لكن فقط نشير إلى أنه في قضية هوية الأمة لا نريد أن تفرض أقليات معينة رأيها على على شعب كامل، وهذا هو الاختلاف، ففرق ما بين أن تكون الأقلية موجودة ويحترم رأيها ودياناتها واختياراتها، وبين أنها وهي أقلية تريد أن تستقوي بمن تستقوي لكي تغير ربما المجتمع بأكمله وتفرض رأيها على الجميع، وهذا طبعا ما لا نقبل به لا نحن ولا أي دولة في العالم. وقد تابعنا تجارب تاريخية وقعت في عديد من الدول”.
وتابع مؤكدا أن الجماعة تبسط المنطلق التشاركي في إطار مشروع توافقي ودائما ما تؤكد ذلك وتردده ولا يمكن أن يكون أحاديا، مشددا على أن العمل المشترك هو الكفيل بإخراج المغرب مما هو فيه من تخلف وإفساد وتغول للسلطوية.
سؤال الحقوق والحريات وعلاقتها بالمرجعية الحقوقية “الكونية”
أما سؤال الحقوق والحريات وعلاقتها بالمرجعية الحقوقية “الكونية”، فقد ربط حمداوي جوابه عنها بما يحدث في غزة الآن، موضحا أنه في الوقت الذي نتحدث فيه عن المواثيق الدولية والمرجعية الكونية وقع انهيار أخلاقي قيمي كبير جدا، فكل من كان يتحدث عن حقوق الإنسان وحقوق الطفل والمرأة وحقوق الطعام كل ذلك انهار أمامنا وأمام الفظائع التي نراه في فلسطين، خاصة وأننا في عصر الحداثة هي في قمته.
وفي مقاربته لمفهومي الكونية والدولية، قال حمداوي إن وجود حقوق متفق عليها عالميا أمر طيب، لكن “هل هذه المواثيق الموجودة اليوم متفق عليها؟ وهل نحن شاركنا فيها؟ والمسلمون اليوم الذين يشكلون ملياري إنسان هل كانوا جزءا منها؟ أم أن هناك جزءا فقط من هذا العالم صاغ هذه المواثيق وسماها كونية؟ وتفرض علينا كشعوب؟”
واسترسل موضحا “من حقنا أن يكون لنا رأي، وأن نشارك في هذه المواثيق وتسمى دولية عندما يشارك فيها القوي والضعيف”. وأضاف: “لا نجد حرجا في التعامل مع مواثيق مبنية على العدل الدولي، ولهذا أكدنا عليه وقلنا أينما كان العدل فنحن موجودون، وليس عندنا حرج إطلاقا، خاصة عندما تتم مراعاة المجتمع ومرجعيته، لأنه لا بد كل مجتمع له هويته وله ميزاته وخصوصياته الثقافية والحضارية، وينبغي أن تحترم وتؤخذ بعين الاعتبار”.
السياقات العامة والخاصة للوثيقة السياسية
وفي بداية مداخلته في اللقاء التقديمي للوثيقة السياسية، تحدث الأستاذ حمداوي عن سياقات الوثيقة العامة والخاصة، ضمن سلسلة الوثائق السابقة للجماعة، وكذا كيفية خروجها للعلن.
ففي السياق العام يقول حمداوي إن تاريخ الجماعة عرف محطات في إصدار وثائق داخلية كثيرة، ووثائق أخرى معلنة وهي نوعان: وثائق عامة وأخرى خاصة أو متخصصة. فأول وثيقة أصدرها المرشد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمة الله عليه، قبل تأسيس الجماعة، سنة 1974، وهي الرسالة الشهيرة للراحل الحسن الثاني الإسلام أو الطوفان، ثم رسالة القرن الملكية في ميزان الإسلام من الإمام ياسين أيضا سنة 1982، ثم رسالة إلى من يهمه الأمر سنة 2000 للملك محمد السادس، ثم رسالة المجلس القطري للدائرة السياسية عنوانها: “جميعا من أجل الخلاص” سنة 2007.
أما الوثائق الخاصة يضيف المتحدث، فمنها: التقارير السياسية الدورية التي يصدرها المجلس القطري للدائرة السياسية، والتي قررنا أن نخرجها إلى العلن في السنوات الأخيرة، ثم الوثيقة المنتقدة لدستور 2011 والتي أصدرتها الأمانة العامة للدائرة السياسية سنة 2012.
وبالنسبة للسياق الخاص، فقد بيّن عضو مجلس إرشاد الجماعة أن تأسيس مراكز الدراسات والخبرة سنة 1998 مع تأسيس الدائرة السياسية، كان أولا لحرص الجماعة على الجمع بين الخبرة العلمية الدراسية والخبرة التنظيمية الميدانية في اتخاذ القرار وتدبير شؤون الجماعة، تفعيلا للمبدأ الذي ينص على أن المعلومات الكافية والصحيحة تؤدي إلى اتخاذ القرارات المناسبة والأكثر دقة. ولحرصنا ثانيا على بناء القوة الاقتراحية للجماعة، والمسايرة لتطور الواقع وتطور المجتمع وحاجاته المختلفة وتطور الوضع الإقليمي والدولي.
الوثيقة تأتي في مرحلة تطور واستكمال تصور الجماعة في ظلال الذكرى الأربعين لتأسيسها
كما تأتي الوثيقة وفق كلمة نائب رئيس الدائرة السياسية في مرحلة تطور واستكمال تصور الجماعة في ظلال الذكرى الأربعين لتأسيسها التي مرت، وخصوصا في مجالين؛ مجال الإحسان ببُعد التزكية الإيمانية، ومجال التصور المعاصر لتدبير الشأن العام انطلاقا من هويتنا وخصوصيتنا الدينية والثقافية والحضارية المؤسسة لمبادئ العدل الوطني والدولي وللحرية وللكرامة الإنسانية، مع إعمال الآليات الديمقراطية الممكّنة من تنزيل هذه المبادئ.
وأكّد حمداوي أن جماعة العدل والإحسان “حركة إسلامية مستقلة في تصورها ومنهاجها ومواقفها واختياراتها”، وهي حركة مغربية الأصل والمنشأ، وهي جماعة دعوية تربوية، وحركة مجتمعية سياسية. وبهذا الاعتبار الأخير يأتي إصدار هذه الوثيقة السياسية كصيغة جديدة أخرى في التفاعل مع الواقع، بعدما أسسنا له من تفاعل وتواصل سابقين.
هذا التواصل والتفاعل، يقول حمداوي، كانت محطاتهما البارزة ميدانيا بالإسهام في التأسيس والحضور المشترك مع عدد من الهيئات الوطنية الفاعلة إلى جانب نخبة من أحرار وشرفاء هذا الوطن، ومن جهة أخرى على مستوى الحوار والنقاش العمومي من خلال حضور قادتنا وأطرنا في المجال الثقافي والسياسي والفكري والأكاديمي، وكذلك أيضا من خلال أنشطة الجماعة المفتوحة على مختلف الآراء خصوصا مناسبات الذكرى السنوية لرحيل الإمام ياسين رحمة الله عليه، والذكرى الأربعون لتأسيس الجماعة.
وختم حمداوي مداخلته بالقول إن هذا اللقاء تقديمي للوثيقة فقط، وستليه إن شاء الله لقاءات حوارية تفصيلية في مواضيعها، والجماعة كلها استعداد للتفاعل مع كل نقاش جاد حول مضمون الوثيقة.