معالم في السلوك إلى الله تعالى 6

Cover Image for معالم في السلوك إلى الله تعالى 6
نشر بتاريخ

الذكر

حلق الذكر:

وللسادة الصوفية من أهل السنة سند في أحاديث شريفة، منها ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد الخدري: “أن معاوية خرج على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا جَلسنا نذكر الله! قال آللهِ ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا آللهِ ما أجلسنا غيره! قال: أما إني لم أستحلفْكم تُهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلَّ عنه حديثا مني. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا. قال: آللهِ ما أجلسكم إلا ذلك! قالوا: آللهِ ما أجلسنا إلا ذلك! قال: أما إني لم أستحلفكم تُهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة”.

وحديث آخر يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة”.

إن ريح الجنة تشام في مجالس الذاكرين الصادقين كما روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر”.

فحلق الذكر روضات من رياض الجنة مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تبارك وتعالى يتلون كتاب الله عز وجل ويتدارسونه بينهم (في رواية لرزين: ويذكرون الله) إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”.

ويشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه رضي الله عنهم رعاية وتوجيها وتعليما. من إشرافه صلى الله عليه وسلم ما رواه الإمام أحمد في الزهد عن ثابت قال: “كان سلمان في عصابة يذكرون الله، فمر النبي صلى الله عليه وسلم فكفوا. فقال: ما كنتم تقولون؟ قلنا: نذكر الله. قال: إني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها. ثم قال: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر معهم”

وذلك قوله تعالى لحبيبه: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ.

نرى كيف تفقد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وكيف بشرهم رفعا لهممهم بأن الرحمة تتنزل عليهم لما ذكروا الله في مجلسهم. وهكذا يجمع لنا هذا الحديث الشريف والآية الكريمة شروط السلوك وأركانه ألا وهي المعية مع المومنين ودوام الذكر بالغداة والعشي بشرط صحة ذلك وهو الإرادة الماضية المتعلقة بوجه الله عز وجل تتجرد عن الإرادات الدنيوية.

إن المعية مع المومنين وملازمة مجالس الذكر تعرض للكرم الإلهي والمنح الربانية التي يخص الله عز وجل بها من يؤهلهم لمنازل القرب وكمالات الصلاح والفلاح. ذلك ما يفصح عنه الحديث القدسي: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الرب عز وجل يوم القيامة: سيعلم أهل الجمع من هم أهل الكرم. فقيل: ومن هم أهل الكرم يا رسول الله! قال: مجالسُ الذكر في المساجد”.

ذلك وإلا فالإعراض عن ذكر الله وعن تعلم ما يقرب إلى الله عز وجل لعنة نسأل الله السلامة والعافية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم”.