للقدس الحبيب…

Cover Image for للقدس الحبيب…
نشر بتاريخ

حينما تنكسر القلوب لسماع النبإ المقيت، وتتصاعد الآهات والزفرات من عمق النفوس الخاشعة، وتطمئن قلوبها لحُكم القدر وحِكمه، وتنزل العبرات طوعا وكرها سيولا تحفر في عمق الزمن أخاديد الألم والوعيد، وتدفع النفوس الأوّاهة إلى تذكر سنن الله التي لا تتخلف، تستشرف تغيُّر النفوس ليتغير الواقع الغريب.

تختلط الآلام والأحزان بالآمال وحسن التوكل، لتمنع القلب عن الانفطار والنفس عن الانكسار، وتغوص العقول في الزمن الكوني مستدعية الأحداث والأفكار، فتوقن أن المبتدأ كان خيانة تتجرع الأجيال مرارتها زعافا، ويتحول الوعد المشؤوم إلى واقع استضعاف واحتقار ونكبات ونكسات وتكالب مستمر لنهش عزة الأمة وتحويلها إلى مسخ يُلعب به سرا وجهرا.

تتجه سهام النظرات إلى الشعوب، فتستشعر القوة والغيرة والإيمان الصادق بالقضية والحق المغتصب، وترجع البصر كرة بعد كرة إلى الحكام فتفهم لِم بلغ حالنا إلى الحضيض… تلاعبٌ بإرادات الشعوب، وتسابقٌ نحو التطبيع مع كيان لا يعدو أن يكون جرثومة دخيلة على أمتنا ينبغي أن تُستأصل حتى لا يسري الداء في الجسد العليل. كيف يمكن لحكم الأغيلمة دراري أمريكا والعدو الصهيوني الغاشم أن يتخذ المواقف البطولية وأن يسمع لصرخات الثكالى والأيامى والأيتام؟  خُنّا فلسطين حينما خان حكامنا العهود منذ عقود، واكتفوا عند كل مصاب بقمم لا تسمن ولا تغني من جوع… خناها حينما انبرينا خانعين ننصت لخطبهم الجوفاء عوض صليل سيوفهم في معركة الأرض والعرض… حينما مدوا الأيادي بالدعاء لرب السماء ومددوا الأجساد في منتديات العدو الغاشم ونواديه فريحين مبتهلين بهدير حماماتهم البيضاء وخشخشة غصون الزيتون… خناها حينما وثقنا بهم وأحسنا حينا من الدهر الظن بإرادتهم الخائنة وغشينا النظر دون التحقق من تلاعب أياديهم الغادرة الملطخة بدماء الأبرياء، الحابكة للمعاهدات تحت رايات مجد العروبة وسلام الإسلام.

يهتز الشارع  بالمظاهرات المنددة بما آل إليه واقع الانبطاح، منادية أن مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم خط أحمر، إن مس فقد مس منا الدين والعرض والكينونة والتاريخ والحاضر والمستقبل والحال والمآل، وأن قرار سفِيههم الأمريكي لا بد وأن يحجر عليه، ومؤكدة أن متى كانت لبني صهيون دولة حتى تنشأ لها عاصمة… عسى ترداد صداها يوقظ الواسن ممن اعتلوا منابرنا ومن جلسوا على عروشنا ويحرك منهم النائم فيقوم للذود عن المقدسات ويجيش الجيوش للمعركة الشاملة الفاصلة، ويوحد الصف الإسلامي بإرادة صادقة خاشعة خاضعة لرب العزة والملكوت، عوض أن يغفو يوما فيفيق على بساط حكمه الغاشم وقد سلته الإرادات الحية من تحت قدميه فسقط كومة في مزبلة الأيام… تلك سنة الله التي لا تتغير، تدافع الحق والباطل مستمر، لكن النهاية المشرقة حتما تكون لقوى الحق من جند الله، المدافعين عن المقدسات تحت راية الله، ذلك أن وعد الاستخلاف رباني قائم دائم، عسانا نقيم شروطه فينا ليقوم على أرضنا، وعسى عرى الدين تجتمع بعد نقض، فتعود العزة لأمتنا ونتحرر من سائر القيود والعبوديات إلا لله الواحد.