رحلة الإيمان بين شعبان ورمضان.. حوار مع الدكتورة وفاء توفيق

Cover Image for رحلة الإيمان بين شعبان ورمضان.. حوار مع الدكتورة وفاء توفيق
نشر بتاريخ

أجرى موقع الجماعة.نت -في وقت سابق- حوارا تربويا مع الدكتورة وفاء توفيق، الباحثة في الفكر الإسلامي، والقيادية في جماعة العدل والإحسان، تناول فضيلة شهر شعبان، وفضيلة الطاعات والتقرب بها إلى المولى عز وجل فيه. كما تناول أهمية هذا الشهر بين شهري رجب ورمضان. وعرج الحوار على كيفية الاستعداد لشهر رمضان الكريم انطلاقا من شهر شعبان. نعيد نشره -مع بعض التصرف- تعميما للفائدة.

ونحن نعيش نفحات شهر شعبان، هل تتفضلين بتذكيرنا بفضل هذا الشهر وبفضائل الطاعات فيه؟

بدءًا، أتقدم بالشكر الجزيل لموقع “الجماعة نت” على هذا اللقاء الروحي الذي يجدد في قلوبنا معاني الإيمان ويحفزنا إلى الارتقاء في مراقي الإحسان وذلك بالتوجيه السديد إلى فعل الطاعات واتباع سنة رسول الله والاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم.

شعبان شهر يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم. بهذا بلغنا علماؤنا الأجلاء؛ فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخصه بما لا يخص الشهور الأخرى من كثير الصيام وباقي الطاعات. فإذا كان الصيام في رمضان فرضا واجبا، فإن الإكثار من صيام شعبان سنة نبوية معلومة. روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان”. كما روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان” (1). وعن هذا الحديث قال ابن حجر رحمه الله: “وفي الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان” (2). وفي سياقه قال ابن رجب رحمه الله: “وأما صيام النبي صلى الله عليه وسلم من أشهر السنة فكان يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور” (3). وقال الإمام الصنعاني: “وفيه دليل على أنه يخص شعبان بالصوم أكثر من غيره” (4).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان أحبَّ الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبانُ ثم يصله برمضان” (5). قال السبكي: “أي: كان صوم شعبان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من صوم غيره من بقية الشهور التي كان يتطوع فيها بالصيام” (6).

ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان قال ابن رجب: “إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور” (7).

وذكر العلماء في تفضيل التطوع بالصيام في شهر شعبان على غيره من الشهور أن أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده؛ وذلك يلتحق بصيام رمضان؛ لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض.

وعن الحكمة من تخصيص هذا الشهر بالفضل والتحفيز فيه على الطاعات أنه هو الشهر الذي فيه ترفع أعمال العباد إلى رب العباد. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: “ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إلى رَبِّ العَالمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عملي وَأَنَا صَائِمٌ” (8).

شعبان إذن هو المحطة الجامعة للأعمال السنوية للعباد، وهو الصفحة الختامية للصحيفة السنوية الجامعة للحصاد السنوي لأعمالهم؛ حيث تعرض على الله تعالى -وهو الأعلم بما صدر ويصدر عن عباده- فمن تمام التذلل والطلب والخشوع والحياء المحبة والاستغفار والتوبة أن تختم الأعمال السنوية للواحد منا وهو في قربة الصيام أو القيام أو الصدقة أو الذكر أو الدعاء أو الاستغفار أو الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر… فذاك أفضل حال نحب أن يرانا خالقنا ومولانا عليه وقت رفع الأعمال إليه سبحانه. نحب أن تُرفع أعمالنا ونحن في طاعة وعمل وقربات لا أن تُعرض صحائفنا ونحن في سكون وقعود وضعف وغفلة أو -لا قدر الله- في معصية.

شهر شعبان إذن محطة سنوية للوقوف مع الذات وتفقد الأعمال ومراجعة الأفعال ومحاسبة النفس وعقد العزم على الأفضل.

شهر شعبان منحة إلهية وهدية ربانية يتفضل بها المولى الكريم على عباده الصالحين؛ ففيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها بقوله: “يطِّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن” (9).

جاء في الحديث الشريف بأن هذا الشهر جاء بين رجب ورمضان وتغفل الناس عنه، كيف ذلك؟

تلك كانت إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم عن سؤال أسامة بن زيد رضي الله عنهما حين سأله عن سبب إكثاره صلى الله عليه وسلم من صيام شعبان.

