كيف أكون مدرسة قرآنية متنقلة عبر الأجيال؟

Cover Image for كيف أكون مدرسة قرآنية متنقلة عبر الأجيال؟
نشر بتاريخ

من الأمور التي أكد عليها الإمام المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى في كتبه وشجع عليها في كل لقاءاته مع أعضاء هذه الجماعة المباركة هي حفظ القرآن الكريم قبل الموت.

“القرآن! القرآن! القرآن! ما أروع أن يشد المؤمن والمؤمنة معاقد العزم ليحفظ القرآن ويجمعه ويحافظ عليه. ما أحسن أن يبسط المرء ساعد الجد والإرادة إلى كسل نفسه وغفلة حسه يخاطبها ويؤنبها ويدفع بها: «هذه السنة سنة القرآن!» فعل ذلك فلان من الجماعة وفلان، أفراد، ونحن نريد من أولي العزم في الحفظ والفهم والعلم والعمل جماعات. وليصبر على الهوان والضعة والضياع من لا يحرك همته قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرأ بها» رواه أحمد وأبو داود والترمذي بسند حسن. حسبه يومئذ من الخيبة والخسران أن يحملق في القراء العالمين العاملين وهم إلى صعد وهو بمستقر انحطاطه” 1.

وبعد انخراط الجميع في عزمة الحفظ، تؤكده الأيادي المرفوعة في لقاءات الأحد 2 مجيبة عن سؤاله: من سيحفظ القرآن كاملا قبل موته؟ أصبح المرشد رحمه الله يشجع على أن يصير كل واحد منا مدرسة قرآنية متنقلة عبر الأجيال.

وبتتبع مسموعاته؛ من أمثال:

“ينبغي أن يكون طموحكن إلى أن يقال يوم القيامة لكل واحدة منكن وقد أصبحت مدرسة قرآنية تعلم وتربي وتنشأ الأجيال على القرآن وحب القرآن وحفظ القرآن يقال لها هذا غرسك يا أم فلان” 3.

و”.. علموا في نفس الوقت.. تعلمين القرآن وتحفظين القرآن وتعلمين الخلق والسيرة الحسنة والعمل الخالص لوجه الله عز وجل..”.

و”ليكن في قلوبكن رحمة لكل خلق الله، ومن خلق الله الأقرب إليكن نساء هذه الأمة..”.

و”اشكرن النعمة التي أنتن فيها وابكين على الله في الليل..” 4.

يتبين لنا أن الإمام المرشد رحمه لا يرضى لأخت العدل والإحسان أن تكون حافظة لكتاب الله فقط، ولا معلمة للقرآن فحسب، بل يطمح أن تكون كل واحدة مدرسة قرآنية: تعلم مع حفظ القرآن، حب القرآن، والإخلاص فيه، والخلق الحسن، والرحمة بخلق الله ثم شكر هذه النعم كلها.

وبهذا تتضح أمام أعيننا معالم المدرسة القرآنية المرجوة بجميع فصولها التي سنفصلها فيما يلي، مستعينين بأشرطة الإمام المسموعة.

الإخلاص: أول ما ينبغي الاحتياط له واستحضاره هو الإخلاص لله تعالى في حفظ القرآن وفي تحفيظه، حتى لا نكون من الثلاثة الذين تسعر بهم جهنم بوم القيامة (… ورجل تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتِي به فعرَّفه نعمه فعَرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلمتُ العلم، وعلمتُه وقرأتُ فيك القرآن، قال: كذبتَ، ولكنك تعلَّمت العلم ليقالَ: عالم، وقرأتَ القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمِر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار…) 5، أو ممن قال فيهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: “مَن تعلَّم علمًا مما يُبتغَى به وجهُ الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجدْ عَرْف الجنة (يعني: ريحها) يوم القيامة” 6.

حفظ كتاب الله وتعلمه: منذ كتابة المنهاج النبوي إلى كتاب تنوير المومنات مرورا بكتب أخرى، بيّن الإمام المرشد الطريقة التي يرتضيها في التدرج في حفظ كتاب الله، يقول “ويكون للمؤمن ورد للحفظ، يبدؤه بالسور والآيات الفاضلة القصيرة، مثل آية الكرسي، وسور يس، والسجدة، والملك، وسور المفصل. فما حفظ أكثر من تلاوته والقيام به لئلا يتفلت. ثم يعمد إلى الزهراوين البقرة وآل عمران، ويعقد مع الله تعالى عقدا أن يحفظ القرآن كله قبل موته، ويستعينه على ذلك، ويبذل كل الجهد. فإنه إن مات دون غايته وقد بذل الجهد، يبعثه الله إن شاء الله على نيته يوم يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق. يوم التغابن والحسرة إذ يقرأ المجاهدون فيرقون أمام أعين من فاتهم الحفظ” 7.

وقال أيضا: “الذي يحصل لنا أن في القرآن الكريم.. سورا وآيات فضليات تحرص المؤمنة على حفظهن وتلاوتهن يوميا، التماسا لبركتهن، وتقربا بهن إلى المولى الكريم. فما ناجته أمة أو عبد بمثل كلامه المقدس..” 8.

لا يكفي حفظ الحرف القرآني بل لابد من تعَلُّمه، يوضح لنا الحبيب المرشد ذلك في قوله: “يجب أن أتعلم القرآن بلساني أقيمه، وبعقلي أفهم معانيه، وبقلبي أقدسه وأعظمه، وبعملي وأخلاقي أبرهن بها على أنني من أهل الله وخاصته” 9.

الخلق الحسن: مما ينبغي لحافظ القرآن أن ينتبه له هو انسجام خلقه مع ما يحفظ من كتاب الله. فقد كان القرآنُ خلقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها. وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون ما حفظوا من القرآن حتى يعملوا به، عن ابن مسعود قال: “كانَ الرجل مِنَّا إذا تعلَّم عَشْر آياتٍ لم يجاوزهُنّ حتى يعرف معانيهُنَّ، والعملَ بهنَّ” 10.

وقال المرشد رحمه الله “حملة القرآن هم الذين يحفظون اللفظ ويحفظون خلقهم أن ينزلق بعيدا عن خلق القرآن. هم الذين يأتمرون بأمر الله عز وجل في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم” 11.

وقال أيضا: “من أكرمه الله منكن بحفظ كتابه فليحرص على أن لا يلوث ثيابه المعنوية بالمعاصي التي لا يثاب منها وبالخلق السيئ وحب الرئاسة والتكبر على المخلوقات.. وإياكن أن تفسدن أعمالكن بالمَنِّ، إياكن أن تبطلن أعمالكن بالمن” 12.

قيام الليل: قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ 13، فحامل القرآن القائم به آناء الليل حاز الشرف من كل جوانبه، قال صلى الله عليه وسلم: (أشراف أمتي حملة القرآن، وأصحاب الليل) 14. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن عمر: «نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل» قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً 15.

وقال الإمام المرشد: “كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على صحابته وهم أهل القرآن بامتياز أن يتخلقوا بأخلاق الإيمان والإحسان لذلك فُرض عليهم سنة كاملة قيام الليل فريضة قبل الإسراء. ثم خفف الله عليهم بعد ذلك وعلينا.. كان ليلهم كله قراءة القرآن هكذا أوتوا الإيمان. فلما أوتوا القرآن واستنارت به جوانب قلوبهم، كانوا هم السادة وكانوا هم الأئمة وبهم نقتدي..” 16.

لابد لحامل القرآن ومعلمه إذن من قيام الليل، لأن علاقة القرآن بالليل هي علاقة القلب بالإيمان، يقول الحبيب المرشد: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلم منه أصحابُه الإيمان، ويتعلمه بعضهم من بعض، بالجلوس ساعة لذكر الله. لم تكن لديهم كتب غير القرآن المحفوظ في الصدور ينورها، المتغلغل في القلوب يحييها، المتلو في الصلوات وقرآن الفجر المشهود، تشهده الملائكة. إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تُليت عليهم آيات الله زادتهم إيمانا” 17.

شكر النعمة: قال الإمام المرشد موجها كلامه لحاملات كتاب الله: “ينتظر منكن أن تشكرن الله شكرا عظيما أن جعلكن من بين الغافلات ذاكرات.. وجعلكن من بين الساكتات على الحق ناطقات بالحق داعيات إليه. فالحمد لله على هذه النعمة اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ 18 من لم يوصل الدعوة لم يشكر الله” 19.

فمن شكر النعمة في أيامنا هذه هو إيصال القرآن ورحمة القرآن وهداية القرآن لأمة سيدنا محمد الأقرب فالأقرب، يقول الإمام المرشد تعقيبا على الحديث النبوي (خيركم من تعلم القرآن وعلمه): “المعلم هو أنت يا حامل القرآن، والمتعلم هو أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي في حاجة إلى أن تتعلم كل شيء؛ مبادئ دينها وأحوال دنياها.. وأمراض قلوبها..” 20.

إن مما يشجع المؤمنة على العمل الصالح هو معرفتها ثوابه وأجره عند الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن الرقي في درجات الجنة من أعظم ما وعد الله به حافظة القرآن. أما معلمة القرآن فأجرها لا يقدر ولا يحسب، لأن من علم غيره عملا كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة. يقول الإمام المرشد رحمه الله تعالى: “.. إذا كنت تبثين في من تعلمينهن القرآن أن يعلمن غيرهن، وتصبحي أنت مدرسة قرآنية، وتصبح كل واحدة منهن مدرسة قرآنية.. انظري كيف ينتشر هذا عبر الأجيال. هذا فضل لا يتصوره العقل. كل هؤلاء كنت أنت لهم السبب ليرتقوا يوم القيامة فكيف بك أنت؟” 21.

فالهمة الهمة أخية الإسلام، المجال واسع والأجر وافر يلزمه فقط من يشمر، فالعمر كله فرصتك للعمل، ومحيطك الأقرب فالأقرب أولى بعنايتك واهتمامك وتوجيهك. إن كنت طالبة فالمدرسة والكلية مجالك لتبثي في قريناتك حب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعلق بالقرآن، وإذا كنت عاملة كذلك تحببين في القرآن بالسمت الحسن والابتسامة والخلق الرفيع قبل القول والنصح، وإن كنت ربة بيت فالزوج والأبناء والأقارب جنتك، تغرسين فيها من الخير ما يفرحك غدا عند لقاء الله تعالى. قال المرشد رحمه الله: “عليكن بالتواضع والأخلاق الحسنة خصوصا مع ذوي القربى؛ الوالدين والزوج .. وإياكن والخلق السيئ مع الزوج.. هذا يحطم الأسرة.. وعليكن أن تساهمن المساهمة الجادة الجدية في بناء الأسرة المسلمة السوية.. وليكن في قلوبكن رحمة لكل خلق الله، ومن خلق الله الأقرب إليكن نساء هذه الأمة..” 22.

اللهم اجعلنا مدارس قرآنية عبر الأجيال، وتقبل منا يا كريم.


[1] عبد السلام ياسين، الرسالة العلمية، ط 2001/1، مطبوعات الهلال – وجدة، ص 11.
[2] لقاءات كانت تجمع الإمام بأعضاء الجماعة – بعد رفع الحصار عنه – كل يوم أحد، يعظهم ويرشدهم فيها.
[3] https://www.youtube.com/watch?v=bufN6OfmGls لقاء مع حاملات كتاب الله.
[4] https://www.youtube.com/watch?v=-9ybxxXnYXc أخلاق حاملة كتاب الله.
[5] جزء من حديث طويل أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة، رقم الحديث 1905.
[6] رواه أبو داود بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[7] المنهاج النبوي لعبد السلام ياسين، ص 181.
[8] تنوير المومنات لعبد السلام ياسين، ج1، ص 299.
[9] https://www.youtube.com/watch?v=zgY5jQDDhOA عبد السلام ياسين رحمه الله وحبه لأهل القرآن، ج1.
[10] رواه ابن جرير الطبري في تفسيره، وأشار إلى صحته.
[11] https://www.youtube.com/watch?v=bufN6OfmGls لقاء مع حاملات كتاب الله.
[12] https://www.youtube.com/watch?v=-9ybxxXnYXc أخلاق حاملة كتاب الله.
[13] سورة الزمر، الآية 9.
[14] رواه البيهقي في شعب الإيمان.
[15] أخرجه الشيخان.
[16] https://www.youtube.com/watch?v=zgY5jQDDhOA عبد السلام ياسين رحمه الله وحبه لأهل القرآن، ج1.
[17] الإحسان لعبد السلام ياسين، ج1، ص 285.
[18] سورة سبأ، جزء من الآية 13.
[19] https://www.youtube.com/watch?v=No3zhqF2_88 ينتظر منكن أيتها الأخوات.
[20] https://www.youtube.com/watch?v=zgY5jQDDhOA عبد السلام ياسين رحمه الله وحبه لأهل القرآن، ج1.
[21] https://www.youtube.com/watch?v=bufN6OfmGls لقاء مع حاملات كتاب الله.
[22] https://www.youtube.com/watch?v=-9ybxxXnYXc أخلاق حاملة كتاب الله.