مقاربة الحركات الاسلامية لقضية المرأة “نموج جماعة العدل والإحسان” 3

Cover Image for مقاربة الحركات الاسلامية لقضية المرأة 
“نموج جماعة العدل والإحسان” 3
نشر بتاريخ

المحور الثاني: تصور جماعة العدل والإحسان لقضية المرأة

يجعل الفكر المنهاجي للأستاذ عبد السلام ياسين مبتدأه وغايته قضية مصير العبد إلى ربه، ويحذر الدعاة والمنبرين للدفاع عن قضايا المرأة في الإسلام من نزع ثوب إيمانهم بالله واليوم الآخر.

تحتل المسألة النسائية الصدارة في مشروع جماعة العدل والإحسان، ويبسط كتاب تنوير المؤمنات)[1] قراءتها لقضية المرأة ونظرتها لها. قراءة تتميز بتجاوزها للموقف التقليدي للمسلمين، المتأرجح بين سياسة النعامة في النظر لقضية المرأة والمقاربة التبريرية الاعتذارية. لقد اعتمدت الجماعة أسسا جديدة في التعاطي مع هذا الموضوع نجملها فيما يلي:

محاربة التسطيح في معالجة قضية المرأة بنقلها من نزاع حقوقي صرف بين الرجل والمرأة إلى هم المصير الأخروي للطرفين وعلاقتهما بالله سبحانه وتعالى.محاربة التجزيء بوضع القضية في إطار شمولي بربطها بالتردي العام لأحوال الأمة واعتبار علاجها جزءا من مطلب التغيير الشامل.محاربة التقليد في تناول هذه القضية بالدعوة لتجاوز القراءات الفقهية المذهبية الضيقة والمناداة بضرورة اجتهاد حقيقي ينهل من النبع الصافي: الكتاب والسنة .

ما هي قضية المرأة ومسؤوليتها؟ هل ترضى ب “الدرجة ” و ” الرعاية ” يتصرف بمقتضاها الرجل تجاهها على هواه لتبقى عالة ولتنكمش في خصوصياتها تتفقه في أحكام النساء لا تتطلع إلى ما وراء ذلك؟ أم أن لها قضية ومسؤولية في تغيير المنكر وبناء المعروف متقربة بذلك إلى ربها؟

يعرض الاستاذ عبد السلام ياسين وضع المرأة المسلمة التي تعاني أصنافا من الظلم في كتاب تنوير المؤمنات)، مدينا الظلم الذي يطال النساء من جراء القوانين المنظمة للأحوال الشخصية والتي تستند في معظمها لاجتهادات فقهية هي أقرب إلى الأعراف منها لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما حذر علماء الأمة ودعاتها من أن يكونوا، ب “اجتهاداتهم ” المقلدة و أحيانا الحرفية المتشددة، أول من يساهم عن غير قصد في الحفاظ على الحجب السميكة بين المسلمات وسماحة شريعة الله سبحانه وتعالى، حجب جعلت عددا من النساء المسلمات يجدن ملجأ وبريق أمل في شعارات ترفع باسم حقوق الإنسان و الديمقراطية و المساواة. فسقطن بذلك لقمة سائغة في فم المخططات التغريبية التي تريد أن تنال من الإسلام والمسلمين. فكانت الحصيلة نساء وضعن أنفسهن في خانة واحدة مع من يعادي الإسلام و دعاة وضعوا أنفسهم في غفلة من الأمر في خانة واحدة مع من يظلمون المرأة .

ويصف واقع المرأة، هذا الواقع الذي يقر به جميع الفاعلين في مجال المرأة سواء الحركات النسائية ذات التوجه اليساري او الاسلامي: نعم المرأة المسلمة كانت مظلومة ولا تزال، هي زميلة الرجل المسلم فيما تعانيه أمس وهي سجينة أمية، واليوم وهي بين نار الدعوة التغريبية ورمضاء المخلفات الانحطاطية. ما من شكوى يبثها حال المرأة المسلمة ويلغط بها دعاة “تحريرها” أمس واليوم إلا ولها نصيب كبير من الصحة: استعباد المدنية، والمعاملة المهينة للبدوية، والأمية الأبجدية، والجهل، والأجور البئيسة، واستغلال الصبيات في معامل تأكل من عرقهن البطون الحرامية، والتعدد الاعتسافي، والطلاق الجائر، وإكراه الفتيات على الزواج، والتحايل على نصيب المسلمات من الإرث. والقائمة طويلة).

