مسيرة أربعين عاما في كلمات

Cover Image for مسيرة أربعين عاما في كلمات
نشر بتاريخ

منذ أربعين سنة ونيف، أشرق نور رجل من رجالات الأمة الأفذاذ، قام ليدعو إلى ربه سبحانه مع صاحبيه. عاف الدنيا بمطايبها. وإن أتته راغمة بعد أن حاز من أعظم مراتبها مرتقيا في سلك الوظيفة. وتعلم اللغات، وأتقن مهمة الأنبياء عليهم السلام في تعليم الناس الخير.

قام إلى الله يدعو، فأسس نواة لحركة دعوية كبيرة يشيد بخطها التربوي وحضورها السياسي ودعوتها الرفيقة المنصفون.

خطط لدعوة مباركة بتنظيرات تستقرئ التاريخ، وتنهل من الوحي، وتبحث عن القدوة في نماذجها الكاملة، وتستفيد من حكمة الأمم، وتطرح الحلول المؤصلة بنظرة تجديدية تستحضر المصلحة المعتبرة شرعا في بعدها المقاصدي، ولا تغفل عن مساءلة الواقع ومسايرة متطلباته بما لا يخدش الأصول، أو يمس شرع ربنا جل في علاه.

نصح لأولي الأمر طيلة مسيرته الدعوية، و”الدين النصيحة”، فضُيق عليه وعلى دعوته، وزُج به في مستشفى المجانين، حوصر في بيته كما حوصرت دعوته، على سنة الله تعالى في الدعوات الصادقة، لكنه بقي صلبا لا يلين عوده ولا ينكسر، ولا ينحني ظهره الذي اعتاد السجود لله وحده. مكث عصيا على الظلم، منكرا للاستكبار، رافضا لكل صور الخضوع والخنوع، لا يعرف في الحق لومة لائم.

فكانت ثمرة كل ذلك؛ أجيالا من المومنين والمومنات دلهم على الله تعالى قائلا: “من هنا الطريق، من هنا البداية”، وتنظيما قويا، لله ولرسوله الفضل والمنة، يعتبر من أقوى التنظيمات الإسلامية على الساحة الدعوية.

كانت الثمرة تغلغلا لطيفا في الواقع، ومعانقة صادقة لهموم الشعب وقضايا الأمة.

كانت الثمرة حضورا إعلاميا وفكريا راشدا في المنتديات الإقليمية والدولية.

كانت الثمرة نتاجا فكريا وازنا يقعّد للانعتاق الفردي والجماعي، لكيفية السلوك إلى الله تعالى للفوز بما عنده، وكيفية إقامة العدل لنصرة المستضعفين المعذبين في الأرض، وتطوير الاقتصاد حتى  لا تبقى أمتنا في ذيل الأمم، وحتى تخترع وتشيد وتسهم في نمو الأوطان، فتصير  قادرة على مواجهة تحديات الاستكبار الذي لا يرغب في استقلاليتها السياسية والاقتصادية، فلا هي تصنع ما تستعمل من الاختراعات ولا تزرع ما تأكل من الطعام…

نادى بتحرير المرأة، ذلك المخلوق المكدود، تحررا حقيقيا ينهضها لتدرك كمالاتها، وتسهم مع أخيها الرجل، صنوها في المظلومية، في بناء الأمة، ونصرة الحق، لا أن تبقى قعيدة بيتها، تنتظر أن يُفعل بها ولا تفعل، بإرادة جامدة لا تحرك ساكنا، مقهورة محقورة في جنبات المعامل المتحجرة، تستغل أبشع استغلال، أو دمية تزين بها مجالس أصحاب الفخامة والجلال.

أرادها حرة الإرادة، قوية العزم والحزم، متسلحة بالعلم والحلم، متحلية بسمت أهل الإيمان والتقى، متحدية مطبات الاستلاب، وعقبات النفس الأمارة بالسوء، لتعانق ذرى الإحسان على غرار نساء الصدق والسبق ممن ارتقين في مدارج المعرفة بالله ضمن صحبة مباركة ميمونة.

أرادها منافحة بقوة عن حقوقها المختلفة ومنها حقها في معرفة الله تعالى، دون أن تغفل عن وظيفتها الأساسية أما رؤوما وزوجة حنونا.

جبهتها الأساسية ترفعها إلى مقام القداسة المستحق، وتجعلها تسهم في التأسيس للبنات بناء الأمة القوية.

إنه الإمام المجدد والمرشد المربي والعالم المنظر لحاضر الأمة ومستقبلها؛ الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى، الذي قضى نحبه متهمما بأحوال الأمة، داعيا إلى انعتاقها، سالكا كل السبل القمينة بتحقيق غد أفضل لها. فضيلة الإمام الذي عاش ومات، وإن كان لا يزال حيا فينا، منافحا عن قضايا الأمة والوطن، داعيا الفضلاء للتعاون والتحاور على أرضية دين الشعب وعقيدته الراسخة: الإسلام، طلبا للتغيير.

رحم الله تعالى الإمام المجدد، وكتب له ولأهله ومن نصر دعوته من قريب أو بعيد أجر الدعوة المحمودة والمائدة الممدودة إلى أن تقوم الساعة، والحمد لله رب العالمين.