مقاربة الحركات الاسلامية لقضية المرأة “نموج جماعة العدل والإحسان” 3

Cover Image for مقاربة الحركات الاسلامية لقضية المرأة 
“نموج جماعة العدل والإحسان” 3
نشر بتاريخ

المحور الثالث: موقف الجماعة من بعض القضايا المتصلة بالمرأة

تعددت كتابات الإسلاميين حول المرأة، وتأثرت هذه الكتابات من حيث الباعث بالعوامل الخارجية وما يستجد من مواقف وقضايا وظواهر تتعارض وتستفز الرؤية الإسلامية، هذه الكتابات تصاحبها بعض المخاوف والمحاذير الشديدة الحساسية، وقد تركت هذه المخاوف والمحاذير أثرها البارز والكبير في تناول قضايا المرأة. مما يفسر التشدد الواضح الذي يلحظ عند الإسلاميين والفقهاء منهم بالذات في كل ما يرتبط بقضايا المرأة، خوفا وتحرزاً من الوقوع في الفتنة والريبة، وكل ما يؤدي إلى الحرام والخروج على الشرع في ضوابطه وقيوده وحدوده. وكان الأستاذ عبد السلام ياسين تناول قضية المرأة بعمق وموضوعية، حيث كان منهجه قائما على أسس ثلاث [1]:

– فتح باب الاجتهاد والذي يعتبر ان مآسي الأمة وانحطاطها مرده سده.

– قراءة النصوص الشرعية في ضوء المتغيرات القائمة ومصلح الأمة دون الخروج عن ثوابتها القطعية.

– الاتجاه نحو الفقه الإسلامي بكل مذاهبه المختلفة خروجا من ضيق المذهب الواحد الى سعة الشريعة.

المساواة

يرى الأستاذ عبد السلام ياسين بأن المؤمنين والمؤمنات أكفاء في شرع الله من حيث التكليف بميزان العدل، فلا ترفع كفة على أخرى إلا بالتقوى. أما الدرجة التي فضل الله بها تعالى الرجل على المرأة، فليست درجة تفضيل بقدر ما هي إثقال ميزان الرجل بمثاقيل المسؤولية مخففا الأعباء عن المرأة من أجل إتقان مهمة لا يمكن للرجال تقلدها [2].

وبما أن المساواة في الإسلام تقتضي تحقيق التكامل بين الرجل والمرأة في أداء الأدوار، وتؤكد تغاريد بيضون هذا الموقف فيما ذكرته حول رؤية سيد قطب للمساواة حيث يؤكد ان المرأة مساوية للرجل مساواة تامة من حيث الجنس والحقوق الإنسانية، ولم يقرر التفاضل إلا في بعض المسائل المتعلقة بالاستعداد أو الدربة [3]، وتنادي بتكامل الأدوار نظرا لتمايز الاستعدادات بين طرفي العلاقة، فكلا الدورين يتكاملان، ولا يمكن الانتقاص من دور على حساب آخر، وهذه المساواة التي تتحقق من خلال تكامل الأدوار تتمثل في تحمل الواجبات وممارسة الحقوق بين الرجال والنساء. فليس الضابط في التأهل من عدمه هو الجنس الذي يحمله كل منهما، بل إن الضابط هو نوعية العوارض التي تعرض لكل منهما [4]. ويستشهد البعض ممن يشكك في هذه المساواة التي كفلها الإسلام بالآية الكريمة ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة. والله عزيز حكيم ( البقرة : الآية 226 ). ويرد الأستاذ عبد السلام ياسين أن الإيمان بهذه الآية الكريمة هو إيمان بالقرآن، وأي تشكيك بها فهو كفر، لافتا أن هذه الآية جاءت في سياق أحكام الطلاق، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم يتساءل عن مضمون الدرجة : هل هي براءة تمنح للرجل وتفويض لكي يدوس المرأة تحت قدميهأ ام هي مسؤولية رعاية أمينة وقيادة رحيمة). هذه الدرجة كما يرى الأستاذ عبد السلام ياسين لا تلغي عدل الله بين المحسنين، فلا يفضل أحدهما الآخر إلا بالتقوى، أما الدرجة فهي إمارة مؤقتة في الدنيا. فالمؤمنات والمؤمنون أكفاء في شرع الله بميزان العدل، لا ترجح كفة الرجل ولا كفة المرأة إلا بالتقوى…الدرجة امارة في القافلة الاجتماعية، الزوجية والسياسية، هي بمثابة امير السفر الذي اوصت به السنة النبوية مستدلا بالآية الكريمة:)من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون سورة النحل، الآية 97 .

العنف ضد المرأة

العنف ضد المرأة هو كل فعل أو سلوك متعمد أو غير متعمد موجه إلى المرأة لكونها امرأة أو مستضعفة، ويتسم بالقوة والحقد والعدوانية مما يسبب لها أضرارا مادية أو معنوية تكون لها آثار سلبية على مكانتها ومستقبلها وأداء رسالتها، ومساهمتها في البناء سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع.

فالعدل والإحسان ترى أنه لا يجوز للرجل مطلقا التعنيف على المرأة أو إهانتها، بل تكرم ولا يهينها إلا لئيم ناقص. تعامل بالإحسان، إحسان الرجل الروحي يفيض عليها رفقا وعطفا ومحبة وودا) [5]

أما العنف ضد المرأة على المستوى الأسري وبالخصوص الموجه من الزوج إلى زوجه وهو الأكثر شيوعا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية والذي يستمد مشروعيته من العرف والعادات والتقاليد الفاسدة، فإن موقف العدل والإحسان كان واضحا وصارما في هذا الشأن، واعتبر هذا الصنف من الرجال أفعوان بشري فـمن كانت رجولته لا تتجلى إلا في الوحشية العضلية والعدوان على أم أولاده، وكانت مروءته تنتهي حيث ينتهي مجلس المؤانسة والمجاملة مع الأصدقاء، فإذا دخل البيت دخل غولا، وكان حساب الآخرة والرحمة بالخلق مزايا مجهولة في قارته فذاك أفعوان بشري) [6]

وقد أكد القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان على رفض العنف بكل اأشكاله في البيان الاخير بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف الذي يتم الاحتفال به 25 نونبر من كل سنة [7] : وأمام هذه الأوضاع المتأزمة للمرأة المغربية خاصة ونساء العالم عامة انه يعلن ما يلي:

– الرفض المطلق للعنف الممارس ضد النساء أيا كان مصدره أو شكله.

– التحذير من خطر تصاعد وتيرة العنف الذي تتعرض له المرأة المغربية.

– تحميل الدولة بجميع مؤسساتها ومستوياتها مسؤولية استفحال ظاهرة العنف وتفاقم تداعياتها.

– رفض السياسات المراوغة التي تكيل في قضايا المرأة بمكيالين وتلعب فيها دوري القاضي والجلاد، وذلك بدعم العنف وتغذيته من جهة، وادعاء محاربته من جهة أخرى.

– الإيمان بأن إنصاف المرأة المغربية وتمتيعها بحقوقها الضامنة لكرامتها لا يتحقق إلا في إطار تمتيع كافة الشعب المغربي بحقوقه وضمان كرامته.

– الإيمان بأن تطويق ظاهرة العنف واستئصالها من المجتمع لا يتم إلا في إطار إصلاح شامل يكون الجانب التربوي الأخلاقي بوابته الرئيسية.

– دعوة كل المنظمات والجمعيات والغيورين والفضلاء من رجال ونساء هذا البلد إلى تعاون حقيقي جاد بعيدا عن الحلول الترقيعية، من أجل تخليص النساء من كابوس العنف الذي يشل فاعليتهن داخل المجتمع.

المشاركة السياسية للمرأة

ساهمت التأويلات الفقهية للنصوص الشرعية ” الكتاب والسنة ” في تحجيم دور المرأة سياسيا، من حيث كون التفسير الديني موجها رئيسيا في التفاعل الديني الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، باعتباره اداة للاقتناع الفكري والمنهجي لدى عامة الناس، مما ادى الى عرقلة مشاركة المرأة في تدبير الشأن العام وأداء رسالتها في بناء الامة. وقد ساهم في ترسيخ هذا الواقع اعتماد الفقهاء في تفسير النصوص الشرعية ” الكتاب والسنة النبوية ” لما ورد في التفاسير القديمة وكأنها النص المقدس نفسه، فلم يستطع التمييز بين الشرع الرباني المتعالي على حوادث الزمان والمكان، وبين فقه الاجتهاد الذي يظل سجين ظروفه وواقعه، فغلب على رؤيته الى المرأة انها فتنة، فاجتهد حتى لا تساهم في تدبير أي شأن من شؤون المجتمع بغية ابعادها عن مواطن الاختلاط سدا للذرائع وخشية الفتن، مما ادى الى انسحاب الشرع الرباني واحتكام الناس الى الاعراف والعادات في قضية المرأة، وكذا انسحاب المرأة الشبه التام من الشأن العام. غاب الشرع الرباني وغابت المرأة عن الشأن المجتمعي وحضر بدلا عنهما فقه منحبس يحض المرأة على القرار في البيت لا تجاوزه [8]. فقد جرى كثير من الفقهاء في فقه المرأة على العمل بما روي من النصوص من دون إحتراز عن الأحاديث الضعيفة ومن دون محاكمة لمتون الأحاديث المعتبرة، واعتمدوا مرجعية العرف في فهم النص الديني وتحديد مداه سعة وضيقا وتفسيرا، بل ذهب بعضهم الى كتمان بعض الاحكام الشرعية الخلافية بسبب الخوف من تجاوز الرخص الشرعية الى المحرمات) [9].

