التطبيع تواريخ وتعاريف
بدأ التطبيع العربي رسميا بعد توقيع الرئيس السادات لمعاهدة كامب دايفيد سنة 1979، وبعد مصر سقط الأردن في مستنقع التطبيع بعد توقيعه معاهدة وادي عربة سنة 1994، ثم جاءت بعده البحرين حيث أعلن الاتفاق بين الكيان المحتل والبحرين في 11 سبتمبر 2020، ثم تلته الإمارات في 15 سبتمبر 2020، ثم التحق السودان بتوقيعه اتفاق التطبيع في 23 أكتوبر 2020، ثم جاء دور المغرب حيث أعلن تطبيعه بموجب الاتفاقية التي أعلن عنها البيت الأبيض في 10 ديسمبر 2020، ومن الدارسين من يعتبر اتفاق 17 ماي 1983 تطبيعا لبنانيا تم التراجع عنه، ومنهم من يعتبر اتفاق أوسلو الذي وقع عليه رسميًا في واشنطن العاصمة في 13 سبتمبر 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني تطبيعا فلسطينيا رسميا.
مفهوم التطبيع غير موجود في معاجم وقواميس اللغة العربية بالمفهوم السياسي المعروف المتداول في العلاقات الدولية، وردت كلمات مثل الطبع والطبيعة والتطبع والانطباع، وتدور كلها حول معنى السجية التي جُبل عليها الإنسان، أو “صبغة وصفة ” ملازمة له. ومصطلح “التطبيع” (Normalization) مشتق من الكلمة الفرنسية أو الإنجليزية (Normal) أي العادي والمتعارف عليه والمعتاد.
لكنه ظهر -مصطلح التطبيع- بحمولته السياسية بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع “إسرائيل” سنة 1979، التي نصّت بالحرف على أن يقيم الطرفان فيما بينهما “علاقات طبيعية” كالتي تقوم بين الدول في وقت السلم.
ومن أوائل الذين تحدثوا عن مصطلح التطبيع في كتابه “المراقبة والمعاقبة” المفكر الفرنسي ميشيل فوكو، إذ يعتبر إن مفهوم التطبيع “يعني إنشاء نموذج مثالي يتوافق مع نتيجة محددة”. أي هو “جعل الأفراد والحركات والإجراءات تتماشى مع هذا النموذج المرسوم بدقة، إذ يعد هذا النموذج المعيار الطبيعي الذي يجب الخضوع له، وكل ما يخرج عن هذا المعيار يعتبر غير طبيعي وغير مقبول”.
نستفيد من تعريف فوكو باختصار أربع خصائص هي: النمذجة والتنميط والتعميم والإخضاع، وهو ما يراد أن يفرض من خلال النموذج الأمريكو صهيوني علينا وعلى العالم.
وقبل الاستطراد في المقال، أستسمح القارئ الكريم في تقاسم ملاحظتين:
ضرورة التمييز بين الاختراق والتطبيع:
فالاختراق فعل خارجي يقابله تصدي سياسي، فالعدو الصهيوني تاريخيا لم يتوقف ولو لحظة، عن محاولات اختراق المجتمعات العربية والإسلامية بكافة الأشكال وعلى كل المستويات إعلاميا ثقافيا أمنيا عسكريا اقتصاديا قيميا وأخلاقيا بشكل مباشر أو عبر وسائط.
أما التطبيع فهو استجابة ذاتية وقابلية، هو فعل داخلي بموافقة الأنظمة المطبّعة ومحاولة تهيئة المناخ والظروف للقبول بالكيان الصهيوني واعتباره جزء طبيعيا من البيئة العربية بالقفز على معطيات الواقع، ومن أهمها قيام “كيان احتلال” برفض كافة المبادرات العربية والدولية حتى حل الدولتين لا يقبل به، ومعطيات التاريخ والسياسة والمنظومة الحقوقية والقانونية الدولية، ويمكن الحديث عن 4 مراحل مر منها التطبيع فقد كان: 1 رسميا سريا / 2 نخبويا غير معلن/ 3 نخبويا معلنا/ والآن يراد له أن يكون شعبيا ومعلنا.
محدودية مصطلح التطبيع وقصوره:
هل مصطلح التطبيع كاف للتعبير عن الحالة المغربية أم أننا بإزاء البحث عن اصطلاح أكثر دقة وعمق وشمولية وأقرب لتشخيص الحالة المغربية والعربية الإسلامية؟ ألسنا أمام احتلال جديد واستعمار وهيمنة أمريكو/صهيونية وتطاول على السيادة الوطنية للدول والقرار الوطني والاستقلال الوطني؟
مخاطر التطبيع
يمكن إجمال مخاطر التطبيع بشكل مختصر ومركز في ست نقط ولمن شاء التوسع والاستزادة العودة إلى كتاباتي التفصيلية في الموضوع:
1- انتهاك للسيادة الوطنية تصريحات غوفرين حول حرق العلم الخرقة الصهيونية وسبه للمناهضين للتطبيع والتحريض عليهم والرد على بيانات الأحزاب كالعدالة والتنمية، بل وتنصيب نفسه سفيرا.
