توطئة
حَضَرْتُ فَعّالِيات الذِّكرى التّاسعة لرحيل الإمام المجدّد، العالم المجاهد المجتهد عبد السلام ياسين رحمه الله مرشد جماعة العدل والإحسان حَفِظَها الله مِنْ كُلّ شَرّ وكُلّ ذي شَرّ، وأَبْقاها مِفتاحاً لِكُلّ خَيْرٍ. عايَنْتُ جلْسَتها الافتتاحية، فكانَت بِما فيها ومَن فيها شافِيَةً ضافِيَة، بالمَباهِجِ وافِية خاصّة كلمة الأمين العام للجماعة التي كانَتْ جامعة مانعة رائِعة. وحضرْتُ الجلسة الثانية والثالثة: “سؤال الدولة والحكم” و”سؤال القِيَم المجتمعية”، فكانت جلستان للمُتْعة والفائدة، ثمّ قرَأْتُ للأخت الفاضلة والبنت البارّة للا نادية ياسين زيارتها الأخيرة مع أخيها الفاضل كامل لأبيها الرّاحِل في مكتبِه الحافِلِ بكلّ التُّحَف مِن مُختَلف المناهِل فاستفَزَّت القُروح القَريحة، واستنفَرَت الكُلوم الكَلِمة لأسْتَلْهِم مِن الجلسات، ومِن الذّكريات هذه الأبيات عَساها تكون مُساهمة كذَرَّة رَمْلٍ بين أهرامات في تأبين خالِد، وتأبيد شاهِدٍ على العَصر بتجديد دينٍ وإيمانٍ وفِكْرٍ، بِحكمة تقريبٍ وتسديد مِن قائِمٍ مُحِقٍّ صائِب، لم يُؤاكِل أو يُشارِب، بل حافَظَ على المكاسِب، وصانَعَ ظَرْفَهُ بما يُناسِب.
ما كُلُّ فَتاةٍ لأبيها مَنْقَبَة 1
هَل تكْفي تِسْعٌ لِنَنْسى الأَلَم
ونُكَفْكِفَ دَمْعاً بـِحُمْرَةِ دَم؟!
هَل تَشْفي الدُّموعُ غَليلَ الأَسى
إِن كان الأَسى مِنْ هَوى لا سَقَم؟!
هَل تُرى يُبْرِدُ الشِّعْرُ حَرَّ الـهَوى
أَم تُراهُ يُنَكّي جِراحَ النَّدَم؟!
أَم تُرى نَدَم الصَبِّ يَدْعو إلى
تَوْبَةٍ مِنْ تـَمَنٍّ كَسيحِ القَدَم؟!
نَدْيَة بِنَدِيِّ الْقَوْلِ سَقَت
قَلْبي فَرَوَتْهُ بِأَحْلى حِكَم
عَبَّرَتْ عَمّا أَحْيى لَوْعَتي
واسْتَفَزَّ قَريضي فَفاضَ القَلَم
ذِكْرَياتٌ عادَتْ بِنا لِلْوَرى
لإمامٍ أَماماً سَعى واقْتَحَم
بالـمِنْهاجِ النّبَوِيّ ٱنبَرى
لِيُعيدَ خِلافةَ خَيْرِ الأُمَم
لِوَلـِيٍّ رَبّى رِجالاً على
ذِكْرِ الله والصِّدْق ثُمّ الكَرَم
وَالعِلْمِ دَليلاً على عَمَلٍ
صالحٍ خالِصٍ مُتْقَنٍ مُلْتَزَم
سَمْتٌ حَسَنٌ واتِّئادٌ يَشي
بـِخُطى ثابِتٍ وازِنٍ مُحْتَرَم
واقْتِصادٌ والْقَصْدُ يُدْني الفَتى
مِنْ مَقْصودِهِ إِنْ رَجا أو عَزَم
لـِجِهادٍ مَعَ القائِمينَ الأُسى
يُعليهِ إلى ذِرْوَةٍ مِنْ سَنَم
هل تَكْفي السِّنونُ لِنَنْسى الضَّنى
أَمْ أَنَّ الضَّنى اسْتَشْرى واحْتَدَم؟!
