مداخلة دة. قطني في المائدة الحوارية حول “المرأة المغاربية والتطبيع.. الأدوار المنتظرة”

Cover Image for مداخلة دة. قطني في المائدة الحوارية حول “المرأة المغاربية والتطبيع.. الأدوار المنتظرة”
نشر بتاريخ

شاركت الدكتورة حسناء قطني، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والاحسان وعضو ائتلاف المرأة العالمي لنصرة القدس وفلسطين، في مائدة حوارية عن بعد نظمها القطاع النسائي للجماعة بتنسيق مع الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، حول موضوع “المرأة المغاربية والتطبيع.. الأدوار المنتظرة”، يوم الإثنين 11 يناير 2021، شاركت فيها إلى جانب الدكتورة قطني من المغرب الأستاذتان؛ صفية بن صغير من الجزائر وجلاء علي يونس من ليبيا.
فيما يلي نص مداخلة الدكتورة حسناء قطني كاملة:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه.

بداية؛ أشكر الهيئات المنظمة على هذه الاستضافة، وأغتنم الفرصة لأبعث من هذا المنبر تحية إجلال وإكبار وعهد ووفاء إلى الشعب الفلسطيني الصامد في وجه الاحتلال الصهيوني الغاصب.
كما لا تفوتني هذه الفرصة لأحيي الشعب المغربي الأبي الذي أبان عن وعي عميق بما يحاك ضده أولا وضد قضاياه الوطنية من مؤامرات خبيثة تحت مسميات مموهة فضلا عن قضيته المركزية: فلسطين.

ما هي حقيقة التطبيع؟
التطبيع هو جعل ما هو غير طبيعي طبيعيا، وفي اللغة تأتي لفظة “تطبيع” على وزن “تفعيل”؛ أي هي عملية وصيرورة دائبة وصولا لتحقيق غاية معينة.
التطبيع إذن هو نهج وعقلية جوهرها كسر حاجز العداء مع الكيان الصهيوني بأشكال مختلفة سواء كانت ثقافية أو إعلامية أو سياسية أو سياحية أو دينية أو أمنية أو استراتيجية.
والتطبيع بالضمن هو جعل الوجود الصهيوني في فلسطين أمرا طبيعيا. بل هو التسليم لهذا الكيان الغاصب بحقه في الأرض الفلسطينية، وبحقه في بناء المستوطنات، وفي تهجير الفلسطينيين، وتدمير منازلهم.
ونهج التطبيع ليس جديدا على الكيان الصهيوني على اعتبار ما ستحصده إسرائيل منه يكاد يفوق ما حصدته في كل الحروب التي خاضتها ضد العرب منذ 1948.
الجديد والخطير في الأمر هو الانتقال بالتطبيع من كونه طريق لحل القضية الفلسطينية كما كان يروج له “السلام مقابل السلام” أو “السلام مقابل الأرض” إلى وسيلة لشيطنة الفلسطينيين أنفسهم، وذلك عبر:
أولا: محاولة تحسين صورة الاحتلال الصهيوني، وأن “إسرائيل” دولة صديقة ومفيدة.
ثانيا: محاولة إقناع العرب والمسلمين أن فلسطين قضية هامشية. وكذا تجييش العرب والمسلمين ضد الفلسطينيين، والتحريض عليهم. وهذا بالضبط ما جاءت لتحقيقه “صفقة القرن”. وقد سخرت بعض الأنظمة العربية لتنزيل ذلك بصرف الأموال الطائلة في إنتاج مسلسلات رمضانية وبرامج تلفزية، وتجييش جيوش إلكترونية من أجل التغريد والتدوين في محاولة بائسة ويائسة لتوجيه الرأي العام العربي.

