توطئة
إلى كُلِّ مَريضٍ ومُبتَلى، بِعَيْني ما تُعاني، مَآسي ولا مَن يُواسي، لُذْ بِحُسْنِ ظَنِّكَ بِمَولاك فهو الطَّوْدُ الشّامِخُ الرّاسي، واستمْسِكْ بحبلِه المَتين فهو الجوهر الماسي، ولا تُبالِ بالذي لا يُبالي، بِذلِكَ الشّامِتِ النّاسي فإنَّ مِنَ الأَناسي مَفاتيح للخيْر مَغاليق للشَرّ، بِهِم فاستفتِح أبواب الخير، وأقفال القلب، وآفاق الدّعوة والجِهاد، وصلِّ وسَلِّم على خير العِباد فهي لَكَ زادٌ في دُنيا الجِلادِ ودار المَعاد، ودُعاءَ الرّابطةِ فالْزَم فإنّه سبيلُك إلى بُلوغ المَرام، ونيل الأوطار، وحُصول المُراد، وتصدّق بمالِكَ وما لَكَ، وهل لِمالِ الصّدقة مِن نفاد؟!
كلمة مِن صديق رفيق عَلَيْكَ شَفيق، عاش أياما وليالِيَ في هَمّ وضيق ما لا يطيق، لولا أن تداركته رحمةُ مَن يجعل له مِن الضّيق أوسع طريق، ومِن البعيد أقرب صديق، ومِن إخوانِ طه مِن الألِبّاء والأطِبّاء والمُمَرّضِين والتّقنيين جنود الخفاء على صِدْقٍ وصَدَقَةٍ وتَصديق، والصلاة والسلام على خير الأنام، أَحْلى كلام، وأَغْلى كلام، وأَشْفى كلام. والحمد لله مِسْك الختام.
وَجائِحَتي كَأَنَّ بها انْتِقاما ** فليس تُصيبُ إلاّ مَن تَعامى
سَخِرْتُ بِها شُهوراً لا أُبالي ** بِمَن أَرْدَتْ ومَن أَوْدَتْ سِقاما
وكنتُ أقول هيهات التّلاقي ** وعن بُعْدٍ أُبادِلُها السّلام
أُعَقِّمُ لا أُجامِل أَيَّ زَوْرٍ ** أُكمِّمُ لا أُجادِل مَن تَسامى
حَبيسَ الحَجْرِ مُنتظِرٌ سَراحاً ** رَهين الحَصْر أحْتَرِزُ السِّهام
وأَسْمَعُ عن ضحاياها عُجاباً ** فلا دُول نَجَتْ مِنْها حِماما
غَنِيٌّ أو فَقيرٌ ليس يُعفى ** قَوِيٌّ أو ضَعيفٌ جُدْ سِجاما
رَضَعْتُ مِن المآسي كُلَّ ثَدْيٍ ** ولم أطلُب مِن البلوى فِطاما
فلَسْتُ أُقابِلُ النّاسَ اتِّقاء ** لِشَرِّ الدّاء ألتمِسُ السّلاما
ولسْتُ أُخالِطُ الأسواقَ حِرصاً ** على ألاّ أَلوم ولا أُلامَ
ومِن (زومٍ) أُحاوِرُ كُلَّ جَمْعٍ ** ومِن بيتي أُدَبِّرُه اغتِناما
فلا أخشى الوَباء وكيف أخشى ** ولم أُكْدِ [1] احْتِرازا والتِزاما؟!
على قَدَرٍ كورونا قد أتاني ** أَبادَ الجِسْمَ وامْتَصَّ العِظاما
فلم يترك لِما أشهى مَذاقا ** ولم يَرْحَم مِن البلوى سُلامى
ولا نَسَبٌ ولا صِهْرٌ تَعافى ** مِن العَدْوى، ومَن لَم يَنْجُ حَامَا
فأضْحى البيتُ حيطاناً تَداعَتْ ** وأَمْسى السَّقْفُ مِن هَوْلٍ حُطاما
وحينَ وجَدْتُ لَيْلي لَحْدَ قَبْرٍ ** ولَمْ أُلْفِ الفِراشَ سِوى رَغاما
نَهَضْتُ أُحاوِلُ الثُّلْثَ اضطِرارا ** فلم يُسْلِس لِيَ الوِتْرُ الزِّماما
ولم يَفْضُلْ لِمِثْلي غَيْرَ أَنٍّ ** حُرِمْتُ النَّوْمَ والنَّجْوى قِياما
وحتّى الهاتِفُ النَّقّالُ أَمْسى ** كَسيحاً ليس يُسعِفُني قُلاما [2]
فَلا الأَخْبارُ تُسلي رَهْنَ قَهْرٍ ** وفيها ما يَزُجُّ بنا الظَّلام
ولم يَفْضُلْ لِعَبْدِ الله حِصْنٌ ** سِوى مَوْلاهُ فاسْتَجدى اعْتِصاما
وقَد ضاقَتْ بِيَ الدُّنْيا وهَانَتْ ** وكانَتْ حُلْوَةً خَضِراً سَناما
لَيالِيَ دونَ نَوْمٍ أو طَعامٍ ** ومَنْ يَشْهى اللّذائِذَ والطَّوَامَ
ولَيْسَ له إذا طَلَبَ المَعاصي ** مُنىً أو قُوَّةً تُعطي اقتِحاما
نَدِمْتُ وهل لِذي عَجْزٍ مَتابٌ ** بَكَيْتُ، وهل تُرى تُطْفي الأُواما؟!
