مقدمة
مع حلول الثامن من مارس من كل سنة تشحذ الأقلام ويسيل مداد كثير في مناقشة وبسط الموضوع القديم/الجديد؛ موضوع المرأة (حقوقها، واجباتها، مكانتها…). ومن بين أكثر المواضيع تناولا خلال السنوات العشر الماضية موضوع المشاركة السياسية للمرأة، الذي نال اهتمامًا كبيرًا من الباحثين والدارسين المهتمين بواقع المرأة العربية خصوصا والمسلمة عموما، وأهمية دورها في النشاطات والمشاركات السياسية، بل أثار جدلا واسعا حيث اختلف حولها الناس بين مفرِط ومفرِّط، وبين مجحف بحقها ومضيع للثوابت. كما اضطربت فيه الفتاوى بين موسع ومضيق، بل إن بعض الجهات المختصة بالفتوى أصدرت فتوى بالمنع، ثم أصدرت فتوى أخرى بالإباحة.
إن من الحقائق الثابتة التي تبدو بديهية للجميع والتي ترد في معظم الأدبيات والتقارير الخاصة بالنساء “إنّ المرأة نصف المجتمع”، ويمثل هذا الإقرار بحد ذاته تأكيدا و دليلا على أن وضع المرأة في المجتمع هو أحد المؤشرات والمقاييس الهامة المعبرة عن واقع هذا المجتمع، ومدى تطوره ودرجة نمائه وتقدمه، فبقدر ما تتمتع المرأة بحقوق ومكانة تكفلها أنظمة وقوانين المجتمع، وبقدر ما تتاح للمرأة فرص التعليم والعمل والتعبير عن قدراتها وإبداعاتها يكون المجتمع قد خطا على طريق تحقيق التنمية المنشودة والتقدم في مختلف المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية.
لكن على الرغم من هذه الحقيقة، لا يلزمنا جهد كبير لإثبات الفجوة الكبيرة واختلال التوازن البين بين أدوار كل من الرجال والنساء في مجتمعاتنا العربية من حيث المشاركة السياسية – التي تشكو أصلا من خلل عام-، فإذا قمنا بتدقيق النظر من خلال استقراء الواقع حولنا وقراءة الأرقام المتاحة لخرجنا باستنتاج مفاده أن هناك تمييزا سلبيا مورس ولا يزال يمارس ضد المرأة وأن هذا التمييز يطال حقوقها المختلفة بصورة عامة.
من أجل هذا، ارتفعت الأصوات منذ أربعينيات القرن الماضي مطالبة بتحسين وضع المرأة العربية وتعزيز حضورها في المجتمع، ثم ما لبثت القضية أن أخذت بعدا دوليا لينعقد المؤتمر تلو الآخر ولتوقع الاتفاقية تلو الأخرى حتى أضحت هذه الاتفاقيات والمواثيق الدولية مرجعية كل مناد بالتمكين للمرأة وبتعزيز وجودها في مراكز القرار السياسي كمدخل وحيد لإحداث التغيير في أوضاع المرأة المجتمعية.
في ظل هذا الواقع المائج الموار، وفي خضم ممارستنا الميدانية، نجد أنفسنا، باعتبارنا مكونا من مكونات الحركة الإسلامية، محاصرين بمجموعة من الأسئلة الآنية والمستقبلية التي تنتظر منا إجابات عليها قصد السير على هدى وبصيرة، وقصد المساهمة في إعداد مشروع مجتمعي تحضى فيه المرأة بالمكانة التي تستحقها والتي وضعها فيها الله عز وجل وعاشتها بكل أريحية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.
تحديد المفاهيم
في البداية، ولكي يتتبع معنا القارئ العزيز، نورد تعاريف موجزة لبعض المفاهيم الأكثر تداولا في هذا الموضوع:
الشأن العام
هي ما يسميه الفقهاء فروض الكفاية أو ما نسميه أيضا الفروض الاجتماعية، وهي أشد توكيدا من الفرائض الفردية، لأن الإثم عند التخلف عن القيام بأمور الشأن العام يقع على الأمة جمعاء، بينما يقع على الفرد وحده عند التخلف عن الفرائض الفردية والعينية.
