مؤلَّف عميق يجمع بين أصالة المرجعية وجرأة الطرح.. باحثون يثمنون كتاب الفقيدة حمداوي

Cover Image for مؤلَّف عميق يجمع بين أصالة المرجعية وجرأة الطرح.. باحثون يثمنون كتاب الفقيدة حمداوي
نشر بتاريخ

استقت بوابة العدل والإحسان مجموعة من التصريحات على هامش أشغال الحفل الذي نظمته الهيئة العامة للعمل النسائي لجماعة العدل والإحسان بالتنسيق مع عائلة الأستاذة حبيبة حمداوي رحمها الله تعالى، أمينة الهيئة قيد حياتها، في ذكرى وفاتها الأولى، يوم الأحد 21 شتنبر 2025، لتوقيع كتابها الموسوم بـ“سؤال العدالة الاجتماعية في الفكر الإسلامي: قضية الفقر نموذجا”، الذي يشكل ثمرة بحث الفقيدة الذي نالت به درجة الماستر قبل انتقالها إلى جوار ربها.

الدكتور مراد شبوب، الباحث في قضايا التنمية، اعتبر الحفل “لحظة علمية ووجدانية متميزة”، حيث “المؤلَّف شاهد على عطاء علمي وفكري متميز، خطته الفقيدة رحمها الله على الرغم مما كانت تعانيه من وطأة المرض وكثرة الأعباء الدعوية والوظيفية، فغلبت بعزيمتها وصبرها كل الصعاب لتقدم للباحثين والمهتمين نصا علميا رصينا يجمع بين عمق الفكرة، وأصالة المرجعية، وجرأة الطرح في قضايا العدالة الاجتماعية”. ونوه بكونه “من جملة العلم النافع الذي سيبقى صدى يتردد في رحاب الفكر الإسلامي وقضايا العدالة الاجتماعية”، ذلك أن الله عز وجل وعد “عباده بأن تبقى آثارهم خالدة بقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس: 11]، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم البصمات الباقية بعد الرحيل العلم النافع، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم]”.

ونوهت الدكتورة وفاء توفيق، المتخصصة في الشريعة وأصول الفقه، بكون الكتاب “جامعا بين اليقين في عدل شرع الله ورحمته، وبين وجوب العمل الجاد الدؤوب على تحكيمه في حياة الإنسان لإنهاء معاناته مع سيادة الأهواء وشيوع الأنانيات وتسلط الظلم واستعباد الإنسان وهدر كرامته الآدمية”.

أما الباحثة في سلك الدكتوراه رجاء الحضري فقالت عنه: “إننا أمام رؤية اختارت أن تقارب العدالة في جوهرها القيمي والأخلاقي، باعتبارها حجر أساس في بناء العمران، وشرطا لازما لاستقرار المجتمعات. حيث قدمت قراءة متجددة للفقر؛ كقضية حضارية مركبة، تعكس اختلالات القيم والسياسات، وتعري البنى التي تنتج التهميش وتكرسه”.

ومن خلال هذا المنظور، تضيف الباحثة في التاريخ؛ “نستطيع القول إنها قد نجحت في تجاوز النظرة السطحية التي ترى الفقر قدرا، أو نتيجة طبيعية، لتجعله سؤالا مفتوحا على النقد والمساءلة والإصلاح”.

من خصائص الكتاب أيضا، يضيف الدكتور شبوب؛ أنه “يمتاز بقدرته على تأصيل مفهوم العدالة الاجتماعية في ضوء المرجعية الإسلامية، واستحضار مقاصد الشريعة في معالجة الاختلالات الاجتماعية، ومنها قضية الفقر بوصفها أحد أبرز تجليات الخلل الاجتماعي، مستندة في ذلك إلى قراءة تحليلية نقدية للنصوص والواقع، وإلى استحضار البعد الإنساني والأخلاقي في المعالجة”.

ويتبين من كتاب الأستاذة حبيبة الحمداوي رحمها الله تعالى أن “معالجة قضية الفقر ليست مجرد معالجة اقتصادية أو تقنية، بل هي رهان حضاري وأخلاقي يستدعي بناء إنسان متكامل، وتعزيز رأس المال البشري والاجتماعي والثقافي بما يشمل التعليم والمعرفة والصحة والثقافة، إضافة إلى قيم الثقة والعدالة والمشاركة”. يضيف شبوب، ويسترسل: “وما يميز الكتاب أيضا أنه لم يقتصر على الجانب النظري، بل حرصت المؤلفة على تجسيد مضامينه في أرض الواقع من خلال اعتماد دراسات حالة، تكشف بعمق حجم التفاوتات الاجتماعية، وتبرز سبل المعالجة العملية الممكنة في ضوء المرجعية الإسلامية”.

ليخلص إلى أن “الجهد العلمي المبذول في هذا المؤلف يجعل منه إضافة نوعية في مجاله؛ فهو يغني النقاش الأكاديمي في الفكر الاجتماعي الإسلامي، ويشكل قاعدة خصبة لبحوث تطبيقية أعمق، وفي الوقت نفسه يقدم إضاءات عملية يمكن أن يستلهمها صناع القرار، والفاعلون في المجتمع المدني، وكل المهتمين بقضايا التنمية والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر”.