يستطرد الأستاذ عبد السلام ياسين معاتبا العاملين في حقل الحركة الإسلامية في التركيز على هذه المآسي دون البحث عن اصل الداء لكن ما بالنا نطوي هذه المآسي في كم النسيان ونسكت عنها ليشتد عويلنا فقط على مآسيها الطارئة: التبرج، والخلاعة، والدعارة، والجرأة على الدين، وزندقة الزنديقات، والتمثل بالأوربيات ؟ )ما طرأت هذه المآسي إلا لأن تلك القديمة المقيمة لم تجد حلا من صميم الفقه الإسلامي وعمل الحاكم الإسلامي)[2].

ما الذي اوصل المرأة الى هذا التردي؟

يرجع الأستاذ عبد السلام ياسين أسباب انحطاط المرأة الى عاملين أساسيين وهما الصدمة الأولى المتمثلة في الانكسار التاريخي والصدمة الثانية التي جسدها الاستعمار. فبعدما أعز الإسلام المرأة ورفع مكانتها لتكون شريكة الرجل في الحقوق والواجبات، انحطت بانحطاط الأمة. يقول الاستاذ عبد السلام ياسين انحطت المرأة المسلمة بانحطاط المسلمين. بدأ الانحطاط منذ تدهور نظام الحكم من خلافة على منهاج النبوة إلى ملك عاض وراثي بمقتضاه ينتخب الوالد ولده ويعهد إليه أمر المسلمين يورثه إياه كبعض ما يورث من المتاع. ولم تلبث المرأة أن أصبحت سلعة في السوق وجارية في القصور ومحضية وكما مهملا. حتى إذا جاء عصر اللائيكية، عصر وكلاء الاستعمار ليبشرها بأنها دخلت عصر الحرية لتكون كمثيلاتها الكاملات في الغرب سيدة جسدها، انتحلت المغربات نحلة الغالب، فهن داعيات مناضلات بجنب حقوق الانسان، أي حقوق المرأة في أن تنعتق من ربقة كانت فيها كما مهملا وسلعة)[3]

لم تنحط المرأة وحدها بل انحطت بانحطاط المجتمع وانحط المجتمع بانحطاط الحكم وانتقاض عروته، وانحبس الفقه وسد باب الاجتهاد، ودارت الفتوى في حلقة ضيقة مقلدة رابط في أركانها المركنة جهابذة العلماء للحفاظ على سائر عرى الإسلام أن تنتقض، ولصيانة الحياة في دائرة الشرع)

ويذهب في نفس الاتجاه باحثون آخرون في الحركة الاسلامية [4] وذلك بإرجاع تردي اوضاع المرأة إلى تراجع قضية المرأة وحقوقها في سلم أولويات المجتمعات العربية والتي انشغلت بقضايا أكثر الحاحا ليس اقلها الصراعات المستمرة بين الحكام والناس وبين الناس انفسهم، وبقي الأمر كذلك حتى حصول الاحتكاك بين هذه المجتمعات وطلائع الغزو الأوربي، وبذلك فإن التخلف في حقوق المرأة في المجتمعات الاسلامية بسبب تخلف المسلمين وليس بسبب الأحكام الدينية [5].

إذن كيف السبيل لتجاوز هذه المظلومية المركبة التي تعاني منها المرأة، مظلومية تشارك فيها أخاها الرجل، ومظلومية من أخيها الرجل ؟

يرى الاستاذ عبد السلام ياسين أن طريق المرأة نحو الإنصاف يمر بالضرورة عبر إنصاف المجتمع ككل، أي لا يمكن حل قضية المرأة إلا في ظل حل شامل يتقاطع فيه ما هو اقتصادي بما هو سياسي بما هو اجتماعي، فإذا حل عدل الله على أرضه ألقى بظلاله على كافة خلقه.

