تحتفل أغلبية الدول باليوم العالمي للتلفزيون والذي حدد تاريخه يوم21 نونبر/تشرين الثاني، بناء على قرار الأمم المتحدة الذي أصدرته سنة 1996، حيث غدا للتلفاز يوم عالمي لما له من تأثير مباشر في صنع القرارات بشتى تلاوينها، إذ أنه وابتداء من زمن الستينات كان هو الأداة الإعلامية التي جمعت بين قوة التأثير السمعي والتأثير البصري، فأصبح رمزا للاتصالات والعولمة في العالم المعاصر، وتجاوز الضرورة الاجتماعية ليوجد بالقصور والدور والأكواخ.
من هذا المنطلق وبناء على هاته الأهمية التي يحتلها التلفاز في حياتنا وجب علينا إلزاما أن نراجع بضاعته وأن نتساءل عما يحمله إلينا من مضامين وبما يغزونا به في عقر دارنا؟
إذا نظرنا إليه ينقلب إلينا البصر متحسرا دون أن نرجعه كرتين، يتحسر البصر مما يرى والأذن مما تسمع والفؤاد مما يعي والعقل بما يدرك إن هو أدرك من الهرطقات الإعلامية شيئا. ننظر فنجد تلفازنا مجرد ضجيج يتعالى ليغطي أنين الجائعين والمحرومين من شعبنا وأمتنا، نجده مجرد أداة لتخريب الأخلاق وإفساد النشء، نجده تلفازا تابعا غير مستقل، يتبع نحلة الغالب ويسوق بضاعته ببيوتنا وينشر ثقافته فينا، فيشوه هويتنا ويطمس فطرتنا ويقتلع من أرض قلوبنا جذور الإيمان…
نجده تلفازا يحمل عهرا وعفنا ثقافيا يترنح بين الإغراء والانحلال، تلفازا ينطق كذبا مدبلجا ويعرض نماذج سامة ينفث فينا سمها دون سابق إنذار أو لاحق اعتذار، نجد تلفاز اللائكية أو الإسلام الرسمي الذي يتلخص في آيات تتلى عند الضرورة “البرتوكولية”، أو خطب مكتوبة بحبر علماء السلطان وفتاوي مفصلة على مقاس المصلحة المنجرفة مع التيار الغالب، نجده تلفازا أو قل إعلاما رديئا بذيئا بعيدا عن عتبة المسؤولية والكلمة الحرة، تلفاز ينتج أجيالا ضحية ممسوخة الهوية والشخصية، مخربة النفسية، مخدرة العقول موحدة في حضيض الأذواق المنحطة، أجيال هي مستقبل الأمة ونور فجرها وشمس صبحها، نراها فنرى معها أفق الغد القادم. فأي أفق وأي غد ينتظر هاته الأمة؟
فلأجلنا ولأجل أمتنا وأجيالها ومستقبلها وغدها وأفقها المنتظر نطالب بتلفاز يخدم إنسانياتنا ويحيي فطرتنا ويعيد إلينا هويتنا، تلفاز يلفظ كل عبث وكل تبعية انهزامية بشتى مشاربها.
نريده إعلاما ديمقراطيا تعدديا حرا ومسؤولا، إعلاما لا يكمم الكلمة الحرة أو يحاصرها، بل يصدع بها فلا يخاف من تبعات الكلمة المسؤولة ولا يخشى في الحق لومة لائم.
نريد إعلاما حرا صادقا وشجاعا يدعم الحق ويؤيده حيث كان، ويشجب الباطل ويفضحه أنى وجد، إعلاما يعلم بأن الله يسمع ويرى وأن للإنسان ما سعى وأن عند الله تجتمع الخصوم وأنه قد خاب من حمل ظلما .
فلتنظر كل نفس ما قدمت لغد، والحمد لله رب العالمين.