حينَ نَدَّتْ عَنِ الفُضلى كِلْمَةٌ
مِنْ فُؤادٍ لا مِنْ يَراعٍ وفَم
تَحكي عَنْ لِقاءٍ بِوالِدِها
لحظةً مِنْ وَداعٍ إِزاءَ الْعَمَم 2
مَنْبِتِ الأَحْرارِ عَصِيِّ القَنا
ةِ على إِرْضاءِ الدُّمى والصَّنَم
مَشْرِقِ الأَنْوارِ يُضيءُ الـمَدى
لِشَبابٍ غَضٍّ دَرى والْتَزَم
مَنْ بَنى للأُسى أَسْمى مُنْتَدى
إحساناً وعَدْلاً بِصِدْقِ الذِّمَم
في عُمْرانٍ أَخَوِيٍّ نَأَى
عَن رَبيعِ العُرْبِ وصَيْفِ العَجَم
هَذا أَذْبَلَتْهُ العِدا بِالقُوى
والـهَوى جَعَلَ الْغَرْبَ صَيْفَ النِّقَم
ذَكَّرَتْ نَدْيَةٌ بِأَبٍ عَلَمٍ
نَجْمَةٌ في خُضْرَةِ أَعْلى عَلَم
وَالـحُمْرَةُ دَلَّتْ عَلى قَوْمَةٍ
مـِمَّنْ بِدَمٍ جادَ لَـمْ يَنْتَقِم
بِعِمادِ الدِّينِ احْتَمى صابِراً
وبـِحَبْلِ اللهِ الـمَتينِ اعْتَصَم
مِن حَسودٍ بَراهُ الهَوى فاكتوى
بِلَهيبِ الحِقْدِ فَداسَ الحُرَم
وَعَدُوٍّ مُسْتَأْسِدٍ حُطَمٍ
وَخَصيمٍ مُبينٍ شَفا فَكَتَم
وَجَهولٍ يَخْبِطُ خَبْطَ العَمى
وظَلومٍ بِجَوْرٍ وَزُورٍ غَشَم
أَو بَعيدٍ تَجَهَّمَ يُبْدي الأَذى
أَو عَذولٍ تَهَجَّم كُرْهاً فَذَمّ
أَو رَفيقٍ مِثْلي جَفا حِينَما
فَتَنَ النَّفْسَ بالسُّمِّ طَيَّ الدَّسَم
والتَرَبُّصِ مُنْتَظِراً واهِماً
مُغْتَرّاً بِأُمْنِياتِ النُّوَم
غَرَّهُ باللهِ غَرورٌ لَعي
نٌ مِنْ إِنْسٍ أَو جِنٍّ رَجَم
لَم أَجِدْ مِنْ عَزاءٍ سِوى كِلْمَةٍ
مِنْ نَدى نَدْيَةٍ أَوْدى بِالسَّدَم 3
عَنْ لِقاءٍ أَخيرٍ مَعَ الـمُرتَضى
كامِلٍ في الـمَكْتَبِ عِنْدَ الجَلَم 4
عَبَرَتْ بالحبيبَيْنِ جِسْرَ الدُّنى
لـِجِنانِ الخُلْدِ ودارِ النِّـعَم
صُفْرَةٌ في الوَجْهِ نَذيرَ الرَّدى
وابْتِسامٌ مِنْ ثَغْرٍ في شَمَم
جَسَدٌ هامِدٌ في سَريرِ الوَنى
والرُّوحُ سـَمَتْ بِبُراقِ الهِمَم
صَوْتٌ خَافِتٌ ما لَهُ مِنْ صَدى
وَبِنَبْضِ الْقَلْبِ اكْتَفى مَنْ فَهِم
تاريخٌ مِنَ الآلامِ انْطَوى
وابْتَدا تاريخٌ باقٍ أَهَمّ
تاريخٌ وتاريخٌ كُتِبا
في تأليفٍ قَبْلَ سِفْرٍ أَعَمّ
تأليفٌ يُجَدِّدُ دِينَ الهُدى
بَعْدَ عَضٍّ وَجَبْرٍ عَلا وانْهَزَم
وَمَثيلٌ لَهُ تأليفُ الأُسى
في بِناءٍ مَرْصوصٍ مُلْتَحِم
بَعْدَ تِسْعٍ عِشْنا ذِكْراهُ كَأَنْ
ما ماتَ ولا واراهُ الرَّجَم 5
بَدْراً هادِياً في ظَلامِ الدُّجى
شَمْساً في نَهارٍ دَهاهُ القَتَم
فِكْرَ تَنْمِيةٍ حَدّاً للغُثا
ئِيَةِ الرَّعْناءِ وهَدْرِ النِّعَم
ميثاقاً للفُضَلاءِ على
دُسْتورٍ مُشْتَرَكٍ في القِيَم
حَقْناً للدِّماءِ وصَرْفِ القُوى
في تَدْبيرِ الفَشَلِ الـمُقْتَسَم
ومُهادَنَةِ الرّاعي رَغْبَةً
في عافِيَةِ الجُبَناءِ الغَنَم
أو مُداهَنَةِ الـمُنْتَشي بِالغِنى
نَهْبَ مالٍ بِقانونِ خَصْمٍ حَكَم
ثَرَواتُ الشَّعْبِ احْتَساها الـمَلا
مالُ الشَّعْبِ مالٌ لـِمَلْكٍ سَلَم
هَذا الـمُبْتَدا خَبَرٌ مُلْفِتٌ
هَلْ مِنْ خُطْوَةٍ أُخْرى للأَمَم 6؟!
سائِلٌ يَسْأَلُ الْفُرَقاءَ فَهَلْ
مِنْ جَوابٍ يُرى في غَدٍ أو يُشَمّ؟!
لِلمَشْروعِ الـمُرْتَجى عاجِلاً
في مَشْرِقِ قُمْ لا مَغْرِبِ نَمْ
صَلُّوا إِخْوَتي دُونَ عَدٍّ عَلى
طَهَ أُسْوَتي يَنْبوعِ الْكَرَم
بِالـمِكْيالِ صَلّوا على آلِهِ
مَنْ صَلّى وَأَوْفَى اجْتَدى واغْتَنَم
وعلى الصَّحْبِ صَلّوا بِكَيْلِ الوَفا
شُكْراً وامْتِناناً لـِخَيْرِ النَّسَم
وعَلى مَنْ حَدا واقْتَدى وافْتَدى
إِخْوانٍ أَتَوْا إِثْرَهُ بَعْدَ كَمّ
آمَنوا لَم يَرَوْهُ فَنالوا الـمُنى
أَجْراً واشْتِياقاً يُطْفي الحُمَم
مِثْلَ شَوْقِ الزَّوْرِ لـِخَضْرائِه
أَو شَوْقِ الحَجيجِ لحِجْرِ الحَرَم
صَلّوا أَكْثِروا لا تَنوا واسْأَلوا
نَظْرَةً في وَجْهِ البَدْرٍ التَّمَام
ذ. منير ركراكي
فاس9 جمادى الأولى 1433 ه
الموافق ل14 دجنبر 2021م