نفسك عدوك.. فامسك زمامها

Cover Image for نفسك عدوك.. فامسك زمامها
نشر بتاريخ

جبل الإنسان على حب الخير والصلاح، فهو بفطرته التي فطره المولى عليها يستطيع التمييز بين السلوك الحسن والسلوك السيء، حتى أنك لتجد الشخص الذي لا يعرف شيئا عن الإسلام ولا عن أية رسالة سماوية يحس بالذنب على ما اقترفه من سوء عندما يدخل في حالة مصالحة مع ذاته، وينبذ كل سلوك مشين ارتكبه، ويود أن يكون طاهرا من أي خلق ذميم.

فما هي العقبة التي تعيق الإنسان وتمنعه من الصلاح؟ وكيف تتسنى له الاستقامة والسير عليها؟

وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ.

عبارة تدل على حالة إنابة وأوبة وتصالح مع الذات، ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم على لسان زليخة بعد أن استسلمت لنزواتها وأهوائها، وقد وصف الله عز وجل النفس بالأمارة بصيغة المبالغة ليعلم أن وسوستها ومكرها قوة لا يستهان بها بل ينبغي إعداد العدة لمواجهتها. ومن ثم فقد ذهب العلماء إلى أن أكبر عقبة تحول بين الإنسان والاستقامة وألد أعدائه نفسُه التي بين جنبيه، وأن الشيطان وإن كان قد أقسم على الله أن يغوي الإنسان وأن يأتيه من بين يديه ومن خلفه لكنه لا يستطيع الاقتراب من عباد الله المخلصين، أما النفس فإنها ما تزال توسوس وتوسوس حتى لمن بلغ المقامات العُلا مع مولاه، فالحرب مع النفس دائمة مادام الإنسان حيا، وأخطر ما في هذه الحرب أن النفس قد تنقاد فترة من الزمن حتى يحسبها صاحبها قد صلحت وحسن حالها واستسلمت لأمر ربها وخضعت، لكنها سرعان ما تنقلب وتعود إلى غيها وتعنتها، فيعود الإنسان إلى نقطة الصفر وكأنه لم يفعل شيئا، لذلك يقال «النفس حية (أي أفعى) ما دامت حية». إلا أن الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم خفف من عناء هذه الحرب ومن مشاقها، فقال عليه الصلاة والسلام: “لكل عمل شرة وفترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى”؛ اعتبر عليه الصلاة والسلام كل محافظ على السنة العطرة في حالة فتوره وإدبار نفسه مهتديا، حتى ولو لم يعد يجد في نفسه ذلك النشاط وتلك الحيوية التي كان يشعر بها أثناء إقباله على الطاعات.

فاز قوي الشكيمة

قوي الشكيمة هو من يضبط نفسه ويمسك زمامها ثم يحسن توجيهها، فالنفس كما يقول العلامة أبو حامد الغزالي رضي الله عنه كالفرس إن أنت وضعت له لجاما وأمسكت به انقاد وتمكنت من توجيهه أينما شئت ووقتما شئت، وإن أنت أرخيت له العنان وركبته قادك أينما شاء هو ولربما أسقطك في هاوية أو منحدر.

لذا يتعين على كل عاقل فطن أن يبقى دائما متيقظا حذرا، وأن يمسك بزمام نفسه ويعرف حيلها ومكائدها، ويتفحصها ليعرف عيوبها وأمراضها.

وأمراض النفس والقلوب أكثر من أن تعد أو تحصى؛ فمنها الكبر والغرور والعجب والأنانية والتسلط والحسد والرياء والبخل.. وكلها مهلكات تجعل الإنسان سلبيا في المجتمع، إذ لا يمكن بناء المجتمع الأخوي مع وجود عناصر تعاني من بعض هذه الأمراض، وتودي به إلى الخسران والهلاك عند الله ولو كثرت صلاته وصيامه؛ لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن المرأة التي تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها هي في النار.

فالشرائع التعبدية ما هي إلا وسائل لإصلاح النفس وتطهير القلب، ليصبح الإنسان مؤهلا للاستخلاف في الأرض، وإلا فما فائدة الصلاة إن لم تنه عن الفحشاء والمنكر، وما فائدة الصوم إن لم يكف الإنسان عن الخوض في أعراض الناس، وما فائدة الزكاة إن لم تتطهر النفس من البخل والشح..

وبمعرفة داء النفس يستطيع الإنسان أخذ الدواء المناسب، والنفس إنما تداوى بالمجاهدة، أي بالإقدام على العمل المناقض للسلوك الفاسد، فإن كان الشخص مثلا يعاني من البخل فعلاجه الإكثار من الإنفاق في سبيل الله، وإن كان يعاني من الكبر فعلاجه المبالغة في التواضع، وقد وصف أبو حامد الغزالي رحمه الله دواءً لمن يعاني هذا المرض فدله على ترتيب أحذية المصلين عند باب مسجد، أو نحوه، لتنكسر نفسه وتذل، وبذلك يقلع عن الكبر.. وقد بين الحق عز وجل نتيجة المجاهدة فقال وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ، الجهد من الإنسان والهداية من الله تعالى، وعاقبة المجاهدة الهداية، وكأن الله عز وجل حصر الهداية على من يجاهد نفسه ويخالف أهواءها ونزواتها. وإنما سمى الرسول الأكرم المجاهدة بالجهاد الأكبر ليعرف كل فرد أن العملية ليست سهلة، وأن مقاومة النفس وتقويم اعوجاجها أصعب من مواجهة عدو في ساحة الوغى.

أعانني الله وإياك عزيزتي/عزيزي القارئ على إصلاح أنفسنا وتطهيرها من الكادورات، حتى نلقى الله عز وجل بقلب سليم. ووهبنا الهداية والاستقامة من لدنه، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. آمين آمين والحمد لله رب العالمين.