مع آية فرض الصيام

Cover Image for مع آية فرض الصيام
نشر بتاريخ

بقلم: إبراهيم لمنياري

يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم تنزيله يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات [الآية 183، وبداية الآية 184 من سورة البقرة]

معنى الآية:

فرض الله الصيام على المسلمين كما فرضه على الأقوام من قبلهم، قصد أن يكونوا من المتقين.

الصيام في بداية الإسلام:

كان الصيام في بداية الإسلام كما كان عليه لدى الأمم من قبلنا؛ من كل شهر ثلاثة أيام، روي ذلك عن سادتنا معاذ وابن مسعود وابن عباس وعطاء وقتادة والضحاك بن مزاحم وزاد: “لم يزل هذا مشروعا من زمان سيدنا نوح إلى أن نسخ الله ذلك بصيام شهر رمضان” 1. وقد فرض أولا على وجه التخيير بينه وبين أن يطعم عن كل يوم مسكينا، ثم نُقل من التخيير إلى حتمية الصوم، لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يَطعَمَ حَرُمَ عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة، فنُسخَ ذلك بالرتبة الثالثة وهي التي هو عليها اليوم إلى يوم القيامة.

تاريخ فرضية الصيام:

 تأخر فرض الصيام إلى ما بعد الهجرة النبوية؛ في السنة الثانية من الهجرة النبوية، فانتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وقد صام تسع رمضانات 2.

الغاية من الصيام:

إن المقصود من الصيام بنص الآية السالفة ذكرها هو حصول العبد على التقوى، والتقوى اسم من اتقى، يتقي، والمصدر اتقاء، والاسم والمصدر كلاهما مشتق من “وقى” “يقي” والوقاية هي حفظ الشيء مما يضره.

فأصل التقوى أن يجعل الإنسان بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية. وبهذا المعنى عرفها الفقيه والمفكر الليبي علي الصلابي بقوله 3: “والتقوى هي من أسمى مراتب عبادة الله تعالى وهي أن يجعل العبد بينه وبين ربه وقاية من غضبه وسخطه وعذابه، وهي أن يعمل بطاعة الله على نور من الله يرجو ثوابه، وأن يترك معصية الله على نور من الله، يخاف عقابه… وهي من عمل القلب؛ لذا أضافها القرآن إليه في قوله سبحانه وتعالى: ذلك، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب[سورة الحج الآية 32]

التقوى عمل قلبي ترد الإشارة إليه، لأهميته البالغة، كرابط جامع يشمل التنظيمات الاجتماعية والتكاليف التعبدية سواء بسواء؛ يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في الظلال 4: “وفي التعقيب على القصاص ترد إشارة إلى التقوى لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون [سورة البقرة الآية 179]

وفي التعقيب على الوصية ترد الإشارة إلى التقوى كذلك كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت، إن ترك خيرا، الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين [سورة البقرة الآية 180]

وفي التعقيب على الصيام ترد الإشارة إلى التقوى أيضا يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون [سورة البقرة الآية 183]

ثم ترد نفس الإشارة بعد الحديث عن الاعتكاف في نهاية الحديث عن أحكام الصوم تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون [سورة البقرة الآية 187]

في جمع بين تقوى الله ومحبة الله ورسوله يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله 5: “وعلامة رسوخ حب الله ورسوله في القلب نشاط الأعمال القلبية يتلجلج فيه ويتعاقب الخوف والرجاء. من أحب في زعمه ولم تظهر عليه وفيه الخشية والتقوى فقد غوى، ومن دهمه الخوف حتى لم يُبقِ مكانا للرجاء فيئس وقنط فقد هوى.

التقوى جعلك العمل الصالح وقاية بينك وبين ربك. والخشية خوف يشوبه التعظيم ويبعثه العلم، قال عز من قائل: إنما يخشى الله من عباده العلماء [سورة فاطر الآية 28]

مراتب الصائمين:

أورد أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه القيم إحياء علوم الدين 6: “اعلم أن الصوم ثلاث درجات، صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص.

أما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وأما صوم الخصوص فهو كف الجوارح عن الآثام، وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية، ويحصل الفطر في هذا الصنف بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين، فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا.”

فوائد الصوم:

يمكن الحديث عن كثير من فوائد الصوم نجملها فيما يلي:

1 ـ نفسية وروحية: حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن العادات، وطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها ألا وهو تقوى الله والإخلاص في عبوديته والتقرب إليه.

2 ـ صحية واجتماعية: للصوم تأثير عجيب في حفظ البدن وحِمْيته من التخليط الجالب له المواد الفاسدة المفسدة له متى استولت عليه، واستفراغ المواد الرديئة المانعة له من صحته، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: “الصوم جنة” 7أي حفظ ووقاية. كما يذكِّر الصائم بحال الأكباد الجائعة من المساكين فيثير في قلبه الشفقة والرحمة، فيعطف عليهم مما يقوي من روابط الإخاء بين أفرد المجتمع.

3 ـ جماعية: لصوم رمضان أثر كبير في إشعار المؤمن بانتمائه لجماعة المسلمين؛ يسره ما يسرها ويؤلمه ما يؤذيها.

أن تسري هذه الروح؛ روح الانتماء لأمة واحدة دينها الإسلام، ذاك “ما يريده الإسلاميون، وهم الرحمة الإحيائية التي بها يجدد الله الكبير المتعال الإيمان، وهو أن تنبعث الأمة من رقاد وتتجمع من شتات وتحيا من موات لتقوى على حمل الرسالة للعالمين.” 8


[1] تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج1 ص 226 ط1 1420هـ.
[2] زاد المعاد في هدي خير العباد ج2 ص23
[3] مدونات صفحة الجزيرة على منصات التواصل الاجتماعي
[4] في ظلال القرآن ج2 ص163 ط 11
[5] تنوير المؤمنات ج 2 ص 334
[6] إحياء علو الدين ج1 كتاب أسرار الصوم ص277
[7] جزء من حديث أخرجه البخاري وغيره في الصوم (1894) باب 2 فضل الصوم عن أبي هريرة رضي الله عنه
[8] كتاب العدل، الأستاذ عبد السلام ياسين، ص 35.