الأبناء المغفلون!
كشفت وسائل الاتصال الحديثة عن مشكلة دعوية عويصة، ألا وهي هذا الجيش من “الدعاة” الطيبين غالبا، والخونة أحيانا، والمغفلين دائما. فهم في جميع الأحوال يقومون بدور أبي رغال عبر فضائيات الفتنة، التي لم تزد الأمة إلا خبالا!
أية تربية، أو إعادة تربية، تَلْزَم لكيلا يضيع العلماء بعد انتصار الدعوة في الإهمال، وهم كانوا في قيلولة الدَّعة ومسالمة الباطل وأهلِه أيامَ المحنة؟ أيةُ تربية زائدة على تربية الأحداث وعِبرَة الواقع تلزَم لكيلا تضيع الأمة في أسراب أهل العلم المتدربين المحَصِّلين الذين صمتوا أيامَ كان الكلام بغير تَجمِيرِ الحاكم الظالم ببَخور النفاق مَغْرَما؟)يحرِص أحدهم على منصبِه في المجتمع، ويخاف أن تموت سمعتُه، ويجبُن عن كلمة الحق ولو لم تُرْضِ الناس، ويجبُنُ حتى عن الحياد واللِّواذِ بكلمة “لا أدري” المنجِيَة. فإن جَبُنَ أحدهم حتى عن حياد “لا أدري” يومَ كان الجبارون في الأرض يحشدون خطباءَ الجمعة لتمجيد الفسق فقد أصيبَتْ مقاتِلُ دينه، وانهدَّتْ أركانُ مروءته. فكيف تستصلح الدعوة بعد النصر هؤلاء الأفاضلَ، أم كيف تُحيِي فيهم ما كان خَمَد، وتُرمم ما كان انهَدَّ؟) 1 .
وقد رأينا كيف تلاعب الانقلابيون بطائفة من هؤلاء “الدعاة” من كل الألوان من صوفية وسلفية ودعاة “الإسلام الأمريكي”، ليتبين لنا حتى إذا أحسنا الظن أن الغفلة غفلتان: غفلة عن الحق، وغفلة عن الخلق!
يحشد أعداءُ الإسلام القُرَّاءَ الخاملين الفصحاء لسانا، الخانعين همة، الساقطين عن رتبة العلم بانصياعهم للعدو، ليحاربوا بهم الدعوة المجاهدة. ويستمع “السواد الأعظم” من الأمة فصاحة القارئِ الصَّنيعَةِ، واستدلاله بالآية والحديث، واطلاعه على مذاهب الفقه وأقوال الأولين، فيقارن مع الدعاة المجاهدين الذين ترفعهم نيتهم وصدقهم مع الله إلى مصاف الصحابة، المهاجرين والأنصار، وقد تقصر بهم العبارة أو ما يعطيه التخصص من اطلاع على الفروع فيزدري العامة بالدعوة ويحسبون النجاة مع كل ناعق.)وأشد هؤلاء القراء الخطباء الفصحاء الصنائع عن وعي أو قصور شوكةً على الدعوة المتحدثون عن السنة والبدعة، ينتصبون قضاة يكفرون ويضللون.) 2 .
وإنك لتجد من هؤلاء المغفلين من يجمع بين الانتساب إلى الطرق الصوفية والانضواء تحت لواء النوادي الماسونية، لا يجد غضاضة في إعلان انتسابه والظهور في محافلهم، ثم يفتي بجواز قتل المتظاهرين من أجل الشرعية المغتصبة!
كان الأفغاني رجل سياسة خالط في مصر محافل الماسونيين، وإن لرجال السياسة اللابسين لها لبسوها لمعرفة بدخائل الأمور وحدسا يميزون به بين السمين الذي يتيح غنيمة وبين اليابس الذي يوهمك بطراوته ليمتص دماءك. فما بال الأفغاني يرتمي وسط الماسون؟ وما باله بعد أن عادى محفله يؤسس محفلا ماسونيا للمسلمين؟ أم ما بال تلميذه بعد ذلك يؤسس جمعية زعم أنها تقرب بين الأديان؟) 3 .
وتبقى وصمة العار في جبين هؤلاء المخلطين المتصوفة منهم، والمتسلفة ودعاة الإسلام الأمريكي هو انضوائهم تحت لواء جهات عرفت تاريخيا بضخ دولاراتها لزرع الفرقة أنى سُمع صوت للإسلام الناهض، مخافة أن يبرز للوجود إسلام غير الإسلام المنافق الذي قدموه للعالم منذ قرون بين بناء المساجد بالنهار وإحياء الليالي في المجون والفسوق!
ولوغ هؤلاء في ميلغة الانقلابيين وبترودولارات الوضاعين الذين يبغوننا الفتنة، ونقر الفتات الحرام من تحت موائدهم يسقط أهليتهم لأي موقع قيادي في مستقبل الأمة. وكلما تأخرت الأمة في فقه الفرق بين قياداتها المخلصة، وكل عليم اللسان مَوَّاءٍ في حجر السلطان كلما تأخر التمكين لا قدر الله.
نخشى أن يغتر المسلمون بالصيغة العصرية لقتال السلطان القرآن، وهي صيغة “الإسلام الأمريكي” أو “اليسار الإسلامي”. وقد يلهون الناس ويرشونهم للسكوت على التزييف بالدولارات النفطية وأحكام قطع السارق تطبق على البؤساء من غيرهم. قد يُغدِقون العطاءَ حيث لا ينفع التهديد. وقد يعزمون على تغليب جانب الرشوة، واستقطاب الدعوة واحتوائها، بعد المجازر الرهيبة التي استشهد فيها صفوة الرجال في مصر والشام وغيرهما. وقد يخترعون أساليب أخرى شيطانية لقتال القرآن وأهل القرآن. وإنهم لمتجندون لذلك. خبراءُ عاكفون على دراسة الأوضاع في بلاد الإسلام، نابشون عن كل صغيرة وكبيرة تخص الدعاة. يجمعون المعلومات، يدسون جواسيسهم بالمسواك والجلباب واللحية، ويمولون المؤسسات المتخصصة باسم معاهد للتعارف بين الإسلام والغرب، وباسم جمعيات صداقة، وباسم مؤتمرات يعمر أسواقها المحترفون، ويغشاها أيضا الصادقون منا ليبلغوا الدعوة وهم عن خفايا اللعبة غافلون. حذار!) 4 .
[2] عبد السلام ياسين رحمه الله: الاحسان، ص 331، دار الآفاق.\
[3] عبد السلام ياسين رحمه الله: الإسلام غدا، ص 428-429، مطابع النجاح.\
[4] جماعة المسلمين ورابطتها: عبد السلام ياسين رحمه الله، ص 16-17.\