أو هي التدابير التي تهم جمهور الأمة، يتحدث الإمام ابن القيم عن التدابير التي يكون الناس معها أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد.
وبتعبير معاصر، يخص الشـأن العام كل القضايا التي ترتبط بصفة مباشرة بالمعيش اليومي للمواطنين ويتم تدبيرها من طرف الدولة والهيئات العامة ونذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: الخدمات السياسية، الاقتصادية، الصحية، الاجتماعية، التربوية، الثقافية، الإدارية وغيرها.
المشاركة السياسية
هي السلوك المباشر وغير المباشر الذي بمقتضاه يلعب الفرد دورا في الحياة السياسية في المجتمع، حيث تصبح لديه قدرة التأثير على اتخاذ القرار وتحقيق الأهداف.
والمشاركة المقصودة هنا أعم من المشاركة في صنع القرار السياسي من خلال المجالس النيابية أو المحلية، فهي تنسحب أيضاً على الانخراط الفاعل في نشاط المنظمات التي تسهم في تشكيل المجتمع كالأحزاب، النقابات، الجامعات، وسائل الإعلام المختلفة وسائر مؤسسات المجتمع المدني.
بالنسبة للمشاركة السياسية للمرأة فقد تعددت المؤلفات والدراسات التي تتناول تعريفها، وهذه التعاريف لا تختلف كثيرا عن بعضها وتتفق في مجملها في اتجاه منح المرأة حقها في المشاركة الحقيقية في أوجهها المتعددة.
وعلى ذلك يمكن تعريف المشاركة السياسية للمرأة في العموم كما عرفتها الدكتورة هيفاء أبو غزالة، المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة في ورقة لها بعنوان (استراتيجية الأمم المتحدة للمشاركة السياسية للمرأة)، استناداً إلى لجنة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أن هذه المشاركة “تتضمن المشاركة في مؤسسات الدولة، والمشاركة الفعالة في المؤسسات الأهلية المرتبطة بالحياة السياسية للدولة. وتشمل مشاركة المرأة في مؤسسات الدولة مشاركتها في ممارسات السلطة السياسية، وخصوصاً في ممارسة السلطات التشريعية، القضائية، التنفيذية، والإدارية، وتتضمن هذه الأخيرة جميع نواحي الإدارة العامة وتصميم السياسات وتنفيذها”.
النوع
النوع البيولوجي: هو النظر إلى المرأة كجنس بيولوجي دون حق في المشاركة في الحياة السياسية والبرلمانية والمجال العام، سواء في العمل أو الانتخاب أو الجمعيات والهيئات الخيرية.
النوع الاجتماعي: و هو النظر إلى المرأة كفرد في المجتمع وفق دور يحكمه الزمان والمكان وبالتالي تكون شريكة للرجل، و يكون لكل منهما عمله ورغباته واتجاهاته، والعلاقة بين الرجل والمرأة تكون قابلة للتغير حسب المفهوم والثقافة السائدة.
التحليل حسب النوع الاجتماعي: هي وسيلة لجمع وتحليل وتقييم المعلومات حسب النوع الاجتماعي. وتهدف إلى إشراك الرجل والمرأة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أثناء جميع مراحل تصميم المشاريع وتنفيذها ومتابعتها للمشاريع، بحيث يستفيد كلا الجنسين بصورة متساوية وعادلة من ثمار التنمية.
التمكين
هو العمل الجماعي في المجموعات المهمشة لمواجهة العقبات والتمييز التي تقلل من أوضاعهم وتصادر حقوقهم. والمقصود أن الأشخاص -نساء ورجالا- يتحكمون في حياتهم الخاصة، ويكتسبون قدرات (أو يعترف لهم بقدراتهم ومعارفهم التي اكتسبوها)، ويحسنون ثقتهم بأنفسهم، ويجدون حلولا لمشاكلهم، ويطورون استقلاليتهم. يتعلق الأمر إذن بمسار ونتيجة في نفس الوقت.
