محورية السنة الشريفة في فكر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله

Cover Image for محورية السنة الشريفة في فكر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله
نشر بتاريخ

إن المتتبع لفكر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى، يرى جليا مدى تشبثه الكبير بعد كتاب الله عزوجل بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودعوته الملحة لأمة الإسلام إلى الاعتصام بهدي السنة. وتطبيق تعاليمها أفرادا وجماعات في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية … والسياسية. هذا الاعتصام والتشبث والاحتفاء بالسنة نلمسه في كل كتاباته رحمه الله تعالى، وفي مدى توظيفه لمضمون الأحاديث والسيرة النبوية لاستنباط وبناء قواعد مشروعه التغييري، وقد عمد رحمه الله تعالى في إطار هذا الاحتفاء والاهتمام إلى:

1- التذكير الدائم بقدر صاحب السنة النبوية وربط المسلمين بذاته النورانية صلى الله عليه وسلم

أكد الإمام رحمه الله أنه لا هدي إلا هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم و إنه لا وصول إلى الله عز وجل إلا على طريق رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا حقيقة إلا حقيقته، ولا شريعة إلا شريعته، ولا عقيدة إلا عقيدته، ولا سبيل إلى جنة الله ورضوانه ومعرفته إلا باتباعه ظاهرا وباطنا). [1] وأن هذا النبي الخاتم العزيز على ربه هو القدوة الخالدة للبشرية، خاتم بالزمان وخاتم بالكمال. غشِيَتْ أعينٌ لا تستنير بنوره، وخابت وخسرت ذمم فَصَمَتْ ما بينها وبينه!) [2] فهو العروة الوثقى وثوق كتاب الله تعالى وهو ترجمانه وحجة الله في خلقه، قال الله تعالى: ياأيُّها النَّبيُّ إنَّا أرسلناك شاهداً ومُبشِّراً ونذيراً() وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً مُنيراً [3] : فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون [4] هذه مكانةُ السنة ومكانةُ صاحبها صلى الله عليه وسلم في أمة القرآن، وينبغي لدولة القرآن أن تحتفل بالرسول والرسالة، وترفعَ من شأن من رفع الله قدره، وعظم أمره. كما يجب أن تجند العلماء لخدمة السنة) [5]

2- تصحيح الفهم لمعنى السنة

السنة وحي من الوحي

قال رحمه الله تعالى: السنة بنت القرآن، قال الله تبارك وتعالى مُخبرا عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)[6]. وما كان للمعصوم صلى الله عليه وسلم أن يأتي بشيء من عنده. قال الله تعالى عن عبده ورسوله: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيل لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِين[7] [8]السنة آتية من عند العبد محمد صلى الله عليه وسلم لكنها أمر من الله عز وجل لنبيه الذي لا ينطق عن الهوى، ولا يتصرف حسب الهوى، ولا يعمل بتوجيه الهوى)[9]

السنة منهاج

قوله عز وجل : )لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً. قال حبر الأمة عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما : الشرعة القرآن، والمنهاج السنة. فالمنهاج إذن تطبيق للقرآن وتجسيد في حياة الفرد وتاريخ البشر لتعاليمه. المنهاج عبارة عن السنة، والسنة عمل تابع لعلم، عمل تاريخي مرتب في الزمان… قول وتعليم وفعل، بشري نعم، لكن بكيفية جاء بها الوحي وقاد مراحلها رسولٌ من عند اللّه عز وجل.[10]، هي الصراط الذي يضع فيه المؤمن قدميه على قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلحقه بالذين أنعم الله عليهم، السنة منهاج عملي ونموذج تاريخي للشخصية الإيمانية الربانية الخليفة لله في الأرض، سند وكيفية ووسيلة لإعادة بناء هذا النموذج وهذا الخليفة قال رحمه الله: هو صلى الله عليه وسلم النموذج الخالد لكل الأجيال. فمتى اكتشفنا من خلال كتاب الله وسنة نبيه سر التربية النبوية ومنهاجها، انفتحت عنا أغلاق الجاهلية الراتعة في الأفئدة، المقيمة عليها، المقيدة لطاقات الفطرة الإيمانية، تمنعها من الانطلاق).[11]

