مراقبة المحتوى الإعلامي وحماية الأطفال من التأثيرات السلبية؟

Cover Image for مراقبة المحتوى الإعلامي وحماية الأطفال من التأثيرات السلبية؟
نشر بتاريخ

في زمن يتسارع فيه انتشار المعلومات عبر الوسائط الرقمية، تقع على عاتق الأسر مسؤولية كبيرة في حماية أبنائها من التأثيرات السلبية للمحتوى الإعلامي. ومن الضروري أن يتبع الآباء نهجاً تربوياً مستنيراً يتماشى مع القيم الإسلامية لضمان صحة وسلامة أبنائهم في عالم مليء بالتحديات الإعلامية.

1-      أهمية مراقبة المحتوى الإعلامي

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث متفق عليه: “أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ… وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ…” وهذه إشارة إلى المسؤولية الكبيرة تجاه الأهل والعيال بحاضرهم ومستقبلهم، وما تستلزمه هذه المسؤولية من حرص على مصلحتهم ودفع لكل مفسدة قد تفسد دنياهم وآخرتهم، ويدخل في هذا الباب مراقبة ما يتعرض له الأبناء من محتوى إعلامي لا سيما في هذا الزمان الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، إذ يجب أن يكون المحتوى متوافقا مع القيم والمبادئ الإسلامية التي ينبغي أن ينشأ عليها الطفل.

لذلك فالحديث عن الرقابة الأبوية على المحتوى الإعلامي هو تعبير عن حرص الأهل على تربية أبنائهم في بيئة سليمة وآمنة، تحافظ على سلامتهم العقلية والنفسية والأخلاقية.

2-      تقييم المحتوى بناء على الفئة العمرية

تختلف حدة النظرة إلى المحتوى الإعلامي باختلاف الفئات العمرية للأبناء، إذ إن تقييم الأهل لهذا المحتوى يجب أن تراعى فيه هذه الخصوصية، لأن كل مرحلة عمرية تحتاج إلى نوعية معينة من المحتوى الإعلامي، ويجب أن يكون الأهل على دراية بكيفية توجيه أبنائهم بما يتناسب مع كل مرحلة:

الأطفال دون الثالثة: في هذه المرحلة؛ يوصى بتجنب التعرض للأجهزة الإلكترونية مطلقا. بدلاً من ذلك، يجب أن تكون الأنشطة التفاعلية مثل اللعب والتفاعل مع الأهل هي الأداة الرئيسية لتطويرهم. وفي هذا العمر، تكون التطورات الأساسية في النمو الحسي والعقلي والنفسي في ذروتها، والتعرض المبكر للأجهزة الإلكترونية يمكن أن يؤثر سلباً على هذه العمليات.

الأطفال من 3 إلى 6 سنوات: قبل هذه المرحلة العمرية لا ينصح بالمطلق تعريض الطفل لهذه الوسائل، وبدءا من سن الثالثة، قد يسمح بوقت محدود للمحتوى التعليمي الذي يتماشى مع قيمهم، مثل القصص الهادفة والألعاب التعليمية التي تساهم في تطوير مهاراتهم، لكن الاستغناء عن المحتوى الرقمي لصالح الأنشطة البدنية والاجتماعية الحقيقية أفضل.

الأطفال من 7 إلى 12 سنة: يجب أن يكون المحتوى الرقمي الذي يوضع في متناول الأطفال في هذه المرحلة العمرية منتقى بعناية من قبل الوالدين، ويكون تعليميا ومشجعاً للقيم الأخلاقية بالدرجة الأولى، مع تفادي المحتوى العنيف أو غير المناسب.

المراهقون من 13 إلى 18 سنة: ينبغي أن يكون هناك إشراف دقيق على المحتوى، مع فتح حوارات منتظمة حول المواضيع التي يتعرضون لها.

3-      وضع قواعد واضحة ومناقشة المحتوى الإعلامي مع الأبناء

من الضروري وضع قواعد واضحة لاستخدام الوسائط الإعلامية، بما في ذلك تحديد أوقات الاستخدام ونوعية المحتوى المسموح به. كما أن فتح نقاشات مع الأبناء حول المحتوى الإعلامي يساعدهم على فهمه بشكل صحيح ويعزز قدرتهم على التفكير النقدي، وعلى التمييز بين المحتوى الإيجابي والسلبي، فضلا عن كون المناقشة والحوار من أهم وسائل تقوية العلاقة بالوالدين، خاصة في ظل الانتشار الواسع للوسائل الرقمية وتأثيراتها المتزايدة على القيم والسلوكيات.

هذا الضابط من شأنه أن يسهم في حماية الأبناء من التأثيرات السلبية ومن الإفراط في استخدام الوسائط الذي يصل في حالات كثيرة إلى الإدمان، من جهة، بالنظر إلى ما يناسب عمر كل طفل. ومن جهة ثانية سيعزز الوعي اللازم تجاه هذه الوسائط نفسها، ومن المهم أن تكون هذه القواعد متفقا عليها بين الوالدين والأبناء لضمان التزامهم بها وتعديلها حسب عمر الطفل واحتياجاته، مع تعزيز القيم الأخلاقية والدينية مرجعا لاختيار المحتويات وضبط الاستخدام.

وتتركز أهمية وضع الضوابط أساسا في الحماية من الآثار الخطيرة للمحتوى الذي لا يناسب عمر الطفل أو المخالف للقيم الأخلاقية والدينية. كما أن أهميتها ترتبط بتنظيم الوقت والتحسيس بذلك من أجل إكساب الطفل مهارة التوازن بين الأنشطة المختلفة مثل الدراسة، الترفيه، والتفاعل الأسري. ومن شأن هذه الضوابط أن تعزز المسؤولية لدى الأطفال، لأنهم عندما يتعلمون أن هناك قواعد لاستخدام الوسائط، يصبحون أكثر وعياً بأهمية تنظيم أوقاتهم وتحمل المسؤولية.

4-      التأثيرات الخطيرة للأجهزة الإلكترونية

يستمد الأطفال تعلُّماتهم بشكل رئيسي من خلال التفاعل المباشر مع البيئة المحيطة بهم من سن ما دون الثالثة. لذلك فإن تعرضهم المفرط للأجهزة الإلكترونية قد يؤثر على نموهم الحسي ويحد من فرصهم في استكشاف العالم المادي وتطوير مهاراتهم الحسية والحركية.

ومن التأثيرات المباشرة على الأطفال الذين يتعرضون للوسائط بدون انتظام أو انضباط؛ الحد من التطور الاجتماعي والعاطفي، لأن التفاعل مع الشاشات بدلا من التفاعل الاجتماعي المباشر قد يؤثر سلباً على تطور مهارات التواصل والعلاقات الاجتماعية، حيث إن التفاعل مع الأشخاص الحقيقيين يوفر تجربة أكثر غنى وتعليمية.

وخلصت تجارب علمية حديثة إلى أن التعرض للأجهزة الإلكترونية قبل النوم قد يسبب مشاكل في النوم، حيث إن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يمكن أن يؤثر على إنتاج الميلاتونين ويؤدي إلى صعوبات في النوم.

ضياع الوقت، هو أيضا أحد أبرز التأثيرات على حياة الأبناء، والأخطر منه هو عدم الإحساس بذلك، حيث إن الأبناء ينشؤون على هذا النمط فيتعلمون الاستهانة بالوقت الذي هو العمر والذي هو من أغلى ما وهبه الله تعالى للإنسان، ومن ضيع وقته بلا فائدة ضيع عمره وأوشك على الخسران في الدنيا والآخرة.

5-      البدائل المناسبة:

يعد نقاش البدائل مسألة مهمة في طرح أي إشكال في الحياة البشرية، وفي موضوع التأثيرات السلبية للأجهزة الإلكترونية على الأبناء، ينصح بأمور كثيرة منها على سبيل المثال ما يلي:

الأنشطة التفاعلية: يُفضل تشجيع الأطفال على المشاركة في أنشطة تفاعلية مثل القراءة واللعب التخيلي والتفاعل مع الآخرين.
التواصل المباشر: يجب أن يتمتع الأطفال بتجارب تواصل مباشرة مع الوالدين والأقران، وعلى الوالدين أن يأخذا ذلك بعين الاعتبار ووضع برنامج يومي يراعي التواصل المباشر لأبنائهم، حيث يُعزز هذا التواصل مهاراتهم الاجتماعية والعاطفية.
البرامج التعليمية: إذا كان لا بد من استخدام الأجهزة الإلكترونية، يجب أن تكون المحتويات التعليمية المناسبة للعمر، وتحت إشراف الوالدين، مع تحديد أوقات الاستخدام بما لا يتجاوز الساعة يوميا.