“مقدمات لمستقبل الإسلام” ومنهاج العمل والبناء

Cover Image for “مقدمات لمستقبل الإسلام” ومنهاج العمل والبناء
نشر بتاريخ

مدخل

لبى الإمام المرشد عبد السلام ياسين نداء ربه بعد مسيرة دعوية وجهادية طويلة في ميادين التربية والعلم والدعوة والبناء والعطاء المستمر، تميزت باليقين في موعود الله تعالى بالنصر والتمكين.

وقد أسس رحمه الله لمشروع يجمع بين ترقب الآخرة والترقي في مدارج الإيمان ومقامات الإحسان وبين الاهتمام بأمر المسلمين والسعي لإقامة العدل ونبذ الجور والاستبداد، مشروع تحريري للإنسان والمجتمع، منبثق من همه العدلي الإحساني، وحرصه على إحياء سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، مشروع وضّحه ودقّـقه من خلال مؤلفاته وكتاباته الغزيرة التي قال عنها: على أنني لست ببغائي المحتد، بل أحيى معاني ما أكتبه بلحمي ودمي وروحي وعقلي) 1 .

السياق العام للكتاب

يقول الإمام المرشد: وقد كتبنا في الموضوع ما شاء الله من فهمنا “للمنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا” في كتابنا الذي يحمل هذا العنوان. فليكن هذا مقررا. فإن هذا الكتاب مبني على ذلك. يشرحه ويكمله) 2 .

يندرج كتاب مقدمات لمستقبل الإسلام) ضمن المشروع الكبير لـدولة القرآن) الذي أسس له الإمام المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله، والذي فصّله في الكتب التالية: في الاقتصاد: البواعث الإيمانية والضوابط الشرعية)، والخلافة والملك)، ورجال القومة والإصلاح)، ومقدمات لمستقبل الإسلام)، وإمامة الأمة)، والقرآن والنبوة)، وجماعة المسلمين ورابطتها)، وقد جاء مكملا للمنهاج النبوي وشارحا إياه.

ولقد ألف هذا الكتاب سنة 1403/1982، أي ما يناهز 33 سنة قبل صدور طبعته الأولى (سنة 2005 )، وخلال هذه الفترة طرأت تغيّرات كبيرة على المشهد العالمي والإقليمي والمحلي، أهمها انهيار المعسكر الشيوعي، وأحداث 11 شتنبر 2001 وتداعياتها على العالم الإسلامي، حرب العراق… ومحليا: اعتقال قياديي الجماعة وحصار أنشطتها ومصادرة كتبها وجرائدها، ثم الإقامة الجبرية لمرشدها… والتي لم يزدها بفضل الله إلا ثباتا وقوة وتوسعا وحضورا فاعلا في المحافل والمنتديات الوطنية والدولية: وضعت هذا الكتاب أوائل سنة 1403 قبل الأحداث الضخمة سنة 1410 التي تمخضت عن انهيار الشيوعية والمعسكر الشيوعي. لكن مثقفينا المغربين، وهم إنما أخذوا صبغتهم الفكرية والعقائدية من فترة تقابل المعسكرين وانتصاب روسيا في مكانة نصير المقهورين، لا يرجعون إلى تقدير جديد للموقف العالمي) 3 .

إلا أن القضايا التي يطرحها لم تتقادم، لأنه يؤسس لمستقبل الإسلام ولدولة القرآن ويرسم معالمه ويمد الأمة الإسلامية عموما والحركة الإسلامية خصوصا بمفاتيح أساسية وجوهرية للتغيير، وهي ثابتة لا تتأثر بمجريات الأحداث.

قراءة في عنوان الكتاب

إن اختيار العنوان له أهمية بالغة في التعريف بقضايا الكتاب وإبراز مقاصده ومضامينه، وعنوان الكتاب اختير بعناية، فهو يلخص بوضوح مراميه وأهدافه. إذ لا بد لأي مشروع أو أي أمر جلل من مقدمة أو مقدمات توضحه وتؤسس له وتكون حجر الأساس لبنائه بشكل صحيح ومتين.