السنة رسالة وروح ومعنى

ما هي تقليد أعمى، ولا تشبه دون معنى، قال رحمه الله تعالى: وإن السنة المطهرة ما هي شكل اللباس وحجم الإنتاج وأدوات العمل وأساليب الأمن والحرب. السنة النبوية روح ونور ورحمة وفضل. وهي أيضا تعاليم خالدة تنتظم سلوك العبد المنيب الحريص على آخرته في عبادته الظاهرة والباطنة، في خُلُقه وتعامله، في عبوديته لله عز وجل، عبوديةٍ مجسدة في الأسوة المعصوم صلى الله عليه وسلم…السنة شورى في الحكم… السنة إخاء وعدل… السنة قوة) [12] السنة محبة لشخصه الكريم صلى الله عليه وسلم ، اتباع وتمثل بأقواله وأفعاله ، تشرب وتشبع بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، السنة امتثال لأمر الله تعلى الذي أمر: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله

السنة دواء لاختلاف الأمة وتوحيد لجهودها

ما طرأ على أمة الإسلام من تمزق وتناحر وتعصب وشتات إلا من ابتعادها عن الكتاب والسنة وتنكبها عن الاعتصام بهما، ولا علاج للأمة يرجى إلا بالعودة للكتاب والاستضاءة بنور السنة.

يقول الإمام المرشد رحمه الله: فالسنة الشريفة وحدها كفيلة أن توحد سلوكنا، وتجمعنا على نموذج واحد في الحركات والسكنات، في العبادات والأخلاق، في السمت وعلو الهمة). [13]

أخرج أبو داود بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إني قد خلَّفتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما أبدا: كتابَ الله وسنتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحَوْضَ”

أمة الإسلام بدد شملها البعد عن دينها، واعوجاج فهمها، واختلاف أهلها وتعصبهم وتطاحنهم، ولن تجمع لها كلمة ولن تقوم لها قائمة إلآ بالرجوع إلى المعين الصافي والمرجع الوافي والحضن المؤلف: معين الكتاب والسنة وتحكيمهما اتخاذ السنة مصدر علم وركيزة تنظير:

جعل الإمام رحمه الله تعالى صلب علمه وركيزة فهمه ووعاء غرفه بعد كتاب الله سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يبغ عنها محيدا، قال رحمه الله تعالى: والعلم حق، العلم بعد كتاب الله هو السنة المطهرة)[14] السنة النبوية عندما نتخذها دليلا، ونموذجا للسلوك، ومرجعا لاستنباط فقه الحركة والجهاد، كفيلة أن ترفعنا إلى حيث نستطيع الإجابة عن كل التحديات)[15]. فاستظل رحمه الله بعلم النبوة، وجعلها الضوء الكاشف لكل ماجرى ويجري في واقع المسلمين من تردي. أين مكمن الداء وما سر الدواء؟

كتب رحمه الله تعالى: ” المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا ” وجعل صلبه ومبناه من ” قال الله وقال رسول الله ” و ضمنه مشروعه وخطته في التغييرالمرتقب المتطلع إلى الخلافة الثانية الموعودة بإخبار صاحب السنة صلى الله عليه وسلم، وبشارته في حديث الخلافة، والذي وصف داء الامة وسماه فتنة، وسمى الدواء وجعله تجديدا، هذا “المنهاج النبوي” مصدره ومنبعه وروحه وهدفه ومقاصده وغايته ووسيلته قرآنية نبوية: المنهاج قول لا نأتي بجديد بدعي، لكن نرتب مراحل التربية والتنظيم والجهاد، ونحسب سبعا وسبعين شعبة متدرجة ما فيها حرف واحد خارج عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم).[16]،المنهاج النبوي: هو السنة التطبيقية العملية النموذجية، التاريخيةُ بعدُ، البشرية المتجددة في الزمان والمكان باجتهاد أجيال الإيمان) [17] وأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي المنهاج لا منهاج لنا غيره).[18]

3- وضع البرنامج العملي التطبيقي

وليكون الاعتصام بالكتاب والسنة عملا إراديا وسلوكا يوميا روحه انبعاث نور الايمان في القلب، وباعثه الترقي في معارج الإيمان والإحسان ليكون الله غاية مطلب العبد ومناه ، رسم الإمام معالم وخطوات تطبيقية يتدرب ويتربى عليها المؤمن ويتحلى بها في سلوكه إلى مولاه، انطلاقا من حديث شعب الإيمان، عن أَبي هرَيرة رضي الله عنه قَالَ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الإِيمان بضعٌ وَسبعونَ -أَو بضع وَسِتونَ– شعبة، فأفضلها قول لا إله إِلا اللَّه، وَأدناها إماطَة الأذَى عن الطَّرِيقِ، وَالحياء شعبة مِن الإِيمَانِ” قال الإمام رحمه الله: هذا الحديث الشريف يضع أقدامنا على منطلق الجادة، ويضع لنا صوى ثلاثة من معالم الطريق، ثم يحصر لنا عددها في بضع وسبعين، فنريد أن يكون سلوكنا على بصيرة واتباع)[19] وقد وزعها الإمام رحمه الله تعالى على فئات عشر سماها “خصالا” ورتبها رحمه الله تعالى لمقاصد تربوية تنظيمية و تجسد في مجموعها طريقا للإيمان وحلا لمشاكل المجتمع والأمة، وتنمية، وسياسة ومنهاجا للحكم. كل مضامينها مؤصلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال الإمام رحمه الله تعالى: سائر شعب الإيمان البضع والسبعون، ركائز سلوكية لا يمكن لطامح في مقامات الإحسان وسلوك طريق العرفان أن يتجاوزها أو أن يتنكبها، وإلا كان كمن يبني على غير أساس)[20]

فعلى قدر تشرب المرء وارتوائه من هذه الشعب في أقواله وآدابه ومواقفه وعمله وسمته تتمتن تربيته ويقوى إيمانه.

فيرَبَّى النشءُ على دوام الطهارة والنظافة، والسواك، والتطيب، والعناية بخصال الفطرة من شعر وأظفار. ويُرَبَّوْنَ على لُبس اللباس البسيط الأنيق بلا ترف ولا تَشَبُّه بالكفار ولا تكبر، وعلى ترك الزينة الحرام، وعلى الكلمة الطيبة، والحياء والوقار، والبِشْرِ الدائم والابتسامة المشرقة، وكلمة السلام عليكم، وتشميت العاطس إلى سائر ما فصلته السنة النبوية من جماليات وآداب..)[21].

وينبغي أن يتقصي هديه صلى الله عليه وسلم في كتب الشمائل، واتباع سنته صلى الله عليه وسلم في عظائم الأمور ودقائقها”[22] إذ “النموذج الحي الخالد هو السنة المعصومة في نطقها كما هي معصومة في تطبيقها التاريخي على عهد النبوة. صلى الله على محمد وآله وصحبه).[23]

فـ تدرس السيرة النبوية في حلق المسجد وأسر الجماعة تدريسا يتوخى ضرب المثل، وإبراز الحكمة، وفقه الحركة، كما يتوخى إيقاظ العاطفة وتوجيه الإرادة)[24]

ونُحَفّظُ الأحاديثَ النبويةَ، لا سيما منها ما كان قَصَصاً وأخلاقا، للوِلدان، لينهلوا من ذلك المعين النبويِّ صغارا، ويتضَلَّعوا منه كبارا. ومن خلال آيات القرآن، وأحاديثِ حبيب الرحمن صلى الله عليه وسلم تُزَفُّ إلى القلوب الناشئةِ بشرى انتمائهم لصاحب لواءِ الحمد يومَ القيامة، صاحبِ المعراج والشفاعة).[25]

فاللهم صل وسلم تسليما كثيرا على سيدنا محمد الذي جعلت طاعته من طاعتك، ومعصيته والتولي عنه كفرا، وبيعته من بيعتك، ومحبته من محبتك، عبدك ونبيك ورسولك ومصطفاك من خلقك، العروة الوثقى وثوق كتابك الذي أنزلت، الحبل الممدود بينك وبين أحبابك وأصفيائك وأوليائك، سندا متصلا وعلى آله وصحبه ومن تبعه ووالاه إلى يوم الدين.

[1] المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام ياسين، ص139.

[2] القرآن والنبوة ص 56.

[3] سورة الأعراف، الآيتان 45، 46.

[4] سورة الأعراف، الآية 157.

[5] القرآن والنبوة ص173.

[6] سورة النجم، الآيات من 3/5.

[7] سورة الحاقة، 44/46.

[8] إمامة الأمة ص169.

[9] سلسلة دروس المنهاج – الفطرة وعلاج القلب -ص30.

[10] مقدمات في المنهاج ص25.

[11] القرآن والنبوة.

[12] القرآن والنبوة، ص39.

[13] المنهاج النبوي، مجلة الجماعة 8، ص 142.

[14] المنهاج النبوي.

[15] المنهاج النبوي.

[16] المنهاج النبوي ص44.

[17] نفسه، ص 23.

[18] العدل، ص23.

[19]المنهاج النبوي ص119.

[20] الإحسان، ص 253.

[21] إمامة الأمة، ص188.

[22] المنهاج النبوي ص143.

[23] القران والنبوة، ص29.

[24] المنهاج النبوي ص231 .

[25] إمامة الأمة ص 173.