ما لم يرو عن فيضانات البيضاء

Cover Image for ما لم يرو عن فيضانات البيضاء
نشر بتاريخ

أوردت وسائل الإعلام مؤخرا أخبارا حول غرق مدينة البيضاء واتهمت الأمطار التي لم تتجاوز مدة تهاطلها قرابة 24 ساعة بأنها “استثنائية”، يا للأمطار المسكينة ظنت أنها تفعل خيرا تسقي العباد والدواب تلطف الجو وتغيث الأرض، فإذا بها تجد نفسها تشكو أمرها إلى الله هو خير الحاكمين.

ترى لماذا فتحت هذا الموضوع بينما السماء صافية والشمس مشرقة والأخبار صامتة؟

لأننا في فصل الخريف وعلى أبواب فصل الشتاء، أيعقل أن نسكت ومازالت الأمطار ستتهاطل؟

لقد أصبح ساكنة البيضاء يترقبون حالة الطقس خوفا من تكرار الفاجعة، وكوني بيضاوية عايشت الأمر عن قريب وكان الحدث هو ديدن الساكنة التي تفجعت لمصيبة جيرانها، وما نقلت وسائل الإعلام إلا القليل فليس من سمع كمن رأى، قد سمعتم ما أوردته وسائل الإعلام عن تهاوي الشوراع وتعطل حركة السير والانقطاع المؤقت للدراسة وغرق السيارات، لكن ما لم تروه سأحاول نقله لكم بشكل تقريبي فقط:

عندما غرقت المنازل بالماء وفقد المصابون جميع الأثاث في “حي السدري وحي مبروكة” أصبحوا متشردين و باتوا ليلهم في العراء بدون مأوى ولا طعام ولا ملبس ولا أفرشة تقيهم البرد، قاموا وصدعوا بصوتهم قرب عمالة سيدي عثمان: لا للإهمال والتهميش، كفى ظلما وجورا نريد عدلا وننتظر حلا، قوبلوا بالصد وأخرسوا أصواتهم بوجود العسكر، وبقي الحال على ما هو عليه إلى أن قام الجيران من كل الأحياء ببذل المال والملبس والغطاء والطعام لإنقاذهم وحفظ ماء وجه المغرب الذي ما زال شعبه متسما بأخلاق الكرم والمؤازرة.

وفي منطقة البرنوصي فإن سكان المنطقة الذين تضرروا بدورهم وفقدوا كل شيء، أخبروني أن السماء كانت تمطر، والأرض كانت تنبع مياها لأن الحي مبني فوق أرض مليئة بالعيون المائية، أما المأوى الذي قدم للمشردين للمبيت فيه وهو في الأصل قاعة أفراح، قد أصبح قاعة أقراح حيث توفيت سيدة من جراء البرد الشديد وهذا دليل آخر على الإهمال.

أما في مكان آخر “منطقة الهراويين والشيشان” وهما حيين فقيرين ينعتان ب “البناء العشوائي “- وما تأتي العشوائية إلا من سوء التخطيط ، بل التخطيط للتهميش والإقصاء- فقد كانت الفاجعة أكبر،

قد تتساءلون لماذا؟

فسيارة الإسعاف لم ترحم ساكنة الأحياء المجاورة من صوت صفارتها، حيث كانت تنقل المصابين والموتى جيئة وذهابا، والسبب ليس فقط البنية التحتية بل حتى البنية “الفوقية” كيف؟

مات الناس غرقا وماتوا مصعوقين بالكهرباء جراء تهالك الشبكة الكهربائية للحي حيث تقطعت الأسلاك، وبوجود الماء في الأرض صعقوا حتى الموت، ولن أتهم لا الكهرباء ولا الماء كما اتهموا الأمطار.

من بين الأموات أم نفساء ماتت مع توأميها رحمهم الله وجميع شهداء فيضان البيضاء وجميع مدننا المغربية.

كل هذا وبدل المساعدة والإنقاذ وإيجاد حلول جذرية لا ترقيعية، تواجد العسكر لمنع الصحفيين من تصوير الحدث وإيصاله للرأي العام.

أتساءل: أيمكن للبيضاء المدينة الأم التي احتضنت جميع قبائل المغرب وجميع شرائحه الغنية والفقيرة لم تستطع أن تتحمل أمطار يوم وليلة؟

في درس جغرافي – ولست متخصصة في الجغرافيا- أشار لنا الدكتور المحاضر أن توزيع المجال الجغرافي يخضع للطبقية، فالمناطق المتعرضة للفيضان والزلازل هي ما يتم فيها بناء الأحياء الفقيرة والهامشية.

ما عساي أقول : إنها سياسة التهميش والتفقير للتجهيل.