إن موقع شهر شعبان بين شهرين عظيمين هما رجب الحرام ورمضان المعظم يجعله عرضة لأن يغفل الناس عن فضله وعن فضل العبادة والقربات فيه. وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال محذرا: “ذلك شهر يغفل عنه الناس”. والغفلة فيه قد تنتج من جهة عن انصراف الناس إلى الإكثار من الطاعات في رجب الشهر الحرام الفرد، فيفترون في شعبان ويغفلون عن فضله، كما قد تحصل الغفلة عن شعبان من جهة ثانية بالتقليل من شأنه مقارنة مع ما هو معلوم من فضل شهر رمضان المعظم، فيغفلون عنه وهم يستعدون لاستقبال رمضان. قال ابن رجب في بيان وجه الصيام في شعبان: “وفيه معانٍ، وقد ذكر منها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان: الشهر الحرام وشهر الصيام، اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه، وكثير من الناس يظنُّ أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام، وليس كذلك” (10). وقال كذلك: “وفي قوله: “يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان” إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقاً، أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس، فيشتغلون بالمشهور عنه، ويفوِّتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم” (11).

كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تبعهم بإحسان يستعدون في شعبان لشهر رمضان؟

أشرنا سابقا إلى اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان وإفراده عن بقية الشهور -عدا رمضان- بكثرة الصيام، وعلى نهجه سار الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين؛ فقد كانوا يستعدون لشعبان كما يستعدون لرمضان. وكانوا يهتمون بشهر شعبان اهتماما خاصا لما عرفوا من نفحاته وأسراره، فاجتهدوا في صيام أيامه، وانكبوا على قراءة القرآن ومدارسته، وسارعوا إلى إخراج الصدقات، وتنافسوا في فعل الخيرات، فكأني بهم يتهيؤون لاستقبال رمضان بقلوب مفحمة بالإيمان وألسن رطبة بذكر الله تعالى وجوارح مذعنة لشرع الله مقبلة على طاعته سبحانه. عن لؤلؤة مولاة عمار قالت: “كان عمار يتهيأ لصوم شعبان كما يتهيأ لصوم رمضان” (12). وعن أنس رضي الله عنه قال: “كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرؤوها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان). وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن في شعبان ورمضان” (13). وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: “هذا شهر القراء”. قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: “صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم. وأفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن والرواتب”. وكان عمرو بن قيس الملائي رحمه الله يقول: “طوبى لمن أصلح نفسه قبل رمضان”.

بعد شهر شعبان يظلنا شهر رمضان، كيف يمكن أن يكون شعبان محطة مفيدة ومهيئة لاستثمار شهر رمضان على أفضل وجه؟

شهر شعبان هو المقدمة لرمضان؛ فهو تدريب وتأهيل، ندرب فيه النفس على الإقبال على الله تعالى وعلى الاجتهاد في الخيرات والمبادرة للطاعات… حتى إذا أهل رمضان كنا على أتم استعداد لصيامه وقيامه إيمانا واحتسابا.

شهر شعبان مرحلة تمهيدية تأهيلية لاستقبال شهر رمضان. قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: “وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر، وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط. ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك النفوس على طاعة الرحمن” (14).

يتزامن شهرا شعبان ورمضان مع فترة الاستعداد للامتحانات بالنسبة للطلبة، كيف يمكن أن يغنم الطالب هذين الشهرين من غير أن يؤثر ذلك على مجهوداته الدراسية التي بذلها على مدى العام الدراسي؟

الأمر يحتاج إلى تنظيم وقت وتدبير الأولويات؛ فالاستعداد لاجتياز الامتحان يبدأ من أول السنة الدراسية وعلى مداها، لتكون الفترة الختامية من السنة الدراسية مرحلة استدراك وتثبيت وتركيز. ولعل الاهتمام بتغذية الروح وإشباع أشواقها بالقدر الذي لا يؤثر على ساعات مراجعة الدروس أمر له أهميته في هذه المرحلة الحرجة لدى الطلبة والتلاميذ؛ ذلك أن تخصيص وقت للعبادة بشتى صنوفها يهدئ النفس ويطمئن القلب ويحقق التوازن لدى التلميذ والطالب ويبعد عنهما التوتر والقلق وذاك مكسب نوعي غاية في الأهمية. إن توجه قلب الطالب والتلميذ إلى مولاهما في هذه المرحلة الحرجة كفيل أن يرخي بظلال السكينة والاطمئنان والهدوء والثقة بالله تعالى على الطالب لينعم بقدر مهم من الثقة في نفسه وفي قدراته التي حباه الله تعالى له.