إذا كان تعامل الفقهاء مع النص الشرعي بصفة عامة بهذا الجمود، فانه في مجال المشاركة السياسية للمرأة اشد تشددا وتعصبا، حيث يرى هذا الاتجاه من الفقه ان المرأة لا يجوز لها تولي الرئاسة في العمل السياسي أو القيادي أو أي منصب يجعل لها الولاية على الرجال. ويستدلون بذلك بالاية القرآنية الرجال قوامون على النساء [10] والحديث النبوي “لن يفلح قوم ولوا امرهم امرأة”، ويدخلون في قائمة المناصب التي لا يجوز للمرأة تقلدها : رئاسة او وزارة او عضوية مجلس الشورى او إدارة مختلف مصالح الحكومة [11]. ويرجح القائلون عدم شرعية العمل السياسي للمرأة الى إجماع العلماء. وهذه الادلة مردود عليها كالتالي:

ففي الوقت الذي يحتدم فيه الجدل بصورة متباينة وسجالية في حق المرأة في الانتخاب والمشاركة في الحياة النيابية، أو توليها بعض المناصب الأقل درجة من ذلك مثل الولوج الى مراكز القرار السياسية والإدارية. ذهب بعض العلماء[12] الى فتح دائرة أكبر وأوسع للنظر والمناقشة ورفع سقف التفكير حول أهلية المرأة للمناصب العليا والولايات العامة بما فيها رئاسة الدولة [13].

فإذا كان العمل السياسي واجبا شرعيا لا ينفك عنه أحد بغض النظر عن جنسه. فإن مشاركة المرأة في القيام بهذا الواجب امر مفروغ منه ولم يرد في الاسلام ما يخدش هذه الاهلية، كما لم يرد في ما كتبه الفقهاء عن الاهلية ان الانوثة من موانعها [14].

فيما يخص القوامة كما سبقت الاشارة، فهي مرتبطة بالحياة الزوجية، وهي تثثقيل لميزان الرجل بالمسئولية وتخفيف للمرأة من الاعباء وللتفرغ للمهام الاسمى التي هي من مهامها البيولوجية، وليس في هذا دليل على عدم اهلية المرأة لقيامها بهذه المهام في غياب الرجل [15]. اما الحديث النبوي” لن يفلح قوم ولوا امرهم امرأة” فقد ورد الحديث في سياق حادثة معينة وهي ان الفرس ملكوا عليهم ابنة كسرى، ولو أخذ على عمومه لعارض ظاهر القرآن الذي قص قصة امرأة قادت قومها بحكمة وجنبتهم معركة خاسرة بحكمة وتبصر. اما ما يتعلق بإجماع العلماء فقد اجاز ابن جرير الطبري ان تكون المرأة حاكما على الاطلاق في كل شيئ، رغم انكار البعض نسبة القول الى الطبري، ولكن مجرد الخلاف يجعل هذا الاجماع ظنيا، والإجماع الذي لا تجوز مخالفته هو المتحقق الثابت منقولا عن طريق صحيح لا تتغير مصلحته على مدى الايام [16].

وقد ذهبت السيدة «هبة رؤوف عزت» في خاتمة بحثها حول المرأة والعمل السياسي إلى اعتبار العمل السياسي للمرأة واجباً شرعياً يدخل إما في فروض العين أو فروض الكفاية، فلا تنفك عنه المرأة بحال، فشأنها في ذلك شأن الرجل لاشتراكهما في التوحيد والعبودية والاستخلاف وخضوعهما للسنن) [17].