ولا يمكن إذا التنظير لدولة القرآن ومستقبل الإسلام دون تحديد قواعد أساسية وشروط لازمة ترسم الطريق وتحدد المنطلقات، وهي هذه المقدمات.

مقصد الكتاب

يقول الإمام المرشد في خطبة الكتاب: وهذا كتاب لرسم المعالم، وخط الطريق لجند الله القائم. فإن العلم إمام العمل، والعلم النافع ما أخرجك من ظل الكسل، ونهض بك لتسلك إلى الله تحت ظل القنابل والأسَل. وإنما هو القرآن جاء به حياة للقلوب من بعث بالسيف، ودليلا إلى ذرى العزة لأمة نعست دهورا على الظلم والإلحاد والجبر والحَيف) 4 .

ويضيف في الإهداء أهديه دليلا متواضعا إلى منهاج الدعوة والبناء ونصر كلمة الله) 5 .

مقدمات لمستقبل الإسلام

استهل رحمه الله خطبة الكتاب بحمد الله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، تأكيدا على ضرورة العلم قبل العمل ومعه وبعده.

ويمكن تصنيف مضامين الكتاب إلى قضيتين مركزيتين أو مقدمتين أساسيتين هما:

المقدمة الأولى: وهي الأساس التربوي، فمشروع المنهاج النبوي عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله يرتكز على التربية الإيمانية الإحسانية ويجعلها لب الأمر ومنطلقه. ومطلب العدل والإحسان عنده له بداية وحيدة صحيحة: التربية ثم التربية ثم التربية) 6 .

ويوضح هذا الأمر في مقدمة الكتاب مطمح هذا الكتاب الأول أن نحافظ في هذه الرفقة على ذكر الله وما يقربنا إليه، بل أن يوقظ في أنفسنا هَمَّ الله ولقائه، لكيلا يَغلب جسم الحركة والفكر على روح طلب رضى الله عز وجل)، كما يؤكد عليه في كل كتاباته.

يقول الإمام رحمه الله في كتاب تنوير المومنات متى انجمع همي وتوحد، ومتى أصبحت قضيتي مع ربي أم القضايا، عندئذ تأتي القضايا الأخرى في مرتبتها حيث تخدم الوسائلُ الغاية، وحيث يلتحق الفرع بالأصل، وحيث لا تغطي الشروط على المشروط) 7 . ويضيف في نفس الكتاب توَّج الإحسانُ العدلَ وتخلّله وسكن بين ضلوعه).

المقدمة الثانية: هي وضع منهاج عمل يتطلع إلى غد الإسلام، منهاج نبوي عملي يرسم الطريق ويوضح الكيف، لتسير الأمة نحو بناء وحدتها لبنة لبنة وإقامة دولة القرآن ورفع صرح الخلافة على منهاج النبوة، ويجيب عن الأسئلة التي يطرحها الإمام رحمه الله في مقدمة الكتاب: مطمحنا الثاني التابع هو أن نقدم تصورنا لمنهاج عمل ينطلق بنا مما نحن عليه من علل، ويجمع من أطراف الحكمة لوصف الكيف: كيف كان النموذج النبوي في التربية والجهاد والحكم فذّاً وبم كان؟ كيف تحول المجتمع الجاهلي مجتمعا إسلاميا؟ كيف تطور التاريخ بالأمة على عهد الخلفاء الراشدين انحدارا إلى زوابع الفتنة، ثم بعد ذلك إلى الملك العاض فالجبري؟ ثم كيف العمل اليوم وغدا لإتمام اليقظة الإسلامية المباركة، فانتزاع إمامة الأمة من يد ذرارينا المغربين، فقيادة الزحف الإسلامي إلى مسك زمام الحكم، فإقامة دولة القرآن بتربية الرجال، وتجنيد الشباب، واكتساب العلم، وتوجيه الجهاد، وبناء المؤسسات السياسية، وإحياء الاقتصاد، وتحرير الأمة من الاستعباد والتبعية حتى توحيد دار الإسلام، ونصب الخلافة على منهاج النبوة؟) 8 .

