تعد قيمتا التعاون والمشاركة من القيم الأساسية التي تساعد في بناء شخصية متكاملة وقادرة على التعامل مع الآخرين بفعالية. وتُعزّز من الانسجام الاجتماعي وتمنح الطفل القدرة على التكيف والعمل بروح الفريق. في هذه الحلقة من حلقات تربية الأبناء نتناول كيفية تربية الأطفال على هذه القيم الجوهرية بأسلوب عملي وفعال.
أهمية التعاون في الإسلام
يقول الله تعالى في سورة المائدة وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ، فالتعاون على البر والتقوى والخير هو من القيم الجوهرية التي يدعو إليها الإسلام، ويمكن غرسها في نفوس الأطفال وسلوكهم من خلال إشراكهم فيما يرتبط بأنشطة العائلية، مثل النظافة وترتيب المنزل وتحضير الطعام… وتساعد هذه الأنشطة الطفل على فهم أهمية العمل مع الآخرين لتحقيق الأهداف المشتركة، مما يعزز لديه روح التعاون ويدربه على تحمل المسؤولية بشكل جماعي.
بإشراك الأطفال في الأعمال المنزلية وتحديد المهام المناسبة لأعمارهم، يتعلمون قيمة التعاون وأهميته باعتباره وسيلة لتحسين البيئة العائلية. ويمكن أن تصبح هذه الأنشطة جزءاً من العمل اليومي، مما يسهم في جعل التعاون عادة متأصلة لديهم.
كما أن لإقحامهم في التعاون يعزز مهاراتهم الاجتماعية ويشجعهم على احترام أدوار الآخرين وتقدير جهود الأفراد في السياق الجماعي، وهي مهارات سيحتاجون إليها لاحقًا في حياتهم المدرسية والعملية.
تعزيز قيمة المشاركة
غرس قيمة المشاركة لا يقل أهمية، وهو أمر يتطلب إشراك الأطفال بفعالية في اتخاذ قرارات تناسب أعمارهم في الأسرة، مثل اختيار نشاط للعطلة أو المشاركة في تنظيم حدث عائلي. هذا يشعر الأطفال بأهمية دورهم ويعزز لديهم الثقة في النفس والإحساس بالانتماء.
يحرص الوالدان على أن يندمج أبناؤهم وتكون لهم مشاركة أيضًا في الأنشطة الجماعية داخل المجتمع أو المدرسة، ومحاربة كل مظاهر العزلة، لأن ذلك سيتيح للطفل فرصة تطوير مهاراته في التفاعل مع الآخرين. وسيصبح الطفل جزءًا فعالًا من المجموعة، قادرًا على التفاهم والتواصل بفعالية مع أقرانه.
تزيد الأنشطة التشاركية من شعور الطفل بالمسؤولية تجاه المجموعة كلها، وتشجعه على المبادرة والمساهمة الفعّالة، ما يعزز لديه أهمية هذه المبادئ في التعامل مع الآخر، وهذا أيضا يجعله أكثر نشاطا ويدفعه للمزيد من الإنجاز.
تقديم نموذج للتعاون في الأسرة
الأطفال يتعلمون عن طريق تقليد الكبار؛ لذا، من الضروري أن يرى الأطفال والديهم يتعاونون ويدعم بعضهم بعضا في شؤون المنزل. قال النبي ﷺ: “خياركم خياركم لنسائهم” 1. عندما يكون الوالدان نموذجًا حيًا للتعاون، يسهم ذلك في ترسيخ هذا السلوك لدى الأطفال.
وينعكس التعاون الأسري على الأطفال، حيث يساعدهم في فهم كيفية التعامل مع التحديات بشكل مشترك، ويعلمهم كيفية تبني المرونة والتفاهم في المواقف المختلفة. ويعدّ ذلك أساسًا لبناء شخصية متوازنة وقادرة على التكيف الاجتماعي.
كما يمكن تعزيز هذا التعاون عبر إقامة أنشطة عائلية تتيح للأفراد اقتسام المهام بشكل متكامل، مثل الأعمال المنزلية التعاونية أو ممارسة الرياضات الجماعية، مما يشجع الأطفال على رؤية فائدة التعاون في جميع جوانب الحياة.
تشجيع العمل الجماعي في المدرسة
يحتاج الأطفال إلى آليات تبين لهم أهمية التكاتف لتحقيق الأهداف الكبرى. ويمكن للأبوين دعم أبنائهم في الأنشطة المدرسية وتشجيعهم على الانخراط في الأعمال الجماعية، لأن ذلك يرسخ لديهم قيم التعاون والمشاركة وأكثر من ذلك فأنه يزودهم بمهارات في فهم المحيط ويعزز قدرات التواصل لديهم.
تشجيع الطفل على المشاركة في الفرق المدرسية، سواء الرياضية أو الفنية، ينمي قدرته على التعامل مع الزملاء وتحقيق الأهداف المشتركة بروح إيجابية. هذه التجارب تزرع في الطفل فهمًا حقيقيًا لأهمية العمل الجماعي في الحياة.
استخدام الألعاب التعاونية
لا يمكن الإغفال عن أهمية الألعاب التعاونية باعتبارها وسيلة فعّالة لتعليم الأطفال قيمة التعاون بطريقة مسلية. يمكن للأبوين اختيار ألعاب تتطلب تعاونًا لتحقيق الهدف المشترك، مثل الألعاب التي تعتمد على التفكير الجماعي والتنسيق بين اللاعبين.
تساعد الألعاب التعاونية الأطفال على تجربة العمل الجماعي والتفاهم، وتبني لديهم أسس التعامل الإيجابي، وتتيح لهم فرصة فهم أهمية التعاون بطريقة تفاعلية وممتعة، بعيدًا عن النمط التعليمي التقليدي.
كما أن استخدام هذه الألعاب يغرس في الأطفال القدرة على التفكير الجماعي، ويشجعهم على تبادل الأفكار والإبداع في حل المشكلات، وهي مهارات أساسية في الحياة اليومية والمهنية.