من مجالس الإيمان التي حث الإمام عبد السلام ياسين المؤمنين والمؤمنات على الاهتمام بها تخطيطا وبرمجة وتنظيما، الرباط [1]. يقول: “وفي فترات غير متباعدة يجلس المؤمنون في رباط يعكفون فيه على ذكر الله عز وجل ليتجدد الإيمان وتتقوى العزائم” [2]. فما حقيقة الرباط؟ وما أثره؟
– الرباط محطة إيمانية إحسانية للانجماع على الله تعالى -بعيدا عن دواعي الغفلة-، وتعميق المحبة له، ولرسوله ﷺ، ومدرسة تربوية تعليمية، يرتع المؤمن والمؤمنة في رياض الخير، ويستنبتان فيها أغراس الطاعات عكوفا على العبادة، وإلحاحا في الدعاء –مخ العبادة-، في صحبة في الله. وهو فرصة تدريبية على يوم المؤمن وليلته، ليتحقق الانتظام الإيماني بليل التبتل ونهار السبح إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلاؐ إن لك في النهار سبحا طويلاؐ (سورة المزمل: 5-6).
– الرباط فرصة للتعمق في النفس، ومحاسبتها على ما قدمت في جنب الله، ف”رجوعُك على النفس أخي وأختي فضيلة”[3]، توبة واستغفارا، وندما وعزما على عدم العود، وإنابة واستجابة بالفرض والنفل. وهذا شأن أهل البصائر عند مراجعة أنفسهم، كما يبين ابن قيم الجوزية بقوله: “ولهذا كان أرباب البصائر إذا نالوا شيئا من ذلك انحرفوا إلى طَرَفِ الذُّلِّ والانكسار ومطالعة عيوب النفس، واستدعوا حارسَ الخوف، وحافظوا على الرباط بملازمة الثغْر بين القلب وبين النفس…” [4].
– الرباط استجابة لنداء الصبر والمصابرة والمرابطة والتقوى: يآ أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحونؐ (آل عمران: 200)، اقتداء برسول الله ﷺ خيرِ من صبر نفسه مع الذين يريدون وجه الله، إذ الصبرُ حبس النفس على الطاعة وعن المعصية، والرباطُ والمرابطة ملازمة ثغر العدو، والمواظبة على الأمر [5]، وأساس الأمر الصلاة في وقتها، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ!» [6]، “يجد في ذلك المسلـمُ رَوْحَه وراحته، ومرتكَزَ أوقاته، وضابط ليله ونهاره، وناهيه عن الفحشاء والمنكر” [7]، بل ترتفع به إلى بذل النفس في سبيل الله تجارة رابحة، لكون “الصلاة بداية الأمر ورأسه، تصعد بالرباط بين العبد وربه من مجرد أداء مراسيم العبودية إلى بذل المال والحياة في سبيل الله” [8]. فالرباط ليس هروبا من الواقع، أو إيثارا للعزلة والانزواء، بل هو محطة تربوية إيمانية للتزود بالتقوى تورعا عن محارم الله، وتعظيما لشعائره، وتأهلا لجهاد التغيير والبناء.
– الرباط تعميق لرابطة الحب في الله، والولاية الإيمانية بين المؤمنين، مجالسة لذكر الكلمة الطيبة “لا إلا إلا الله”، والصلاة على رسول الله ﷺ، والاستغفار بالأسحار، والتسبيح بالغدو والآصال، والدعاء بأدعية التحصين الصباحية والمسائية، ومنافسة في تلاوة القرآن والسور والآيات الفاضلة، وفي تعلم تحسين تلاوته، وفي حفظه، ومسارعة لجمعه وتحصيله وتعهده، ومدارسة لآيه، ومذاكرة في العلم النافع، وتذكرة بالمواعظ المحببة للخير وثوابه، والمنفرة من الشر وعقابه، في علاقة الإنسان بربه ونفسه وأسرته ومجتمعه وأمته والإنسانية جمعاء.
(…)
تتمة المقال على موقع yassine.net.