ولا يمكن أن يتحقق ذلك ما لم يكن الهم الأول لكل مؤمن ومؤمنة نيل رضى الله، فالمرأة المؤمنة مطالبة بتحرير إرادتها للقيام بالمهام المنوطة بها لرفع الظلم عن نفسها ومجتمعها قدوتها في ذلك خريجات المدرسة النبوية، النماذج الكاملة من النساء، فكما أن شرع الله انتشل من قبل المرأة العربية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم من غياهب القهر والمعاناة، أصبح من العاجل اليوم أن تستنقذ المرأة المسلمة المعاصرة ـ التي فاقت اختها الجاهلية سقوطا ـ من براثن الظلم والإهمال .

ـ على المؤمنات جهاد لاقتحام عقبات الفكر، العادات، الفقه المنحبس… فإذا كانت المرأة الغربية انتزعت بعض الإنصاف بنضال وتطور اجتماعي فالمرأة المسلمة لا تقل عنها كفاءة.

ـ يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: حقوقك التي كفلها الشرع تنتزعينها من تعسف الرجل، وتتقدمين عليه بالعلم كي لا يحتكر هو الجهاد ويميل به إلى سوء استعمال الدرجة، ثم واجباتك في صد العدوان على الدين مما يليك علما يشرق في القلوب إيمانا وتصديقا وفي العقول تدبيرا وتطبيقا” العلم سلاح ضروري لخوض معركة التغيير) [6].

ويضيف الأستاذ عبد السلام ياسين: فللمؤمنة في فقه التغيير و تفقيه الرجال بأسلوبه المرتبة الأولى . و كم أمامها من معاناة لتقنع الشباب المتحمس أن إكراه المتبرجات على ستر شعرهن إنما يبلد الشعور و ينفر القلوب).[7]

ويؤكد على ان واجبها السياسي، هو بناء المعروف والنهي عن المنكر، وواجبها المصيري تعبئة الأمة، بهذا ستقود المرأة جهاد على مستويات عدة: جهاد لمقاومة غطرسة الرجل الذي يتذرع بالإسلام وشريعته ليظلم المرأة، جهاد لكيلا يمارس الرجل قوامته ممارسة كئيبة يقايض بالنفقة عبودية المرأة له، وعبادتها إياه، جهاد كسب القوت مادام المجتمع فقيرا لا يستطيع كفالة الأمهات، وما دام المجتمع لا يعطي التربية المقام الأول ليأجر الأم المربية منتجة الإنسان أفضل ما يأجر العاملين)

ويستدعي هذا المطلب ان تنهل المرأة بشكل مباشر من المصادر الدينية للتحقق من المعاني الحقيقية التي تحملها النصوص الشرعية قصد استعادة ما احتكره الرجال لفترة طويلة من علوم دينية. وقد تبين بفضل إعادة قراءة النصوص الدينية قراءة عميقة أن حقوق المرأة قد اغتصبت على مر تاريخ الحضارة الإسلامية من خلال الإنتاج الفقهي الذي بقي إلى يومنا هذا تحت رحمة النظام الأبوي والأعراف. وقد سمحت “إعادة القراءة” هذه بكشف الكثير من الحقائق ذات الطبيعة العنصرية التي نُسبت للنص القرآني، حيث اتضح في الواقع أنها مجرد اجتهادات إنسانية ترسخت في الأذهان بفعل الزمن نتيجة لقراءة حرفية كرًست منذ القدم لخضوع المرأة. ويمكن الجزم أن بعض الآيات القرآنية التي تمت مقاربتها بطريقة جزئية دون الأخذ بعين الاعتبار الرؤية الشمولية التي جاء بها القرآن يمكنها أن تعكس تمييزا حقيقيا في حق المرأة.

