بقلم: سعيد ضياء
الحمد لله الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته، الحمد لله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويفرج كربته، أشهد أن لا إله إلا هو سبحانه يغفر ذنوب عبده ويقبل توبته، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ورحمته التي أكرم بها خليقته، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته.
أما بعد،
فيقول المولى عز و جل: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ“
خرج سيدنا موسى –عليه السلام- خائفا هائما على وجهه بعدما جاءه ذلك الناصح الأمين من حاشية فرعون الذي أفشى له سرّاً خطيرا من أسرار الدولة وهو أنّه قد صدر أمر بقتله.
لا جليس … لا أنيس… لا وجهة ….
الخوف يستولي على فؤاده، والشلل يسري في أطرافه، والعدو شرس لا حدود لوحشيته…
خرج سيدنا موسى –عليه السلام- وحيدا، طريدا، يزحف وراءه جيش هامان العتيد، ويلاحقه جبروت فرعون العنيد، وأمر إعدام صادر ليس عنه محيد…
إنه الموت يجري على خيول الرهان، متحركا في كل مكان، متسابقا مع الزمان…
سرعة وصولة، وأصوات وأسواط، ونذير جيش يصيح كصوت الرعد “اقتلوه حيث وجدتموه، وإياكم أن تفلتوه”…
إلى أين يا ربي؟ …
من سواك يا حسبي؟ …
من غيرك يفرج كربي؟ …
مولاي… يا مولاي…”نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”
هل تخلى عنه؟
ومتى تخلى –سبحانه- عن أحبابه؟
متى سلّم أولياءه لأعدائه؟
والله ما هي إلا ذلة الانكسار، ونداء الافتقار، وآهة الاضطرار، حتى يستجيب الغفار، ويكشف الأضرار…
أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62)
وتظهر الوجهة فجأة…
إلى مدين إذن…
من مصر إلى مدين “مدائن شعيب” التي تقع في الشمال الغربي من الجزيرة العربيّة، حوالي ثمان وعشرين ساعة قيادة بالسيارة في الطريق المعبدة…أما ماشيا في الصحراء فتلك أيام وأيام.
يمضي سيدنا موسى -عليه السلام- في ذلك الطريق الصحراوي الشاق ماشيا بلا ظهر ولا دليل، ولا صاحب ولا خليل، ولا زاد ولا زنبيل، يأكل العشب ويفترش الثرى ويلتحف السماء بصبر جميل، سائلا المولى عز وجل أن يهديه سواء السبيل.
هل تخلى عنه؟ …
ومتى تخلى الله –جلّ جلاله- عن المؤمنين؟ …
متى خذل – سبحانه – عباده الصالحين والمصلحين؟ …
وهل يخيب من كان مع الله؟ …وهل يخيب من كان معه الله؟ …
يصل سيدنا موسى-عليه السلام- إلى مدين، فهل يأمن؟ …
هل ينجو من كيد الظالمين، بعدما استغاث برب العالمين؟ …
وهل عندك شك في ذلك –يا أُخي-؟
فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
يا قومنا اليقين اليقين…
لا فرعون ولا هامان ولا قارون …
لا داء ولا بلاء ولا وباء….
لا زكام ولا جذام ولا أسقام…
يمكنها أن تأخذ منك ما لم يأذن به الله…
لن يصيبك يا عبد الله إلا ما كتب الله …
لا تضيع الأسباب…وتوكل على الوهاب…
يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ.