ما بال فقيرات بلادي

Cover Image for ما بال فقيرات بلادي
نشر بتاريخ

إنهن يمثلن غالبية نساء بلادي؛ فقر موروث أبا عن جد، وهن راضيات قنوعات، ولا يعكر صفو رضاهن وقناعتهن الفروقات الاجتماعية الصارخة.
إنهن في غالبيتهن العظمى أميات، وعلاقتهن بالتعليم في أحسن الأحوال فك للخط لا يرقى إلى مستوى فك حبال الجهل التي خنقت حقهن في مستقبل أفضل، وهن متسلحات بما يلزم من الوعي والإدراك والتأهيل المهني الذي يمكنهن من  امتهان عمل يتخطين به عتبة الفقر.
إنهن كتلة بشرية تقاتل بشراسة مستميتة لكسب لقمة عيش مرة، فتجدهن يشتغلن في مهن ويمارسن أنشطة لا يعترف بها في سوق العمل الرسمي ولا يحكمها قانون الشغل، قطاع غير مهيكل تعشش فيه كافة أشكال الاستغلال، وامتهان الكرامة الآدمية، وإنهاك جسدي بساعات عمل غير متعارف عليها رسميا، وفي الأخير أجر زهيد لا يفي بمتطلبات الحياة في أدنى مستوياتها، ولا أمل في عيش أفضل، ويبقى الفقر مصيرهن.
إنهن فئة من أولئك المستهدفين بمبادرة سامية للتنمية البشرية، مبادرة كتبت في تقاريرها أنهن فئة تستوجب التمييز الإيجابي في الدعم، كلام ومبادرة حبر على ورق، وبما أن الفساد سيد الموقف، فساد ينخر كل السياسات، فلقد كان حظ فقيراتنا من هذه المبادرة الفتات لذر الرماد في العيون، أما الدعم فقد صب في جيوب الحيتان الكبيرة التي تسترزق حتى بعوز الفقراء، وهكذا نجد أنه رغم رصد ميزانيات معتبرة يبقى الفقر هو الفقر، يزيد تجذرا واستفحالا، وتزداد فقيرات بلادي بؤسا على بؤس، ولنيل حتى هذا الفتات تستغل طوابيرهن المتزايدة في الانتخابات وفي ملء حافة الطريق في الاستقبالات أو في مسيرات ولد زروال.
إنهن نساء يمتن واقفات، فعندما يبلغ منهن التعب والعياء مبلغه لا يخلدن للراحة، لأن لقمة العيش لن ترحم ضعفهن، وخلال البحث عنها قد يمتن في معابر الذل رفسا تحت أقدام طوفان بشري أكسبه شظف العيش قسوة المقاتل بلا رحمة ولا هوادة، أو قد يحرقن أنفسهن في الشارع العام لأن مصدر رزقهن قد سلبه أصحاب الحال فكيف السبيل إلى العيش، حينها يصبح الانتحار محتوما لا اختيار.
إنهن المقصيات من ثروات البلاد مع باقي الغالبية العظمى من هذا الشعب، ثروات يستحوذ عليها الكبار، يسرقونها جهارا من تحت الأرض ومن فوقها ومن قاع المحيطات، سرقة موصوفة وبأفخم التسميات منها مكاتب شريفة وتفويتات بدراهم رمزية وقطاعات بميزانيات ضخمة مرصودة لأصحابها وسدت دون باقي العباد، إنه الفساد يستشري ويأبى توزيعا عادلا للثروات وتمكين العباد والبلاد من تنمية بشرية مستدامة تضع القدم على انطلاقة حقيقية نحو غد أفضل.
إنهن فقيرات أميات لا يعلمن من كل هذا شيئا، واقع يرضي أصحاب الامتيازات ويكرسونه بمزيد من السياسات الإقصائية والتجهيلية والتفقيرية.
إنهن قنبلة موقوتة تنفجر على نفسها كلما بلغ الظلم مداه، وحذار من غد زرعه الفساد حقولا ملغومة بدل أن يعد له استراتيجية إقلاع.