وفي اطار الاهتمام بقضايا الأمة، فالمرأة مدعوة الى القيام بدورها في المشروع التجديدي لإعادة الخلافة على منهاج النبوة، فموقع المؤمنة السياسي وانتماؤها للحركة الإسلامية يحتم عليها العمل على إنجاح المشروع الإسلامي، فلا خلاف في أولوية قضايا المرأة في اهتمامات المرأة ذاتها، لكن أن ينحصر كل هذا الاهتمام في هذا الجانب، فهذا هو مورد النقد والنظر:

وعن هذا النقد تقول الدكتورة «منى يكن » فإني أنكر حصر اهتمامات المرأة المسلمة الحركية والفكرية والدعوية بقضايا المرأة ليس إلاّ. لأنه بذلك تعطل جوانب عديدة من كيانها الإنساني، ونحرمها من حق المشاركة في قضايا الأمّة المصيرية التي يحاول احتكارها الرجال، فهل من حق الرجل أن يقف حائلاً بين المرأة وبين عطائها الإسلامي ؟ وهل يجوز له أن يحصر العمل للإسلام على شخصه فقط ويحرمه على المرأة) [8].

وتنزيلا لأفكار الاستاذ عبد السلام ياسين على ارض الواقع حتى لا تبق مجرد تنظير، تسعى جماعة العدل والإحسان لبناء مجتمع يجعل من المرأة شريكا حقيقيا للرجل على المستوى الأسري وعلى المستوى الاجتماعي، وتشمل الجماعة في مؤسساتها على:

– تنظيم نسائي مستقل على مستوى التنظير والتخطيط والبرمجة والتنفيذ متمثلا في الهيئة العامة للعمل النسائي في الجانب الدعوي والتنظيمي وفي القطاع النسائي في المجال السياسي[9].

– وضع استراتيجية عمل تعتمد على “العين النسائية ” في مقاربتها للنصوص من خلال فتح باب الاجتهاد ومساهمة المرأة المتسلحة بالعلم الشرعي في الاجتهاد.

– المشاركة الفعالة للمرأة في جميع مؤسسات الجماعة، هذه المشاركة التي وصلت إلى نسبة مئوية ثابتة وهي 30% والتي لم تأت عبر نظام “الكوطا” بل هي مكسب ثمين، بالنظر لطبيعة المجتمع المغربي الذي تغلب عليه العقلية الذكورية، حيث لا يسمح إلا نادرا بالمشاركة النسائية في الفعل السياسي بدعوى عدم الضرورة إلى ذلك.

– التهيئ لمشروع من أجل إعداد عالمات متمكنات من أدوات الفقه ولوازمه، ممتلكات لمفاتيح تمكنهن من إعادة فهم النصوص القرآنية وإحياء السنة وفتح أبواب الاجتهاد، وذلك بمشاركة حقيقية للمرأة التي غيبت نظرتها الحافظة للغيب كما غيب جوهر الدين منذ أربعة عشر قرنا، ويعرف هذا المشروع انخراطا واسعا لعضوات الجماعة من خلال استكمال تعليمهن العالي في جميع المجالات السياسية والقانونية والاقتصادية والعلوم الشرعية .

يتبع…

[1] – عبد السلام ياسين: “تنوير المؤمنات ” الطبعة الأولى 1996، مطبوعات الأفق- الدار البيضاء.

[2] عبد السلام ياسين: تنوير المؤمنات ج 1، مرجع سابق ص 53-54

[3] – عبد السلام ياسين: ” تنوير المؤمنات ” الجزء الاول، الصفحة 25 .

[4] – محمد عبد الجبار وغانم جواد: ” توطئة لحقوق المرأة في الاسلام ” مساهمة في مؤلف جماعي .عمر القراي وآخرون: ” حقوق المرأة بين المواثيق الدولية والإسلام السياسي ” مركز القاهرة لدراسة حقوق الانسان .الصفحة 70 .

[5] – المرجع اعلاه .الصفحة 72 .

[6] – عبد السلام ياسين: ” تنوير المؤمنات “، ج1 .ص: 213 .

[7] تنوير المؤمنات ج1 ص 72

[8] – الفكر الحركي الإسلامي وسبل تجديده. ندوة: مستجدات الفكر الإسلامي والمستقبل، الكويت: الأمانة العامة للأوقاف، ط1، 1993م، ص: 272 .

[9] – تتوفر جماعة العدل والإحسان على ثلاث مؤسسات رئيسية وهي: الهيئة العامة للدعوى والتربية ( مومنين )، الدائرة السياسية والهيئة العامة للعمل النسائي ( مومنات )، كما تشمل الدائرة السياسية على ثلاث قطاعات: القطاع النسائي، القطاع النقابي والقطاع الشبابي .