بعد انتكاسات الأمة المتتالية وغرقها في أوحال الهزيمة والتخلف، كنا نتوق دائما لفجوة تنفس أحزاننا وترفع هممنا وتخرجنا من كبوة أردتنا في ذيل الأمم، وحسبنا أن الحلم كما أوهمونا بعيد المنال، بل يستحيل تحقيقه، ولا نهضة لأمتنا بعد زمن التبعية والخضوع للاستكبار العالمي والارتهان لقراراته، زمن الذلة والغطرسة الذي حكم رقابنا كما حكم عقولنا إلا من رحم ربك.
ومع السابع من أكتوبر بدأ المستحيل ينزاح إلى الممكن، واشتعل يقين الأمة بعدما خفت وهجه، والممكن تجلى في نصر عظيم حين تحققت شروطه، إيمان ويقين وتوكل على الله تعالى، وعمل وتخطيط واستشارة وتمسك بحبل الله المتين.
ما حدث في السابع من أكتوبر بعيون الخبراء مدرسة حديثة في أساليب القتال وفنونه تستوجب أن تدرس في أكبر الجامعات والتخصصات العسكرية، وبعيون من يرى الكون من خلال الكتاب المسطور والمنظور هو سنة من سنن الله الجارية في خلقه؛ ينصر من نصره ويخذل من خذله. سنة الله ماضية في عباده، فما حدث زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تضييق وحصار وتحالف للقبائل ضد دعوة مسالمة ترجو الخير للناس لتخرجهم من ظلمات الضلال والبغي والجهل إلى نور وعدل الإسلام، يتكرر مع عالم رفع شعارات حقوق الإنسان والعدل والمساواة والكرامة للجميع واستثنى من أسماهم العالم الثالث خاصة إن كانوا مسلمين، فقبِل ما يقع في حقهم من مجازر وانتهاكات يندى لها الجبين، وغض الطرف عن المجرمين، وما ذنب هؤلاء الضحايا من المستضعفين إلا دفاعهم عن وطنهم وعقيدتهم وذودهم عن حمى وحرمة الدين الذي جاء سلما وسلاما للعالمين.
أمام هذا التغول وصلف المستكبرين خرجت المقاومة في السابع من أكتوبر تتحدى غطرسة الكيان الصهيونــي المجرم ومن تحالف معه بعد تخطيط محكم وتربية إيمانية لرجال الميدان، فكشفت سوءة العدو وعرت عيوبه وفضحت سريرته ونكست في مستنقع الوحل غطرسته. وقد يعجب البعض من صمود المقـاومة طيلة سنة وثلاثة أشهر من القتال المستميت في غياب أدنى مقومات الحياة وتكافؤ القوة من حيث العدة الحربية، وجواب ذلك أن صاحب الحق يستفرغ كل الوسع للدفاع عن حقه، وهو حال أهل غزة وفلسـطين، فصاحب الأرض يملك كل الدوافع المستنهِضة للإرادة والهمة من أجل مقـاومة العدو، وكيف الحال إن كانت هذه الأرض ليست مجرد وطن، بل هي أرض مقدسة؛ الواجب أن نفديها بالدم قبل المال.
لقد كان رجال المــقاومة في الموعد ومعهم حاضنة من الرجال والنساء لم يتخلفوا أو يخلفوا الموعد، وفي أقطار العالم أهل المروءات ساروا على درب الحاضنة دفاعا عن حق أهل الوطن في وطنهم، لم يمنع وقفاتهم ومسيراتهم وجميع أشكال نضالاتهم من أجل القضية حر الصيف ولا زمهرير الشتاء، ولا أوقفهم منع وعنف أنظمتهم المساندة للكيان المجرم.
واليوم حق للجميع أن ينتشي فرحا بنصر المقاومـة والشعب المــقـاوم، فما ضاع حق وراءه طالب، هو وعد الله تعالى لعباده الصالحين المصلحين، من استخلفهم في أرضه فحفظوا الأمانة وكانوا أهلا لها، فكان جزاؤهم نصر عظيم يفرح قلوب المؤمنين ويغيظ الكافرين مصداقا لقوله سبحانه: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ، ومازال طريق المقاومة طويلا إلى أن تتحرر فلسطين وكل بلاد المسلمين ويفرح العالم بانعتاقه من قبضة المستكبرين.