بالنسبة للمرأة، يهدف التمكين إلى:
– تضييق الفجوة القائمة بين الرجل والمرأة في جميع مجالات الحياة.
– توسيع الفرص أمام النساء في التعليم والاقتصاد والحقوق وفي المجال السياسي والنقابي الخ..
– إزالة العوائق التي تعترض سبل النهوض بالمرأة من قبيل العوائق المرتبطة بالصحة.
– المساواة في المشاركة في مختلف أوجه النشاط داخل المجتمع، بما في ذلك أنشطة اتخاذ القرار.
– توفير الأدوات والآليات المساعدة على مزید من إدماج النساء في النسيج الاجتماعي والاقتصادي، لتعزیز استقلاليتهن، وتعزیز كرامة النوع الإنساني.
التمييز الإيجابي
التمييز الإيجابي أو التدخل الإيجابي: هو إعطاء النساء بشكل مؤقت نوعاً من الدعم المؤسسي أو القانوني للتعويض عن التمييز السلبي الذي تعانين منه نتيجة المفاهيم التقليدية ولعدم توافر أي من مصادر النفوذ المالي أو الاجتماعي أو السياسي لديها، وإلى أن يتحقق بعض التكافؤ بين إمكانيات النساء والرجال أو حتى تنكسر حدة النظرة النمطية التقليدية تجاه المرأة.
من أشكال هذا التمييز الإيجابي نذكر الكوطا (وهي تخصيص مقاعد للنساء في المجالس المنتخبة)، ويعطي هذا النظام للمرأة الحق في أن يكون لها نسبة تمثيل في جميع الهياكل المنتخبة، وتستخدم الكوطا لتوفير فرصة للفئات الأقل حظاً في المجتمع في الوصول للفرص، مثل النساء والسود والأقليات.
معطيات من الميدان
في البداية، نشير إلى صعوبة الحصول على معطيات عددية مضبوطة ودقيقة إذ لا تتوفر إلا في التقارير وقد تختلف هذه الأخيرة بخصوص نفس البلد حسب الجهة الواضعة للتقرير والجهة التي يوجه لها التقرير.
عموما يمكن الجزم بأن الحضور النسائي في الشأن العام في الدول العربية، وحتى في بعض الأحيان الغربية، لا يزال ضعيفاً فهو فضاء رجالي لا يحظى باهتمام النساء إلا بنسبة ضعيفة وفي حالات معينة، وتتفاوت نسبة هذا الحضور من بلد إلى بلد؛ فنسب المشاركة في الدول العربية وضمنها دول شمال أفريقيا من أضعف النسب بين دول العالم، بل في بعض الدول ما زالت النساء لا يملكن حق التصويت، لكن الوضع بدأ يتغير ولو ببطء، حيث سجل ارتفاع نسبي في تمثيل النساء في البرلمانات الوطنية لعدد من الدول العربية بعد إقرار نظام الكوطا كإجراء مؤقت، وتزايد عدد النساء ولو ببطء في مجالس الوزراء.
لكن على الرغم من ذلك فإن النتائج المحققة في مجال تعزيز مشاركة النساء في تدبير الشأن العام على المستويين المحلي والوطني تبقى محدودة مقارنة مع مستوى الحضور والعطاء والمساهمة المتميزة للنساء في مختلف المجالات.
بصفة إجمالية، يمكن أن نقسم المراحل التي مرت منها المطالب النسائية والإنجازات التي حققت إلى ثلاث:
المرحلة الأولى: الأربعينيات من القرن الماضي
خلال هذه المرحلة، انتظم الحديث عن موضوع المرأة في إطار الفكر الاجتماعي الإصلاحي، لأن حضور الفقه والتشریع والعادات في توجيه الرأي العام مازال قويا، فتم التركيز في هذه الفترة على التعليم وما ارتبط به من قضايا الاختلاط والحجاب والعمل وأسس بناء مؤسسة الأسرة.