إن الطالب المتميز ليس من يمضي وقته كله في التحصيل، بل هو الذي يرتب أولوياته، ويتمتع بجودة عالية في كيفية التحصيل الدراسي وتقديم الأولى فالأولى. وإذا كان الخبراء يوصون الطلبة أثناء الاستعداد للامتحانات بالابتعاد عن كل المشوشات والمكدرات بممارسة الرياضة بين الفينة والأخرى، واتباع نظام غذائي مناسب للمرحلة، وأخذ قسط كاف من الراحة… فذاك نفسه الذي نوصي به الطلبة المسلمين إضافة إلى اقتراح صيغ خاصة من قبيل التوجه إلى الله تعالى عبادة ودعاء وقراءة للقرآن أو الإنصات إلى تلاوته والصوم لمن لا يؤثر ذلك على مردوديته التحصيلية…

فعلى الطالب أن يوازن ويحسن البرمجة حتى لا يهمل دراسته بحجة أنه لا يريد أن يحرم نفسه خيرات شعبان ورمضان، ولا يغفل عن شعبان ويحرم خيرات رمضان بسبب الانشغال بالامتحانات؛ فالعبادات والطاعات تضفي على الاستعداد للامتحانات سكينة وأمنا وجدية ويُمنا.

ما سبق لا يجب أن ينسي الطلبة أنهم في خضم العبادة وهم يدرسون ويحضرون للامتحانات؛ فذاك باب منه يتقرب الطالب من الله تعالى إن صحح وجدد النية في ذلك، أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “… ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة” (15)؛ فالجنة مطلب العابد والعالم على السواء فكيف إن اتصف بالوصفين معا؟ ولطلب وجه الله أكبر.

نحن في زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر. فكيف السبيل إلى مقاومة المغريات والقبض على الدين والتزام الطاعات والفوز بالقرب من الله تعالى ونيل رضاه سبحانه؟

لا بد أولا من استحضار الاعتقاد بأن الله تعالى علام الغيوب، خالق الإنسان عليم بضعفه وبما يحدث وما سيحدث له، يفرح بتوبة عبده أكثر من فرحة الأم برجوع ولدها التائه منها… ولعل من حكمته تعالى أنه شرع للإنسان محطات ومواسم الخير لتجديد الإيمان والعهد معه سبحانه، توبة واستغفارا وتخليا عن المعاصي والآثام والغفلة عنه وإقبالا على الطاعات والخيرات والقرب منه؛ ولعل شهر شعبان حيث تعرض صحيفة أعمالنا السنوية على الله تعالى، وما يجب أن يتحقق فيه من وقفة مسؤولة جادة مع الذات… وشهر رمضان فرصة السنة وما يميزه من مضاعفة الأجر فيه مرات ومرات، وما وعدنا فيه الله تعالى من مغفرة ورحمة وعتق من النار… ناهيك عن أن صيام المسلم لا يكتمل إلا بصيام جوارحه كلها عن المنكرات والمحرمات، وإقبالها على الطاعات والقربات… كل ذلك على المؤمن عموما والشاب خصوصا استحضاره واعتقاده، ليكون له عونا محفزا على التخلي عن كل ما يبعده عن الله تعالى في هذين الشهرين المباركين، بل على التزود فيهما لما سيستقبله من شهور السنة الأخرى.

هل يمكن أن تسعفينا بنموذج لبرنامج يومي للطاعات في هذين الشهرين العظيمين انطلاقا من التوجيهات القرآنية والنبوية؟

من رحمة الله تعالى وعظيم نعمه أنه لم يجعل الطاعات شكلا واحدا ولا القربات على منوال واحد؛ فالأبواب التي منها نسلك إلى الله تعالى ونطلب بها القرب منه عز وجل عديدة متنوعة، ينهل منها المؤمن وبالقدر الذي يناسب سنه وحيثيته وظروفه وخصوصيات مسؤولياته. والمؤمن اللبيب هو من يبرمج طاعات يومه كما يبرمج مختلف اهتماماته المادية الأخرى، ويضاعف الاجتهاد للغنم من فرص ومواسم الخير من مثل هذين الشهرين المباركين.