ولو أَنَّ الدُّموعَ مِياه بَحْرٍ ** لَما رَدَّتْ غَريقاً غاصَ عاما
ولا مَن زار في بُشرى نَهارٍ ** يُخَفِّفُ عنك بالسُّلوى الضِّراما
لَجَأْتُ إلى الذي يَعْفي ويَشفي ** وليس سِواهُ يُنجيك الزُّؤاما [3]
فَحَنَّ عَلَيَّ بالرُّجْعى لِطَهَ ** لِرَحْمَتِهِ أُناجيها هُياما
صَلاةَ مُتَيَّمٍ أمْسى يَتيما ** سِوى مِنْ والِدٍ كَفَلَ اليَتامى
فألْهَمَني الكِتابَ مَلاذَ بِشْرٍ ** ومَن يَشْفِ الغَلائِل والأَثاما [4]
سِوى آياً هُدىً، ذِكْراً ونوراً ** وموعِظةً وفُرقاناً حُساما؟!
فأنساني الهُمومَ وكُلّ بَلْوى ** بصبر بل رِضىً شُكْراً دَواما
وأَرْشَدني إلى النَّجْوى دُعاءً ** وَصَلْتُ به القَرابَة والعِظاما
فَزالَ الغَمُّ لَمْ يُبْرِحْ غَماماً ** وكَفَّ الضَّيْمَ لم يَتْرُك قَتاما
وأَرْسَلَ لي مِن الإخوانِ صَحْبا ** أَعادوا لي انْشِراحا وابتساما
فما ضَنّوا بِما لَهُمُ سَخاءً ** ولا ظنوا بصاحبهم لِماما
وكانوا مُرسلا كالرّيح جوداً ** وظَلّوا كالجِبالِ الشُمّ هاما
ونالوا مِن أَهالي الصَبِّ وُدّاً ** ومِن أَهْلي وأصهاري احْتِراما
هنيئا للذي ألفى خِيارا ** هُمُ التّرْياقُ إن دائي تَنامى
جماعتُهُم بإحسانٍ تَحَلَّت ** وأبْشِر إن أَخَ الإحْسانِ قاما
على منهاج طه شَدّ رحلاً ** وفي رَوْضِ الخلافة قد أَقاما
وهل أنسى كمالا يا لَشَهْمٍ ** قَضى نَحْباً شَهيداً مُسْتَهاما؟!
أَحَبَّ لِقاءَ رحمانٍ رحيمٍ ** فَنالَ القِمَّةَ العُليا مَقاما
وهل أنسى رجالاً أو نِساءً ** أُهينوا بالأذى نُكُرا عُراما [5]؟!
ولو سُئِلوا مَن اسْتَقْوى عليكم ** لقالوا طُغْمَةٌ سُمّوا نِظاما
وهل أنسى ومَن ينسى شُعوبا ** طواها الداء تطبيعا جُذاما؟!
وهل أنسى جحيما حَلَّ قُدسا ** وفي الأقصى صناديدا لِئاما؟!
أعاثوا في الحمى هَرْجاً ورِجساً ** وتدميرا وأهوالا جِساما
فرَدَّ الله كيدهمُ خسيئا ** فَخابَ السَّعْيُ وارْتَدُّوا انْهِزاما
بِأبْطال أَشاوِسَ لم يُبالوا ** بِمَن جاروا ومَن خانوا الذِّماما
وهل أنسى مساجِد لم تُعَمَّر ** شهورا فاشتكَت قُزَما طَغاما [6]
أَحالوها خَراباً دون حَقٍّ ** ومِنها مَسْجِدٌ آوى الإِمامَ
وقِبلَتَنا الحبيبة يا لَحَصْرٍ ** أَصابَ الزَّوْرَ والبَيْتَ الحَرام
ألا صَلّوا على طه طبيبي ** وكلّ مُوَلَّهٍ صلّى وصاما
على المختار صَلّى دون عَدٍّ ** وصامَ عَنِ الدُّنى حتّى اسْتقاما
أخوكم في الله منير ركراكي لا تنسوه من دعائكم.
صبيحة الأربعاء 21 شوال 1442ه / الموافق لـ 2 يونيو 2021م
[1] أكدى: بَخِل أو أمسك عن العطاء، أو قلله.
[2] القُلامة: مَثَلٌ في القِلّة والحَقارة.
[3] الموت الزؤام: الموت الكريه السريع.
[4] الأَثام: الإثم والأَثام جزاء الإثم.
[5] العُرام: الشدّة والشراسة.
[6] الطغام: الأرذال.