كان التطور في قضية المرأة في هذه الفترة بطيئا یعكس مجمل التناقضات التي تعتمل في قلب المجتمعات العربية، لكنه توج بتلبية بعض المطالب النسائية وخاصة في باب القوانين المنظمة للأسرة، والقوانين التي تتيح للنساء المشاركة في الحياة السياسية.
المرحلة الثانية: الثلث الأخيرمن القرن الماضي
تميزت هذه الفترة بزخم كبير وحركية دؤوب في قضية المرأة إذ حصل تبني القضية من طرف المنتظم الدولي ومؤسساته، وأصبحت تشكل قضية رئيسية في جداول أعمال كثير من التنظيمات الاجتماعية، فعقد المؤتمر تلو المؤتمر والجلسة تلو الأخرى وتوسع مجالات المطالب النسائية وتطورت نتائجها.
في هذه المرحلة أيضا تطورت المرجعيات النظریة التي ركبت في إطارها مواقف الحركات والتنظيمات والمؤسسات، وظهرت مفاهيم جدیدة أصبحت تستعمل كوسائل للتفكير في واقع المرأة العربية، من قبيل المساواة والعدالة والمشاركة والتمكين والتنمية الإنسانية.
استجابة لضغوط المجتمع الدولي، عملت الحكومات العربية على إدخال متغير النساء في خطط وبرامج التنمية، كما بدأ النظر إلى النوع الإنساني كهدف مركزي في عمليات التنمية الاقتصادیة.
المرحلة الثالثة: وتمتد إلى الآن
تم التركيز في خطابات هذه الفترة على أن تجاوز أوضاع المرأة يرتبط مباشرة بإنجاز تغيرات في مختلف الهياكل المؤسسة للمجتمع، لضمان مشاركة المرأة وضمان مواجهة التصورات والأحكام السائدة عنها. كما ظهر الحديث عن مفاهيم جديدة مثل التمكين، المناصفة…
خلاصة
نلاحظ أن هناك تطورا تدريجيا في المطالب النسائية حيث مرت هذه الأخيرة من مطلب الحق في التعليم إلى مطلب تحديد الأدوار داخل الأسرة من خلال قوانين الأسرة، ومنه إلى مطلب الحق في الترشيح والتصويت، ثم إلى مطلب التمكين وتعزيز مشاركة المرأة في مواقع السلطة، وأخيرا وليس آخرا مطلب المناصفة.
منطلقات للعمل
في البداية، نشير إلى ضرورة التمييز بين المرجعية الرسمية للدول وهي عموما المرجعية الكونية لحقوق الإنسان وبين مرجعية الهيئات والمنظمات التي تختلف حسب التوجه: علماني أم إسلامي.
تلتقي جميع هذه التنظيمات في سؤال إمكانية تحقيق إصلاح سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي دون المرأة، لكنها تختلف في المنطلقات. فبينما لا تعترف التنظيمات النسائية العلمانية وذات التوجه اليساري إلا بالمواثيق الدولية تحاول أغلب التنظيمات الإسلامية التوفيق بين المرجعية الإسلامية والمواثيق الدولية.
فماذا يقصد بهاتين المرجعيتين؟
المرجعية الكونية لحقوق الإنسان
تتمثل في ارتكاز الدولة أو المنظمة على مجموعة من المواثيق الدولية، عامة كانت أو خاصة، التي دولت وأرغمت الدول العربية على المصادقة عليها بضغوط متعددة ليس هنا مجال تفصيلها. فمن المواثيق عامة نذكر ميثاق الأمم المتحدة (1945)، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية (1966)، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)..
أما المواثيق الخاصة بالمرأة فنسوق كأمثلة اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة (1952: (نصت على منح النساء حق التصويت والترشيح والتعيين في البعثات والهيئات الرسمية والدبلوماسية.
