الحلقة الأولى: تعزيز الروح الإيمانية في حياة الأطفال
يعد غرس الروح الإيمانية في نفوس الأطفال من أهم مسؤوليات الأسرة في الإسلام. إذ إن البيت هو المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل حب الله وطاعته، ويتشرب فيها قيم ديننا الحنيف. ولكن كيف يمكن للأبوين أن يغرسوا هذا الحب والإيمان في قلوب أبنائهم منذ الصغر؟
1. قدوة الأبوين
ينظر الطفل إلى الأبوين على أنهما المثل الأعلى في حياته، لذلك فإن ما يفعلانه تستدعي منهما المسؤولية وزنه بميزان المقتدى به. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم: 6]. وعندما يشاهد الأطفال والديهم يمارسون شعائرهم الدينية ويظهرون تعظيمها شكلا ومضمونا سرا وعلانية، يستمدون منهم ذلك التعظيم لهذه الشعائر. وعندما يتوجهون إلى الله بقلوب منكسرة، ويؤدون الصلاة بخشوع ويدعون الله بصدق، أمام الأبناء بقصد أو بغير قصد فإنهم يتعلمون أن هذه الأعمال ليست مجرد واجبات، بل هي أفعال تحمل مشاعر الحب والإخلاص والالتزام القلبي الطوعي، فيوافق ما يراه الأطفال فطرتهم التي فطر الله الناس عليها، إذ الأبوان يحافظون على هاته الفطرة أو يحرفونها بتصرفاتهم وأفعالهم ودينهم، كما جاء في الحديث: “كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ…” 1.
فعلى الوالدين أن يكونا مثالًا يُحتذى به في السلوك والتدين السليم، لأن الأطفال يميلون إلى تقليد ما يرونه من حولهم، ولا تخفى أهمية القدوة الحسنة في التربية، كما لا يمكن للأبناء أن يتعلموا حب الله وحب رسوله إلا إذا رأوا والديهم ومن يرتبطون بهم يحبونهما حبًا حقيقيًا ويظهر ذلك الحب في سلوكهم اليومي.
2. ربط العبادات بالحب
عندما يتعامل الأبوان مع شعائر الدين من منطلق الحب والإقبال القلبي، فإنهم يزرعون أولى بذور الإيمان في قلوب أبنائهم، والسنة النبوية تزخر بالمواقف التي تبين مدى رحمة هذا الدين، وفهم ذلك من قبل الأبناء ينمي تلك البذور أكثر، وتعزيز تعامل الأبوين معهم من هذا المنطلق يمكنه أن يقوي ارتباطهم بالعبادات حبا فيها ورغبة في القرب من الله.
فأن يسمع الطفل كل يوم من أمه أو أبيه موقفا أو تفسيرا أو حدثا عن رحمة الله ومغفرته، وعن سعة الإسلام واستيعابه للخلق، مثل قصة النبي ﷺ مع الأعرابي الذي بال في المسجد، وكيف تعامل معه النبي برفق وتقدير موقف، فإن ذلك الأسلوب يرسخ في قلوب الأطفال مفهوم العبادات على أنها وسيلة رائعة للتقرب من الله ونيل رضاه، وليس فقط واجبات تؤدى في كل وقت وحين بالأوامر والتهديد.
والتأكيد على أن التربية الإيمانية يجب أن تعتمد منهج التحبيب والترغيب بعيدا عن الإجبار والتخويف، معناه أن الإيمان يزهر في القلوب التي تُروى بماء الحب والرحمة، لا التي تُجبر على الطاعة قهرًا.
3. سرد القصص النبوية
يقول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [يوسف: 111]. لا شك في أن القصص النبوية والقرآنية تعتبر من أقوى الوسائل لتعليم الأطفال قيم الإسلام وأخلاقياته. يمكن تخصيص وقت معين لرواية هذه القصص التي تحكي عن صبر الأنبياء، مثل قصة صبر أيوب عليه السلام، وكيف كان النبي محمد ﷺ يتحلى بأسمى الأخلاق، حتى مع أعدائه. هذه القصص تغرس في نفوس الأطفال حب الأنبياء والاقتداء بسيرتهم.
ويركز أهل التربية عامة على هذه الوسيلة الفعالة لغرس المبادئ والقيم في نفوس الصغار، لأنها تدخل إلى قلوبهم بلطف وتبقى محفورة في ذاكرتهم.
4. تشجيع الطفل على المشاركة في العبادات
روى البخاري عن النبي ﷺ أنه قال: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين.” 2 على أن دلالة فعل الأمر في سبع سنين لا ينبغي أن تحجب ما يحمله من رحمة لهذا الطفل الذي يرى ويتشبع بما يراه لسبع سنين خلت، وبداية الأمر على ما يكتنفه من رحمة في الأساليب هو إشراك للأطفال في العبادات اليومية، وذلك يعزز من إحساسهم بالانتماء إلى جماعة المؤمنين. الصلاة جماعة في المنزل أو المسجد، والمشاركة في الصيام والتصدق، تعزز من شعورهم بالمسؤولية وتزرع فيهم حب أداء العبادات بانتظام.
فعندما يشارك الطفل في الطاعات والعبادات، يشعر بأنه جزء من الأمة المسلمة، وهو إحساس يجعله أكثر التزامًا واستقامةً في حياته.
5. تشجيع التعبير عن الإيمان
إن تشجيع الأطفال على التعبير عن إيمانهم يشكل جزءًا مهمًا في تربيتهم الروحية. لأن بناء الشخصية المؤمنة يتطلب إشراك العقل والقلب معًا، حتى يتجذر الإيمان في النفوس ويتحول إلى سلوك يومي. ويمكن للأبوين تحفيز أبنائهم على التعبير عن مشاعرهم الدينية من خلال الرسم، الكتابة، أو حتى التحدث عن قصص دينية تعكس حبهم لله وللرسول ﷺ. هذا التعبير يعزز من ارتباطهم بالدين ويجعله جزءًا لا يتجزأ من هويتهم.
وأهل التربية يشددون على أهمية التربية التعبيرية، حيث إن التعبير عن الإيمان يعد جزءا من عملية بناء الهوية الإسلامية لدى الطفل، وهو ما يمنحه القوة للتمسك بدينه في مواجهة التحديات.
وختاما؛ ننبه الآباء إلى الوعي بهذه المهمة وبأهميتها، إذ إن غرس الروح الإيمانية في قلوب الأطفال مهمة ليست بالصعبة، لكنها مع ذلك؛ تتطلب الفهم السليم بداية، والتنزيل الحكيم، والاستمرارية، والتوجه الصحيح من خلال ما أشرنا إليه وغيره مما يساعد ويعين على زرع بذور الإيمان في نفوس الأطفال، ليكبروا وهم يحملون حب الله ورسوله ﷺ في قلوبهم وحب من علمهم وأخذ بيدهم إلى ذلك.
ولنتذكر أن الإيمان شجرة مباركة، إذا غرست في تربة صالحة ونالت عنايتها اللازمة، أثمرت ثمارًا طيبة يستظل بها الناس في الدنيا والآخرة، وأول من يعود عليه النفع العميم؛ الأبوان بما ربوا وبما رعوا وبما فهموا معنى المسؤولية في الحديث النبوي “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته…” 3