لم أعد أهاب الموت

Cover Image for لم أعد أهاب الموت
نشر بتاريخ

لم أعد أهاب الموت

منذ أن بدأت أعي بعض أمور الحياة وأنا أتوجس خيفة من ذكر كلمة موت حتى أني لم أكن أستطيع سماع الحديث عن القبر وأهواله، وكلما ذكره أحد أمامي إلا وتجدني أغرق في دوامة من الأحلام المرعبة: الموت ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، القبر:حفرة ضيقة، بيت الوحشة والوحدة، فيه الشجاع الأقرع لا مؤنس ولامعين…

هكذا كانت مخيلتي الضعيفة تصور لي الأمور حتى أني كنت لا أستطيع البقاء في مكان وحدي، بل أني كنت أكره الليل لما تتخلله من الظلمة والخوف…

بقيت على هذا الحال حتى قيض لي المولى الكريم رفقة طيبة لمؤمنات من جماعة العدل والإحسان أزحن عني ذلك الشبح وخلصنني من ذلك الخوف الوهمي و احتضننني في مجالسهن وعلمنني أن الموت لا يكون دائما مرعبا وموحشا بل هو وسيلة للقاء المحبوب، ولله أحب وألطف بعباده من محبة الأم لولدها، وأن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.

حينها علمت بأن الله يحب ويحب، وأن الله عز وجل يكره مساءة عبده المؤمن لما يهاب الموت، وأن من استأنس بالله حياته كلها واتبع طريقه واجتهد في إرضائه؛ فحاشا أن يتركه المولى عز وجل للوحشة والوحدة يوم الموت. وكيف يعقل أن يتركه وهو كان وليه في حياته، بل كان يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سأله ليعطينه ولئن استعاذه ليعيذنه.

وإذا كان الله عز وجل يكلأ عباده الصالحين في الحياة الدنيا وهي دار بلاء وابتلاء وفيها من المخاطر والفتن ما لا يعد ولا يحصى حتى قال بعضهم وهو العالم أبو راتب النابلسي حفظه الله: والعناية إذا لاحظتك جفونها نم فإن المخاوف كلهن أمان) فإن الله عز وجل سيكون أرحم وألطف بعباده يوم القيامة من باب أولى.

استنار عقلي وأضاء رفقة هذه الثلة الصالحة التي تغرف من معين مرشدها الحبيب المرشد سيدي عبد السلام ياسين فريد زمانه ومحيي سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم رحمه الله رحمة واسعة.

هذا ما كرس له حياته هذا العالم الجليل، رضي الله عنه، فمافتأ يذكر بالآخرة في كتبه كلها وفي مجالسه، فكلما جالسته إلا ويذكرك باليوم الآخر وبما أعددت له. وكان يسعى دائما إلى أن تصبح نظرة الناس أجمعين للآخرة والغيب كنظرتهم للغد والمستقبل امتثالا لقوله تعالى: الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون 1

ومن ثم، فقد كان يعيب على الكتب التي لا تذكر باليوم الآخر يقول في كتاب الإحسان: قد غلبت ثقافتنا وخطابها الجهنمي وهيمنت، حتى أنك تقرأ كتب الإسلام الثقافي من الدفة إلى الدفة فلا تجد ذكرا لله ولا لليوم الآخر إلا استثناء غير مقصود، وإن حاجتنا إلى العودة للخطاب القرآني والنبوي، وكلاهما ذكر الله واليوم الآخرة، لمن أمس الحاجات،حتى لا نتيه وتضيع منا مسكة الإيمان بالغيب التي عليها مدار اهتدائنا وفلاحنا).

رحم الله سيدي عبد السلام ورزقه رفقة النبي في أعلى الجنان لما أنار لنا الطريق وأزاح عنا الغمة والتيه والضلال. آمين آمين والحمد لله رب العالمين.


[1] البقرة1