اتفاقية القضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة CEDAW (1979) ونصت على إزالة التمييز والتأكيد على المساواة في المجالات التالية: التشريعات الوطنية، الحقوق السياسية والمدنية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
خلاصة
ترتكز مبادرات إشراك المرأة في الشأن العام على: المساواة بين الجنسين، الديمقراطية وحقوق الإنسان، التنمية البشرية المستدامة.
المرجعية الإسلامية
يمكن تحديد موقف التنظيمات الإسلامية في العالم العربي من مشاركة المرأة في الحياة السياسية والشأن العام في ثلاثة تيارات:
أ- التيار الأول: يحرم على المرأة كل شيء ويجعلها حبيسة المنزل؛ ويعتبر خروج المرأة للعمل والمشاركة في الحياة العامة أمرا حراما بل وبلغ الأمر بأصحابه إلى اعتبار المشاركة السياسية للمرأة نوعاً من الفجور والدعوة إلى الرذيلة.
ب- التيار الثاني: لا يحرمها لكن يميل لعدم مشاركة المرأة في السياسة والشأن العام والاقتصار على دورها كزوجة وأم.
ج- التيار الثالث: يؤيد المشاركة السياسية للمرأة، بل منهم من يعدها واجبا شرعيا، وذلك استناداً إلى فتاوى وآراء دينية تنطلق من أن التكليف الإلهي والمسؤولية موجَّهان إلى كل البشر رجالاً ونساءً، فالله لم يخص الرجل بالولاية وهذا حسب رأيهم يصح على المشاركة السياسية للمرأة والرجل على حد سواء.
منطلقات جماعة العدل والإحسان
تحتل قضية المرأة موقعا مركزيا في مشروع جماعة العدل والإحسان، وتملك الجماعة، بفضل مرشدها الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، رؤية متميزة ومجددة لقضية المرأة، سواء من حيث تشخيص الأسباب التي أوصلت المرأة إلى الواقع المهين الذي تعيشه في العصر الحالي، أومن حيث اقتراح بدائل لهذا الواقع ومداخل لإصلاحه، وذلك من أجل تمكين المرأة من أداء دورها الأساسي في المجتمع وهو ما يسميه الأستاذ عبد السلام ياسين البرج الاستراتيجي).
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله قضية المرأة المسلمة وقضايا المسلمين الأخرى شأن واحد. والحديث عن تحرير المرأة وإنصافها، وعن تاريخ بلائها دون ربط ذلك بالسياق التاريخي السياسي الاقتصادي الفقهي الاجتماعي فصل اعتباطي لما لا ينفصل) 1 .
ويقول أيضا انحطت المرأة المسلمة بانحطاط المسلمين. بدأ الانحطاط منذ تدهور نظام الحكم مِن خلافة على منهاج النبوة إلى مُلك عاض وراثي بمقتضاه ينتخب الوالد ولده ويعهد إليه أمر المسلمين يورثه إياه كبعض ما يورث من المتاع. ولم تلبث المرأة أن أصبحت سلعة في السوق وجارية في القصور ومحضية وكمًّا مُهملا) 2 .
ويقترح الإمام المجدد عدة مستويات للعمل من أجل استعادة المرأة للدور الريادي الذي كانت تلعبه في العهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة (التربوي، العلمي، الفقهي، والسياسي) وليس هنا مجال لبسط هذا الموضوع على أهميته.
تنطلق الرؤية للمشاركة السياسية للمرأة في هذا المشروع التجديدي من منطلقات متعددة منها:
ثنائية الحياة الإنسانية
يقول الله تعالى: ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون 3 . حسب هذه الآية، تندرج الحياة الإنسانية ضمن قاعدة الخلق تلك؛ أي أنها قائمة في وجودها واستمرارها على الثنائية التلازمية بين ذكر وأنثى ولا يمكن، بل يستحيل، تصور أية إمكانية للحياة الإنسانية بغياب أحد قطبي تلك الثنائية فكل قطب من قطبيها لا وجود له ولا فعل إلا من خلال القطب الآخر وبه، ودون ذلك لا حياة، وليس لأي منهما ولا يستطيع ادعاء أفضلية تميز أو سبق على الآخر، فبوجودهما وتفاعلهما معاً في ذات الوقت تقوم الحياة وتتواصل.
تلازم العدل والإحسان
قال عز وجل: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون 4 .
يدور القرآن الكريم أساسا حول هدفين محوريين استراتيجيين يفضي الأول منهما ويقود تلقائياً ومباشرة إلى الثاني، ولا يستقيم الثاني على تمامه وكماله إلا بالأول ومن خلاله، وهما:
الإحسان: مطالبة الإنسان بالإيمان بالله وملائكته ورسله وتقوى الله وخشيته وعبادته.
العدل: العمل على تأسيس وإقامة حياة الناس وعلاقاتهم بالعدل والقسط وتحريم الظلم والقهر والاضطهاد والاستغلال من بعضهم لبعض، وتعميق وتقوية عرى وعلاقات التكافل والتعاون والحب والوئام والسلام بينهم وفي حياتهم.. قال تعالى: ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط 5 .
التكليف العام
يتوجه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم إلى الناس كافة بقوله سبحانه: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون 6 وقوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكرآل عمران 110..
من خلال هذه الآيات يتبين أن المرأة مطاَلبة بأن يكون لها دور في الشأن العام مثل الرجل لأﻧﻬا مَخاطبة بالتكاليف مثل ما يُخاطب الرجل. وهي أيضا معنية بالأمر بالمعروف الذي يشمل الوظائف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكل ما يدخل في الشأن العام.
الولاية بين المؤمنين والمؤمنات
يقول الله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 7 .
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية مشتركة بين الرجال والنساء، هما العمل التضامني الذي يوقف الوَلاية بين المؤمنين والمؤمنات على قَدَمٍ. إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ركنان من أركان الإسلام، وطاعة الله ورسوله أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وَلايَة إيمان. تدخل الصلاةُ وتدخل الزكاةُ في طاعة الله ورسوله كما يدخل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دخولا اندماجيا لا فصل معه بين الدين والسياسة. الدين سياسة والسياسة دين. والمرأة المؤمنة كالرجل المؤمن نصيبها من المسؤولية السياسية مثل نصيبه) 8 .
عدم التمييز بين الجنسين في الحقوق السياسية
إن أغلب الآيات القرآنية التي تتناول الحقوق السياسية تكون عامة في خطابها لأنها لا تميز بين المرأة والرجل ومن هذه الآيات، نذكر كأمثلة يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم 9 .
فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى، بعضكم من بعض 10 .
إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا 11 .
والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون 12 .
فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر 13 .
بيعة النساء
يقول الله تعالى يا أيها النبيء إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا ياتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم 14 .
ومعروف بأن المبايعة في ذلك الزمان وبهذا اللفظ تعني الاتفاق والموافقة فيما يتعلق بالشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري والتعليمي العام لحياة المجتمع.
وقال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف 15 .
الشورى بين الناس دون تمييز
قال تعالى: والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون 16 . وقال أيضا: فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر 17 .
الشورى والمشاورة إذن واجبة وملزمة في أمر المؤمنين جميعاً بغير استثناء ويشمل الذكر والأنثى الرجال والنساء.
عوائق في الطريق
إن أمام انخراط المرأة المسلمة في الشأن العام عوائق عديدة ومتنوعة يمكن إجمالها في أربعة أنواع:
المعيقات الثقافية والاجتماعية
ونذكر من بينها:
– هيمنة الثقافة الأبوية السلطوية وتوزيع المسؤوليات والأدوار النمطية المكرسة للتمييز بين الجنسين.
– الموروثات الثقافية والعادات والتقاليد (العمل السياسي بطبيعته عمل ذكوري، المكان الطبيعي للمرأة هو بيتها وأسرتها، طبيعة المرأة تجعلها إنسانة عاطفية ومتقلبة المزاج).