التطبيع في السياق المغربي
في البداية؛ لابد من الإشارة إلى أن العلاقات المغربية الإسرائيلية ليس وليدة اللحظة، وهذه الحقيقة يعرفها الجميع، الجديد اليوم هو إخراجها للعلن.
والجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني لم يكن ليقدم على هذه الخطوة لولا استفادته من:
– الظرفية السياسية التي أعقبت الانتكاسات التي عرفتها بعض تجارب دول الربيع العربي، إن لم نقل أنها تآمرت مع بعض الأنظمة لإجهاض هذه التجارب.
– استقوائه بالحليف الاستراتيجي؛ الإدارة الأمريكية برئاسة “ترامب”، الرأس المدبر لـ”صفقة القرن”، هذه الصفقة المشؤومة التي جعلت من أهدافها أن تسوق سوقا وتجر جرا الأنظمة العربية للتطبيع مع إسرائيل، مرة بالتخويف، ومرة بالابتزاز، ومرة باسم مقايضات مدسوسة مسمومة؛ فجربت مع السودان مقابل رفع اسمها من لائحة الإرهاب، والآن مع المغرب باسم الاعتراف الأمريكي بسيادته على صحرائه.
السؤال المطروح الآن هو: ماذا بعد؟
هل سيستتب السلام في السودان، وسينعم شعبها المجوّع بالرخاء؟ هل ستنتهي المرحلة الانتقالية وتكتمل أهداف الثورة، أم هو تسويق للأوهام فقط؟
وهو نفس السؤال الذي يجب أن نطرحه على الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أراضيه، والتي استرجعها واستردها المغاربة بتضحياتهم الجسام، والتي يشهد لها التاريخ بذلك قبل أي كان.
إن المتتبع العادي والملاحظ البسيط، والذي لا يحتاج لكثير دراية وإلمام بأبجديات الدبلوماسية والعلاقات الدولية، للسياق الذي جاء فيه إعلان ترامب بشكل انفرادي في تغريدة “صباحية” مضمونها أنه يعترف بسيادة المغرب
على الصحراء، قلت، لا يمكنه إلا أن يشكك في قيمته القانونية لأنه:
أولا: جاء في لحظة زمنية يمكن اعتبارها “وقتا ميتا” لإدارة تلملم أوراقها، قبل أن تغادر “دستوريا” مكاتبها بالبيت الأبيض.
ثانيا: أن هذا الاعتراف صدر في شكل إعلان رئاسي ليس إلا، الأمر الذي قد لا يلزم بالضرورة الإدارة الأمريكية الجديدة لبايدن. وبالتالي فهو لا يؤسس لحقائق جديدة على الأرض. أزمة مزمنة دامت لأكثر من نصف قرن تراوح مكانها بين مد وجزر بسبب سوء تدبير رسمي انفرادي لهذه القضية العادلة.
وبناء على ما سبق، يعتبر أن هذا التطبيع هو خطوة غير محسوبة العواقب، كشفت للأسف الشديد عن عورات وسوءات وأخطاء راكمتها السياسة الخارجية المغربية في تدبيرها لهذا الملف، وأن هذه الخطوة لن يجني منها المغرب والمغاربة إلا الأوهام وخيبات الأمل لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي..

المرأة المغربية والتطبيع
إن انتماء المرأة للمشروع التغييري يجعل كمالها الإيماني وخلاصها الفردي غير مكتمل إلا بتهممها بقضايا أمتها باعتبارها مخاطبة بعموم قوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (التوبة، 71).
كما أنها غير مستثناة من التحذير النبوي: “من أصبح وهمه غير الله فليس من الله. ومن أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس منهم” (في الجامع الصغير إشارة لصحته). فالوظيفة الأساس التي تضطلع بها المرأة تربية ورعاية وتنشئة للأجيال تبقى مقطوعة ومبتورة إن لم تصلها بوظيفتها ومسؤولياتها اتجاه الأمة.
وواجب الوقت اليوم هو مناهضة التطبيع بكل أشكاله، واجهات إذن متعددة ينتظر من المرأة المغربية، المعروفة تاريخيا بنضالها وتضحياتها وبروحها الوطنية الصادقة التي لا مزايدة فيها، أن تساهم من خلالها في حركية المجتمع المغربي ضد التطبيع؛ تبدأ أولا واستراتيجيا من بيتها وأسرتها، تربي أبناءها على التهمم بأمور المسلمين جميعا أينما كانوا، وبقضاياهم أينما حلوا، وتنشئهم على نصرة المظلوم وتزينهم بخصال الشجاعة والفتوة والبذل في سبيل الله والمستضعفين. ولها كذلك أن تحبب إليهم أعمال الخير والتطوع والبذل في سبيل الله والمستضعفين.
جانب آخر، وهو ذو بعد آني، تتطلّبه المرحلة يتمثل في الانخراط في تكتلات نسائية تنتظم دعما للقضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع، مترفعة عن كل الاختلافات الفكرية أو الإديولوجية على اعتبار أن القضية الفلسطينية هي خط أحمر، وهي قضية مبدئية كانت دائما وما تزال قضية إجماع كل المغاربة نساء ورجالا، شيوخا وشبابا.
إن المرأة المغاربية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الانخراط بقوة في الحملات المناهضة للتطبيع، مجددة العهد والوفاء مع فلسطين، رغم أنها ما تزال مثقلة بهمومها وآلامها ومعاناتها المادية والمعنوية، خصوصا مع هذه الجائحة. لكن لسان حالها يردد وبدون فتور: لا للتطبيع بكل أشكاله، لا للتطبيع مهما كانت مسوغاته. لا للتطبيع لأنه خيانة ما بعدها خيانة.
إن يقيننا في موعود الله تعالى ونصره عقيدة راسخة كما هو إيماننا العميق بإرادة الشعوب القوية والماضية لصناعة مستقبلها؛ مستقبل العدل والكرامة والحرية.
فتحرير فلسطين رهين بتحرير أوطاننا من ربقة الفساد والاستبداد. يقول الله عز وجل وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (القصص، 5). صدق الله العظيم.