رجاء الحضري، باعتبارها مهتمة بتاريخ الهامش، وجدت “في هذا العمل صدى عميقا يؤكد أن فهم النسيج الاجتماعي لا يَكتمل إلا باستحضار أصوات المهمشين؛ هؤلاء الذين تموضعوا في الظل، على الرغم من أنهم شكلوا رافعة خفية لحركة التاريخ. لقد أعادت لالة حبيبة في هذا الكتاب الاعتبار لتلك الأصوات المنسية، مؤكدة أن العدالة لا تتحقق إلا حين يصغى للهامش، ويدمج ضمن مركز الاهتمام. لقد تركت لنا عملا نبيلا ومسؤولية مضاعفة، لتحمّل شعلة هذا الوعي، ومواصلة مسيرة البحث عن العدالة بمنطق الرسالة وليس الشعارات أو إعادة إنتاج المستهلك”.

شيماء أوراغ، ابنة الراحلة حبيبة حمداوي، حكت للبوابة ظروف الاشتغال على البحث صحيا واجتماعيا، قائلة: “أنهت أمي الحبيبة هذا العمل المميز بإرادة قوية شديدة وهمة عالية واسعة رغم ظروفها الصحية الصعبة وانشغالاتها المتعددة، وأودعته بين أيدينا شاهدا على قوة الإرادة وصفاء النية وعلو المقصد، مؤمنة أن الكلمة مسؤولية والمعرفة رسالة”.

وأفصحت عن دافع الوالدة لاختيار موضوع البحث، الذي “لم يكن مجرد رسالة أكاديمية، بل كان صرخة وعي ومشروع رؤية ونداء ضمير”، حيث “وضعت إصبعها على أكثر الجراح نزيفا “الفقر”؛ باعتباره مؤشرا عميقا لاختلال ميزان العدالة، وقضية إنسانية وأخلاقية كبرى مرتبطة بجوهر الرسالة الإسلامية التي قامت على تحرير الإنسان وصون كرامته” .

الدكتورة وفاء توفيق، التي عملت مع الفقيدة لسنوات طويلة من خلال الهيئة العامة للعمل النسائي في الجماعة، آثرت “الوقوف عند من صنع هذا الإنجاز وألف هذا السفر من بين فرث تعدد المسؤوليات والمهام والثغور، ودم المرض والألم والوهن”، فشهدت بأنها رحمها الله تعالى “امرأة من طراز رفيع ومن معدن أصيل؛ حباها الله تعالى من الفضائل مجموعها ومن الشمائل كريمها ومن الذوق رفيعه؛ فقهت جوهر دينها واستوعبت أدوارها فاستقوت بحبل أخواتها في الله المتين لتقف على جبهاتها المتعددة تأسيا بأمهات المؤمنين والصحابيات والكاملات والصالحات من هذه الأمة رضي الله عنهن جميعا”.

واسترسلت كاشفة طبيعة العلاقة التي جمعت بينها وبين الفقيدة رحمها الله: “حصل لي شرف التعرف عليها في مجالس الإحسان وتزكية النفوس ذاكرة خاشعة متبتلة، كما لا تخطئها العين مشاركة متقدمة في مجالات التدافع منافحة عن الحق مطالبة بالعدل ورد الحقوق بقوة وثبات. اقتفت أثر الصالحات من هذه الأمة، فانطلقت محررة إرادتها من المعيقات المثبطات، مرتقية في سلم طلب وجه الله تعالى طالبة للكمالات وهي تقف على المتعدد من جبهاتها الأسرية والتربوية والدعوية والمهنية بكل همة وتفان.. فكان لها نصيبها من الكمال الإيماني والخلقي والوظيفي والعلمي.

كانت رحمها الله تعالى شغوفة بطلب العلم بكل أنواعه وتحري الحكمة أينما وجدت، مبجلة للعلماء خافضة الجناح لهم، مستشيرة ذوي الرأي والخبرة، نازلة عند رأي أهل التخصص، لسان مقالها وحالها أن طلب العلم بكل أنواعه وتخصصاته واجب وفضيلة وزينة باعتبار تعدي آثاره وفيوضاته. فما فتئت محفزة على طلبه والإيصاء بالصبر على عقباته. وقدمت نموذجا فذا باقتحامها عقبة المرض الذي أوهن جسدها وعقبة التقدم في السن وعقبة كثرة المسؤوليات والمهام التي ينوء بحملها السواد الأعظم من النساء. فكان نتاج كمالها العلمي هذا السفر “سؤال العدالة الاجتماعية في الفكر الإسلامي المعاصر.. قضية الفقر نموذجا” الذي يعكس عمق رؤية مؤلفته وسعة فكرها وأصالة قناعاتها وواقعية بدائلها المقترحة”.

وتواطأت التصريحات الأربع على الختم بالدعاء بالرحمة للفقيدة حبيبة حمداوي، وأن يسكنها المولى فسيح جناته، ويتقبل منها هذا الجهد. واتفقت على أنها كانت قدوة في الجمع بين العلم والعمل، وبين الفكر والممارسة، تاركة أثرا باقيا يلهم الدارسين والباحثين والفاعلين في قضايا العدالة الاجتماعية.