منهاج مصدره الوحي يستمد أسسه من الهدي النبوي، ويأخذ بعين الاعتبار حاضر الأمة المر البئيس وماضيها المجيد، ويستفيد من عبر القرى ودروس التاريخ، ويضع نصب عينيه مستقبلها وغدها المشرق الذي وعد به الله تعالى عباده الصالحين في الآية الكريمة: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمُ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ سورة النور – الآية 55. ووعد به رسوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله بسند صحيح عن حبيب بن سالم رحمه الله عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: “كنا قعودا في المسجد مع رسول الله عليه وسلم، وكان بشير رجلا يكف حديثه. فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد، أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء؟ فقال حذيفة: أنا أحفظُ خطبته. فجلس أبو ثعلبة. فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة. ثم سكت”.

منهاج عمل يضع في مقدمة أولوياته إعداد جند الله الحاملين لدعوة القرآن والقائدين التغيير لبناء دولة القرآن، وتربيتهم وتعليمهم وتكوينهم وتنظيمهم وتأليفهم.

إن دولة القرآن ما هي معنى نازل من السماء. إنما هي نصر من الله يسعى على الأرض ممَثّلا في صف جند الله، وتنظيم جند الله، وتولي جند الله الخلافة في الأرض عن الله. ما داموا جنداً لله، عبيداً لله، طالبين وجه الله فهي الخلافة”، “إن جند الله لا ينشأون نشأة عفوية على أخلاق الرجال وإيمان الرجال وعزائم الرجال وعبودية الرجال لله عز وجل. إنما تؤلفهم التربية، ويؤلفهم التنظيم، ويجمعهم ويوحدهم آصرة الإحسان) 9 .

جند الله الذين وصفهم الله تعالى في الآية الكريمة من سورة التوبة: إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُون وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ.

ويقول الإمام رحمه الله أيضا عن هذه الطليعة المجاهدة، المهاجرة إلى الله تعالى هجرة كلية: للنهضة الثانية، نهضة الخلافة على منهاج النبوة، نحتاج رجالا، ونساء، أقوياء أمناء، مسلحين بالعلم والخبرة والكفاءة العملية ليحملوا للعالم رسالة الإسلام، ليُغيروا وجه العالم، ليُجيبوا عن الأسئلة من الحجم الضخم التي يطرحها العصر على الإنسانية، ليقاوموا في مقدمة المستضعفين طغيان الرأسمالية العاتية التي تستعبد أربعة أخماس الإنسانية ليعيش القلة المستعلية في الترف واللذة) 10 .

وقد ختم رحمه الله كتابه هذا بما بدأه، وهو التأكيد على أن التربية هي مقدمة التغيير وشرطه وأساسه؛ إن شمولية جهادنا لنْ تقوم إلا بتربية شاملة، وعقيدة لا تعطل قدر الله بتعظيم الأسباب، ولا شرع الله باحتقارها وإهمالها. وإن الذي يناجي ربه بالليل يطلب حسنى المعاد والزلفى عند الله فذلك الطلب لُبُّ حياته وغايتُها. حتى إذا أصبح في صف الجهاد انبعثتْ له مسألة ثانية تابعة للأولى مرتبطة بها فهي حسنى بهذا الارتباط لا بنفسها، وهي مسألة النصر والخلافة في الأرض) 11 .


[1] جماعة المسلمين ورابطتها، ص 9.\
[2] مقدمات لمستقبل الإسلام، ص 43.\
[3] نفسه، ص 22.\
[4] نفسه، ص 4.\
[5] نفسه، ص 7.\
[6] الإحسان 2، ص 521.\
[7] تنوير المومنات، خطبة الكتاب، ص 6.\
[8] مقدمات لمستقبل الإسلام، ص 9 و10.\
[9] نفسه، ص 43.\
[10] العدل، الإسلاميون والحكم، ص 169-170.\
[11] مقدمات لمستقبل الإسلام، ص 44.\