ما حظ النساء من حب سيدنا رسول الله ﷺ؟

Cover Image for ما حظ النساء من حب سيدنا رسول الله ﷺ؟
نشر بتاريخ

بقلم: لطيفة علوش

سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، والنعمة المعطاة، سيد خلق الله أجمعين، أحب محبوب إلى المولى المعبود. فرح بمقدمه الشجر والحجر والحيتان في قعر البحر. حبه واجب مطلوب وفرض محتوم، من حرمه أغلق الباب دونه، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باب الله، لا يكتمل الايمان إلا بنيل شرف حبه ورضاه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده» رواه البخاري. «لا يؤمن» والإيمان رتبة في سلم الدين يرتقيها الرجل كما المرأة، يقول الإمام المجدد رحمة الله عليه: «يلتقي حبها لله بحب رسول الله لله، وبحب الله لرسوله، وبجامعة حب آل البيت المطهرين، على جادة الإحسان» [1]، ويقول في موضع آخر: «كيف تكون إذا قيمة النعمة العظمى والوسيلة الأرقى إذا تعلقنا بأذيال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحببناه ! حبه أصل من أصول الإيمان. حبه دين. حبه وسيلة لحب الله» [2].

فما حظ النساء إذن من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف عبرت الصحابيات الجليلات عن ذلك؟ وما هي المواقف البطولية التي خلدها التاريخ لنساء صدقن في حبهن لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

إذا كان ساداتنا الصحابة الكرام رضوان الله عليهم قد أحبوا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا جعلهم يفدونه بالمهج، فإن سيداتنا الصحابيات الجليلات لم يألن جهدا في التعبير عن حبهن لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال مواقف بطولية، فقد كن رضوان الله عليهن يسترخصن في حبه كل غال ونفيس.

فهذه السيدة سمية رضوان الله عليها تتعرض لتعذيب شديد من طرف أبي جهل، وتوضع تحت حر الشمس في الرمضاء، وعندما يطلب منها أن تتخلى عن دين محمد صلى الله عليه وسلم، أو أن تتحدث عنه بسوء لتنجو من العذاب، فإنها كانت ترفض بشدة. ومن ثم آثرت أن تموت على يد معذبها حبا في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فنالت بذلك شرف أول شهيدة في الإسلام.

وهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها كانت تتحدى صناديد قريش وتحمل الطعام والشراب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوالدها إلى الغار أثناء هجرتهما، وتستعمل خمارها الذي جعلت منه نطاقا وحبلا تحمل به الطعام، وقد تحملت صفعة قاسية طار من شدتها قرطها الذهبي، من يد أبي جهل الذي سألها عن مكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكان أبيها، فأبت أن تجيبه حبا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنالت بذلك شرف لقب «ذات النطاقين» الذي لقبها به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والسيدة فاطمة بنت الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بايعت الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة لما كان المسلمون قلائل، وكفار قريش يتوعدون من أسلم بالوعيد الشديد، وكانت سببا في إسلام أخيها رضي الله عنهما، إذ كان إيمانها قويا وحبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم صادقا، فثبتت على الحق وتحملت الصعاب فنالت بذلك شرفا ما بعده شرف أن بشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة مع المبشرين.

وكذا أم شريك رضي الله عنها أسلمت مع المسلمين الأوائل، وكانت تدخل على نساء قريش خلسة وتدعوهن إلى الإسلام، فلما علم كفار قريش بأمرها أعادوها إلى أهلها، وفي الطريق كانوا يطعمونها العسل ويحبسون عنها الماء، ويتركونها تحت حر الشمس المحرقة حتى بلغ منها الجهد مبلغه، وكانوا يطلبون منها أن تعود عن دين محمد صلى الله عليه وسلم، لكنها كانت تشير بأصبعها إلى السماء بالتوحيد، حبا في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنالت بذلك رحمة المولى الكريم الذي أنزل لها دلوا من السماء شربت منه شربة لم تظمأ بعدها، فأسلم النفر الذين كانوا يعذبونها وهاجروا جميعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذه سيدتنا أم ورقة كانت غيورة على دين الله حريصة على الموت في سبيل الله من أجل إعلاء كلمة الله، استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج للمعركة راجية أن يكتب الله لها الشهادة في سبيل الله فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يهديك الشهادة وقري في بيتك فإنك شهيدة. فاستشهدت في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قتلها غلام وجارية.

والسيدة رفيدة رضي الله عنها كانت محبة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مناصرة لدين الله، شاركت في غزوة بدر فحملت الماء للمجاهدين وكانت تداوي جراحهم، ثم بعد ذلك أنشأت أول عيادة في المسجد النبوي فنالت شرف أول طبيبة في الإسلام؛ تداوي الجرحى وتدرب الصحابيات على التمريض.

ومسك الختام السيدة نسيبة أم عمارة رضوان الله عليها، ومن لا يعرفها، فقد كانت تقاتل جنبا إلى جنب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذب عنه في غزوة أحد حتى قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما التفتت يمينا أو شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني، ومن يطيق ما تطيقينه يا نسيبة».

هذا واللائحة مازالت طويلة من الصحابيات والتابعيات ومن تبعهن إلى يوم الدين، نساء تشرئب إليهن الأعناق، صدقن فاغترفن من فيوضات العطاءات المحمدية، وفزن فوزا مبينا. ولنا فيهن الأسوة الحسنة، فمن ادعت منا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلابد لها من برهان يثبت مدى حبها وصدقها في حب الجناب النبوي الشريف ليكون حبها اقتداء وليس ادعاء.

من أحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدق فلن يغمض لها جفن حتى ترى سنته صلى الله عليه وسلم سائرة في حياة الناس كلها. يقول الإمام المجدد رحمة الله عليه: «هذه كانت محبة الصحابة رضي الله عنهم تمتحن في ساحات القتال. لم تكن محبة عذرية لفظية حالمة. فلتنظر فلانة من المؤمنات أين هي من أمثال أم عمارة. فإن امتحنت نفسها فوجدت أنها لا تبذل في سبيل الله ودعما للدعوة وفداء للحق حتى أبسط وسائل راحتها، فلتراجع الحساب ولتدبر الحيلة لتفطم نفسها عن أنانيتها، ولتستعن بأخواتها على ذلك الفطام» [3].

اللهم استخدمنا في دعوتك، وأعنا على إعلاء كلمتك وإحياء سنتك. آمين والحمد لله رب العالمين.


[1] – عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ط 2018/4، دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت، ج 2، ص 11.
[2] – المصدر نفسه، ص 12.
[3] – المصدر نفسه،  14.