إن وضع برنامج يومي للطاعات في هذين الشهرين العظيمين يعني العودة إلى القرآن والسنة لاستخراج ركائزه الأساسية وعناوينه الكبرى والتي تنقسم إلى قسمين أساسيين رواهما الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل حيث قال سبحانه: … وما تقرب إلي عبدي بأحب إلي مما افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه…” فأي برنامج يومي للطاعات في هذه الأيام المباركة يجب أن يتضمن التزام الفرائض بحسن إقامتها وتحري إتقانها وعلى رأس ذلك الصلاة، كما يجب أن يهدف إلى تدريب المؤمن على الإقبال على النوافل بهدف المداومة عليها، ومن ذلك قراءة ورد قرآني والحرص على ختم القرآن ولو مرة واحدة، وتخصيص وقت أو أوقات لذكر الله تعالى، كذا الغنم من وقت السحر الذي ينزل فيه الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا للقيام والاستغفار والدعاء، دون أن ننسى تقديم الصدقات وترطيب اللسان بالكلمة الطيبة: “لا إلاه إلا الله”، وإحياء سنة الاعتكاف، والاجتهاد في بر الوالدين، والإحسان إلى الجار، والسعي إلى قضاء حاجات الناس وتفريج الكرب عنهم…

لا شك أن العبد لا يستطيع لوحده النهوض بهمة عالية إلى الطاعات مثلما يستطيعه مع الصحبة الصالحة، ما أهمية هذه الصحبة في حياة المؤمن؟ وكيف ينتقيها؟ وعلام يكون اجتماعها؟

قال الله تعالى في محكم كتابه مخاطبا رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطا (16).

فإذا كان الخطاب بلزوم الجماعة من المؤمنين موجها للرسول صلى الله عليه وسلم، فالأمر أوجب وألزم للفرد من المسلمين؛ فالواحد منا قد يجد ضعفا من نفسه على الاجتهاد في الطاعات وإلزام النفس بها والمداومة عليها، ومن ثم أهمية البحث عن الصحبة الصالحة التي تعينه على ما سبق. وحتى المجتمع المسلم الأول تفطن لأهمية الجماعة في التحفيز على الطاعة؛ فهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسن صلاة التراويح تشجيعا وتجميعا للمسلمين على قيام ليالي رمضان، ليصبح ذاك سنة معمولا بها في سائر البلاد المسلمة.

فإن اعتقد المؤمن أهمية الجماعة في مساعدته على تقوية الجانب التربوي والروحي، وجب عليه اختيار الصحبة الملتزمة بهدي القرآن ونهج الرسول عليه الصلاة والسلام. يلتقي المؤمن مع غيره من المؤمنين الطالبين وجه الله تعالى والقرب منه فيجتمعون على تعلم أمور دينهم ويعملون على تزكية أنفسهم سلوكا إلى الله تعالى وارتقاء في سلم الإسلام والإيمان والإحسان، ويجتهدون في كيفية تسخير حياتهم لله تعالى بالعمل على نشر دعوته والتبشير بسنة نبيه، والتهمم بأحوال المسلمين والسعي إلى إصلاح حالهم..

وفقنا الله وإياكم لكل خير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1] أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم شعبان، حديث رقم: 1969، ومسلم في كتاب الصيام، حديث رقم: 1156.

[2] الفتح الباري، 4/253.

[3] لطائف المعارف، ص: 247.

[4] سبل السلام: 2/342.

[5] أخرجه أحمد في مسنده: 6/188، وأبو داود في الصوم، باب في صوم شعبان:24311، والنسائي في الصيام، باب: صوم النبي صلى الله عليه وسلم: 2350، وقال الحاكم: 1/5999: “صحيح على شرط الشيخين”، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 2124.

[6] المنهل العذب المورود: 10/188.

[7] لطائف المعارف، ص: 50.

[8] أخرجه أحمد في المسند: 5/201، النسائي في كتاب الصيام، باب: صوم النبي صلى الله عليه وسلم: 23577، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب: 1022.

[9] قال عنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 3/1355: حديث صحيح، روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضا وهم معاذ ابن جبل وأبو ثعلبة الخشني وعبد الله بن عمرو وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة وأبي بكر الصديق وعوف ابن مالك وعائشة.

[10] لطائف المعارف، ص: 250-251.

[11] لطائف المعارف، ص: 251.

[12] التبصرة لابن الجوزي: 2/39.

[13] التبصرة لابن الجوزي: 2/39.

[14] لطائف المعارف، ص: 252.

[15] رواه مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة.

[16] الكهف، 30.