2- ضرب للتاريخ الوطني الداعم للحق الفلسطيني المشروع، ففلسطين كانت جزءا من حركة التحرر الوطني والمشروع النهضوي العربي الإسلامي ولست في حاجة للتذكير بمواقف القيادات المغربية من القضية يسارا وقوميين وإسلاميين وناصريين.
3- مشاركة مغربية في خرق للقانون الدولي وللقرارات الأممية والعربية.
4- إضرار بالمصالح الوطنية الاقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية.
5- مس بالمصالح الإقليمية والقومية، فالسباق الآن حول التسلح ضد الجزائر وعسكرة المنطقة لصالح من؟ هل هو لصالح شعبين شقيقين يجمعهما الدين والهوية والتاريخ والجغرافيا والمصير المشترك أم لصالح رموز الفساد والاستبداد في البلدين والمتاجرين بالأزمات وناهبي الثروات والمقدرات؟
6- تهديد للنسيج المجتمعي المغربي من خلال:
- شرخ وحدة المجتمع وإجماعه حول قضايا بديهية؛ كلنا إسرائليون نموذجا.
- تغذية النزعات الإثنية؛ ولمن شاء التوسع العودة لكتاب “الخراب على الأبواب” للمناضل الدكتور أحمد ويحمان.
- المس بالوحدة الوطنية؛ من خلال التشكيك في الولاء والانتماء والمزايدة بملف الصحراء مثلا أو تازة قبل غزة.
- توتير العامل الديني بين المغاربة المسلمين والمغاربة اليهود؛ هنا ينبغي أن نفتح قوسا لنقول: إن المغاربة المسلمين كانوا وعاشوا تاريخيا مع المغاربة اليهود وتعايشوا وتجاوروا وتصاهروا وانصهروا اجتماعيا وثقافيا وحضاريا، فمشكلتنا مع الصهاينة مع المحتلين مع قتلة الأطفال مع عصابة المارقين… وبالتالي لن نقبل بأي مجرم حرب قاتل كيف ما كانت ديانته، بل يُعاقب ويرفض، المسلم قبل النصراني واليهودي والملحد لا مجال للمزايدة.
- مطالب التجنيس؛ مقترح القانون ومطالب استرداد الممتلكات التي بدأت تتعالى الآن وموجات الاستيلاء تحت غطاء عمليات شراء صورية على أراض في المدن والبوادي المغربية كأكادير والرباط والبيضاء ومناطق سوس وتافيلالت.
- محاولات تزييف التاريخ المغربي وتزوير الذاكرة الجمعية؛ بإرسال بعثاث حفرية وإجراء دراسات أركولوجية لتغيير الحقائق التاريخية الموجودة في بعض المناطق.
- رهن المغرب ومستقبل أجياله؛ بالتوقيع على عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم في فترة قياسية تجاوز عددها 20، تغطي كل المجالات: السياسة والفلاحة والماء والعدل والسياحة والنقل والطيران والصناعة والعسكري والأمن والشغل والبحث العلمي والثقافي وتبادل اليد العاملة.
سبل المواجهة والتصدي
دون شك أن سرطان التطبيع يفشو في أوصال الأمة بشكل سريع وشامل، ويصيب كل المجالات وعلى كل المستويات دينيا سياسيا إعلاميا ثقافيا علميا معرفيا فنيا رياضيا تربويا، وبالتالي فواجهات المواجهة وجبهات المجابهة كثيرة ومتعددة، والسبل والطرق عديدة ومختلفة ومتنوعة حسب الأماكن والإمكانات والأولويات، لهذا أقترح قواعد عشر مختصرة تؤطر الفعل المناهض للتطبيع دون الغوص في التفريعات والتفاصيل:
- حصن نفسك شرعا وقانونا: العلم الشرعي والمعرفة القانونية.
- تعرف على عدوك: معرفة العدو تاريخه منطلقاته مقولاته مخططاته علاقاته.
- أدرك حجم القضية وأبعادها: لتدرك حجم المعركة وأبعادها، فالقضية عابرة للزمان والمكان والإنسان.
- تحصن بالعلم وبه قاوم: المناهضة تقوم على الإقناع المعرفي لا على العواطف والانطباعات.
- افضح عدوك وحلفاءه: لا تفوت فرصة لفضح المطبعين والمطبع معهم وحلفائهم على كل الواجهات.
- اهدم حجج العدو وتلبيساته: العدو يتعمد الكذب والخلط والتغليط والتشكيك فلا تدعه يفعل ذلك مهما بدا لك الأمر تافها.
- حاصر التطبيع والمطبعين: انشر أسماءهم أنشطتهم تاريخهم زياراتهم تصريحاتهم آراءهم.
- لا تشغلك المعارك الجانبية ولا تضيع أي فرصة وأي حليف للنيل من العدو، الصهاينة يغذون اختلافاتنا يوسعون تناقضاتنا يستغلون فرقتنا، فاحذر أن تسقط في الفخ.
- لا تدع للعدو فرصة كي يحقق مكاسب، لا تترك للصهاينة والمتصهينين أي فرصة لتحقيق مكاسب مهما بدت صغيرة وحقيرة.
- وطّن نفسك على الاستمرار، فالمعركة طويلة وقد تتطلب أجيالا من الرجال، وتتطلب نفسا طويلا، وتقتضي تضحيات جليلة، فمن عرف ما قصد هان عليه ما وجد.