– الدور الأساسي الذي تلعبه كل من التنشئة الاجتماعية والتعليم والإعلام في تعزيز الموروثات التمييزية ضد المرأة وفي بلورة رؤية معينة للمرأة.
– شيوع القيم الاستهلاكية من جهة أو الأوضاع الاقتصادية المتردية وانتشار حالة الفقر والأمية من جهة أخرى.
– توظيف الخطاب الديني السياسي المتشدد الذي يعمد إلى تهميش وإقصاء النساء من المشاركة في المجال العام.
– تداخل التعصب الديني والتفسيرات الدينية مع القيم الاجتماعية لدرجة تجعل انتقاد الموروثات والتقاليد وكأنه خروج على الدين، ونخص بالذكر هنا مجموعة من الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة جدا من قبيل “من تسعٍ وتسعين امرأة واحدة في الجنة وبقيتهن في النار” و”هلكت الرجال حين أطاعت النساء” و”إياكم والنساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت بسببهن”.
المعيقات السياسية
وتعود أغلبها إلى طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة والتي تؤدي إلى:
– غياب الإرادة السياسية لصناع القرار.
– غياب وضعف الديمقراطية.
– عدم احترام حقوق الإنسان.
– غياب الاستقرار السياسي في المنطقة العربية.
– تحكم القبلية والتحالفات المصلحية في السياسات العامة.
– تحكم الانتماءات العائلية والقبلية والمذهبية في إسناد المناصب القيادية في الدولة والأحزاب والجمعيات.
– ضعف الإمكانيات المادية والمعنوية الضرورية لتدعيم منظمات المجتمع المدني.
المعيقات التشريعية
إن تمحيص النظر في التشريعات العربية يجعلنا نلاحظ وجود خلل وعدم اتساق في البنية التشريعية للبلدان العربية، وكذلك سهولة التلاعب بالقوانين الانتخابية من أجل استغلال المرأة انتخابيا والوصول إلى أهداف الأنظمة السياسية، مما يبين أن قوانين الانتخابات النافذة في البلدان العربية قاصرة عن تمكين النساء سياسياً بل تشكل في أحيان كثيرة عائقا أمامهن.
خلاصة
عموما، ترتبط معيقات انخراط المرأة المسلمة في الشأن العام بثلاثة نواقص؛ هي النقص في الحريات، النقص في المعرفة، والنقص في التمكين.
عود على بدء
إذا كانت مشاركة المرأة المسلمة في الحياة السياسية لمجتمعها في طرحنا لا غبار عليها شرعيا، فإنها خلال الممارسة الميدانية تطرح على أبناء الحركة الإسلامية المتبنين لهذا الخيار إشكالات حقيقية في موضوع مساهمة المرأة في الشأن العام الداخلي منه والخارجي، ويتطلب الجواب عليها اجتهادا جماعيا وجرأة حقيقية ومساهمة فعالة من العين النسائية.
المراجع
– عبد السلام ياسين، (1996): تنوير المؤمنات ج1 وج2. مطبوعات الأفق – الدار البيضاء.
– المعهد العربي لحقوق الإنسان، (2004): المشاركة السياسية للمرأة العربية. تحديات أمام التكريس الفعلي للمواطنة: دراسة ميدانية في أحد عشر بلدا عربيا، تونس.
– خالد حمود العزب، (2012): المشاركة السياسية للمرأة رؤية شرعية وتنموية. مؤسسة التنوير للتنمية الاجتماعية، الجمهورية اليمنية.
[2] تنوير المؤمنات، ج1، ص25.\
[3] الذاريات 49.\
[4] النحل 90.\
[5] الحديد 25.\
[6] آل عمران 104.\
[7] التوبة 71.\
[8] تنوير المؤمنات، ج2، ص305.\
[9] الحجرات، 13.\
[10] آل عمران 195.\
[11] الأحزاب 72.\
[12] الشورى 38.\
[13] آل عمران 159.\
[14] الممتحنة 12.\
[15] البقرة 228.\
[16] الشورى 38.\
[17] آل عمران 159.\