يمكن استخلاص ان المرأة يمكن ان تملك الاهلية لتولي الولايات العامة وتصلح لتحمل هذه المسئولية حيث ان مجتمع الصحابة والصحابيات مارس العمل السياسي بكل تلقائية تحت ظل الولاية العامة بين المؤمنين.

فمعالجة قضية المرأة تحتاج إلى نقلها من نزاع حقوقي صرف بين الرجل والمرأة إلى هم المصير الأخروي للطرفين، وعلاقتهما بالله، كما تحتاج إلى وضعها في إطار شمولي يربطها بالتردي العام لأحوال الأمة واعتبار علاجها جزءا من مطلب التغيير الشامل، متجاوزين بذلك مسألة التقليد في تناول هذه القضية بالدعوة لتجاوز القراءات الفقهية المذهبية الضيقة والمناداة بضرورة اجتهاد حقيقي ينهل من الكتاب والسنة، لمحاربة الظلم الذي يطال المرأة من جراء قوانين الأحوال الشخصية التي تستند في معظمها إلى اجتهادات فقهية هي أقرب إلى الأعراف منها إلى سنة رسول الله التي حررت المرأة في وقت قياسي من الاستبداد الذكوري، وأهلتها للترقي من اللاشيء إلى مواطنة ذات مساهمة كاملة وفعالة في مجتمعها، مكلفة كما الرجل مكلف مع احترام خصوصيتها، نقيض المخلوقة التافهة المقهورة الساكنة الساكتة التي تمر من الحياة كأن لم تمر منها دون أن تترك أي أثر تذكر بذكره، تعاني في صمت.

[1] – علي محمد فريد مفتاح : ” قضية تحرير المرأة في نظرية المنهاج النبوي عند الاستاذ عبد السلام ياسين ” كتاب اعمال المؤتمر العلمي الاول في موضوع ” مركزية القرآن في نظرية المنهاج النبوي عند الاستاذ عبد السلام ياسين ” 1 / 2 دجنبر 2012، الجزء الثالث. الصفحة : 81 / 82.

[2] – سنعود لمناقشة مفهوم الدرجة عند الاستاذ عبد السلام ياسين في اخر هذه الفقرة.

[3] – تغاريد بيضون : ” المرأة والحياة الاجتماعية في الاسلام ” دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان. الطبعة الاولى 1985، الصفحة : 49.

[4] – احمد مبارك سالم : ” القرآن الكريم وقضية المرأة في نظرية المنهاج النبوي عند الاستاذ عبد السلام ياسين “كتاب اعمال المؤتمر العلمي الاول في موضوع ” مركزية القرآن في نظرية المنهاج النبوي عند الاستاذ عبد السلام ياسين ” 1 / 2 دجنبر 2012، الجزء الثالث. الصفحة 30.

[5] – عبد السلام ياسين : تنوير المؤمنات، الجزء الاول الصفحة 169.

[6] عبد السلام ياسين تنوير المؤمنات الجزء الثاني، الصفحة 186.

[7] انظر بيان القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان بتاريخ 25 نونبر 2014، الموقع الرسمي للجماعة.

[8] – خالد العسري : ” قراءة هادئة في موضوع المرأة الساخن ” مجلة منار الهدى العدد 11، السنة 2008، الملف : المرأة من التحرير الى التنوير. الصفحة 18.

[9] – محمد مهدي شمس الدين : ” الستر والنظر ” المؤسسة الدولية للنشر، بيروت.الجزء الاول.1994 م.الصفحات 220 – 221.

[10] – سورة النساء، الاية 34.

[11] – عمر القراي واخرون : ” حقوق المرأة بين المواثيق الدولية والاسلام السياسي ” مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان.1999. الصفحة 20.

[12] – محمد مهدي شمس الدين : ” الستر والنظر ” المؤسسة الدولية للنشر، بيروت، اهلية المرأة لتولي السلطة. الجزء 2.، 1994. الصفحة 5.

[13] – الماوردي لم يذكر في كتابه الاحكام السلطانية شرط الذكورية في شروط الاهلية للامامة.

[14] – عبد الصمد الرضى : ” قواعد شرعية في المشاركة السياسية للمرأة “مجلة منار الهدى، مرجع سابق. الصفحة 54.

[15] – المرجع أعلاه، الصفحة 58.

[16] – نفس المرجع، الصفحات : 58 – 59.

[17] -هبة رؤوف عزت : ” المرأة والعمل السياسي : رؤية اسلامية ” المعهد العالمي للفكر الاسلامي، واشنطن. 1995 م. الصفحة 247.