ماذا يستقبلكم وتستقبلون؟

Cover Image for ماذا يستقبلكم وتستقبلون؟
نشر بتاريخ

أخرج الإمام ابن خزيمة رحمه الله عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ماذا يستقبِلُكم وتستقبلون ثلاثَ مرَّاتٍ فقال عمرُ بنُ الخطَّابِ يا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحيٌ نزل قال لا قال عدوٌّ حضر قال لا قال فماذا قال إنَّ اللهَ يغفِرُ في أوَّلِ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ لكلِّ أهلِ هذه القِبلةِ وأشار بيدِه إليها..” [1].

يستقبلكم

أيام قلائل وتهل علينا أعظم نفحات الدهر والزمان، إنه شهر رمضان؛ شهر المغفرة والرحمات، شهر جعله الله مجالا للتوبة والاجتهاد، فيه تكثر أبواب الخير وأسباب المغفرة، فمن أدركه ولم يغفر له فيه فهو محروم غاية الحرمان، شهر يفد على العباد ويفدون عليه فيستقبلهم:

بنظر الله لعباده واستغفار الملائكة لهم:

عن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبي قبلي. وأما واحدة فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إليهم، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدا. وأما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك. وأما الثالثة فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم و ليلة. وأما الرابعة فإن الله عزوجل يأمرجنته فيقول لها استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي. وأما الخامسة فإنه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعا. فقال رجل أهي ليلة القدر؟ فقال لا ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وُفُّوا أجورهم” [2].

بفتح أبواب الجنان وغلق أبواب النيران:

أخرج الترمذي وابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ : صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَردَةُ الجنِّ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النيرانِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ، وينادي مُنادٍ يا باغِيَ الخيرِ أقبِلْ، ويا باغِيَ الشَّرِّ أقصِرْ وللهِ عُتَقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ” [3].

بالرحمة والبركة وإجابة الدعاء:

عن سيدنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه “أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال يومًا وحضر رمضانُ أتاكم رمضانُ شهرُ بركةٍ يغشاكم اللهُ فيه فيُنزِلُ الرَّحمةَ ويحُطُّ الخطايا ويستجيبُ فيه الدُّعاءَ ينظرُ اللهُ تعالَى إلى تنافُسِكم فيه ويُباهي بكم ملائكتَه فأروا اللهَ من أنفسِكم خيرًا فإنَّ الشَّقِيَّ من حُرم فيه رحمةَ اللهِ عزَّ وجلَّ” [4]. وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم..” [5].

بالفرح وعظيم الأجر:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: “كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا الذي أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك” [6].

بالمغفرة والعتق من النيران:

قال صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه” [7].

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الصلواتُ الخمْسُ، والجُمعةُ إلى الجُمعةِ، ورَمضانُ إلى رمضانَ: مُكَفِّراتٌ لما بينهُنَّ إذا اجْتُنِبتِ الكبائِرُ” [8].

بالشفاعة والتحصين:

قال صلى الله عليه وسلم: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة: يقول الصيام أي ربّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن ربّ منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان” [9]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الصِّيامُ جُنَّةٌ وحصنٌ حصينٌ من النَّارِ” [10].

وتستقبلون

كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصالح المسلمين يعظمون هذا الشهر، ويدعون الله أن يمد أعمارهم ليشهدوه وينهلوا فيه من صالح الأعمال، فكان من دعائه صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب: “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان” [11]، ويبشر أصحابه بقدومه ويهنئهم به فيقول: “جاء شهر رمضان بالبركات فمرحباً به من زائر وآت”. وعن سيدن اعمار بن ياسر رضي الله عنه أن النبي صعد المنبر فقال‏: “‏آمين آمين آمين. ثم قال‏: ‏‏من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، قولوا‏:‏ آمين‏.‏ ومن أدرك والديه أو أحدهما فلم يغفر له فأبعده الله، قولوا‏:‏ آمين‏.‏ ومن ذكرت عنده فلم يصل علي فأبعده الله، قولوا‏:‏ آمين” [12].

عن سيدنا أنس رضي الله عنه قال: “كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا نظروا إلى هلال شهر شعبان أَكَبُّوا على المصاحف يقرؤونها، وأخرج المسلمون زكاة أموالهم ليتقوى بها الضعيف والمسكين على صيام شهر رمضان، ودعا الولاةُ أهْلَ السجن، فمن كان عليه حدّ أقاموه عليه وإلا خلوا سبيله، وانطلق التجار فقضوا ما عليهم وقبضوا ما لهم. حتى إذا نظروا إلى هلال رمضان اغتسلوا واعتكفوا”. كانوا يجتهدون في العبادة، فيحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن، ويتعهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وصلة الأرحام.

فكيف نستقبله؟

كيف نستقبل نحن رمضان في زمن عج بالفتن والملهيات؟ كيف نغنم فيه زيادة خير وحسنات فإنما هي أيام معدودات سرعان ما تنقضي؟ قال الحسن البصري رحمه الله: “إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون!”.

فلنشحذ إذن همتنا ونجدد العزم مع الله بالتوبة والاستغفار، ونستقبله:

بالتعظيم والفرح والسرور:

نعظم ما عظمه الله ورسوله، ونفرح أن مد الله في أعمارنا وبلغنا رمضان. قال الله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون (يونس، 58) وأي فضل أعظم من فضل رمضان. عن أبي مسعود الغفاري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ذات يوم وأهل رمضان فقال: “لو يعلم العباد ما رمضان، لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان” [13].

بتعلم أحكام فقه الصيام:

من واجبات ومستحبات ومكروهات ومبطلات، فإن الله يحب أن يعبد على علم وبإتقان وإحسان.

بحفظ الجوارح واللسان:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” [14]، وقال: “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم” [15].

بالذكر والقيام:

عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ذاكر الله في رمضان مغفور له، وسائل الله فيه لا يخيب” [16]، وأخرج أحمد والطبراني عن سيدنا معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ أن رجلا سأله فقال‏:‏ “أيُّ الجِهادِ أَعْظَمُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: (أكثرُهُمْ للهِ ذِكْرًا)، ثُمَّ ذكرَ لَنا الصَّلاةَ والزكاةَ والحَجَّ والصَّدَقَةَ كلّ ذلك رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: (أكثرُهُمْ للهِ ذِكْرًا)، فقال أبو بكرٍ: يا أبا حَفْصٍ، ذهب الذَّاكِرُونَ بكلِّ خَيْرٍ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (أَجَلْ)” [17].

ومن حديث سلمان الفارسي “فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار، وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما: فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار” [18]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه” [19].

بالإكثار من قراءة القرآن:

قال الله تعالى: شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن [البقرة، 185]. كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتيه جبريل في شهر رمضان فيدارسه القرآن، وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت. وكان الإمام مالك رحمه الله إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن. وكان الإمام الشافعي رحمة الله عليه يختمه في العشر في كل ليلة بين المغرب والعشاء، وكذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله.

بالإكثار من أعمال البر:

في رمضان تضاعف الأجور والثواب فينبغي للمؤمن أن يكثر من أعمال البر، أخرج ابن خزيمة عن سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب الناس في آخر يوم من شعبان فقال: “أيها الناس إنه قد أظلّكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً، من تقرّب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدّى فريضة فيما سواه، ومن أدّى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه…”.

بالصدقة:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم من أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن”، وروى الإمام الترمذي رحمه الله عن سيدنا أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصدقة صدقة في رمضان”.

بتفطير الصائم:

أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن سيدنا سلمان الفارسي مرفوعا: “من فطر صائماً كان عتقاً له من النار، ومن خفف فيه عن مملوكه كان له عتقاً من النار”، وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ” قلنا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم؟! فقال: “يعطى الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو مذقة لبن أو شربه ماء، ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة” [20].

باغتنام العشر الأواخر وليلة العيد مسك ختام:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” [21]. وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم “كان إذا دخَلَ العَشرُ أحيا اللَّيلَ، وشَدَّ المِئزَرَ، وأيقَظَ أهلَه”

وروي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحيا اللياليَ الخمسَ وجبت له الجنةُ: الترويةُ وليلةُ عرفةَ وليلةُ النحرِ وليلةُ الفطرِ وليلةُ النصفِ من شعبان” [22].


[1] أخرجه ابن خزيمة (1885)، والعقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (3/265)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4935).

[2] رواه الإمام البيهقي رحمه الله.

[3] أخرجه الترمذي (682)، وابن ماجه (1642).

[4] الترغيب والترهيب، 2/117.

[5] أخرجه الترمذي (3598)، وابن ماجه (1752)، وأحمد (8030) باختلاف يسير، والبغوي في ((شرح السنة)) (1395).

[6] متفق عليه.

[7] متفق عليه.

[8] أخرجه مسلم (233) باختلاف يسير، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (2982) واللفظ له.

[9] رواه الإمام أحمد رحمه الله.

[10]  أخرجه أحمد (9214) واللفظ له، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (3571).

[11] أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3939)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (6/269)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (3815).

[12] ‏رواه الإمام الطبراني رحمه الله.

[13] رواه الإمام ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه.

[14] أخرجه الإمام البخاري.

[15] أخرجه الإمام البخاري.

[16] رواه الإمام الطبراني والبيهقي رضي الله عنهما.

[17] ابن رجب، جامع العلوم والحكم، 2/514.

[18] رواه الإمامان ابن خزيمة والبيهقي رحمهما الله.

[19] متفق عليه.

[20] رواه ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما.

[21] رواه الإمام البخاري ومسلم رضي الله عنهما.

[22] أخرجه قوام السنة الأصبهاني كما في ((الترغيب والترهيب)) للمنذري (2/98)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (43/93) باختلاف يسير.