د. متوكل: لا يمكن للأنظمة الاستبدادية أن تنسلخ عن طبيعتها ولا مجال للتغيير إلا بفعل مجتمعي

Cover Image for د. متوكل: لا يمكن للأنظمة الاستبدادية أن تنسلخ عن طبيعتها ولا مجال للتغيير إلا بفعل مجتمعي
نشر بتاريخ

ألقى رئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان الدكتور عبد الواحد متوكل كلمة افتتح بها أشغال المجلس القطري في دورته 21، المنظم يومي السبت والأحد 15 و16 صفر الخير 1439/ 4 و5 نونبر 2017، هذا نصها:

مقدس 21
السبت 4 نونبر 2017 الموافق لـ15 صفر 1439

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين

ملاحظتان:

•    لدي ثلاث نقط سأمهد لها بنقاش علمي موجز رغبة في المزيد من الاستدلال على موقف نحسبه صوابا. ارجو أن تسعف العبارة والوقت لتبيان المقصود.
•    ليس الغرض من هذه الكلمة العراك مع أحد أو النيل من الأشخاص أيا ما كانت مواقعهم السياسية أو الحزبية؛ إنما القصد هو المناقشة الهادئة لواقع معقد والبحث عن أقوم السبل للإصلاح.

الملكية بين الربقة والمعضلة

استوحيت هذا العنوان من نظريتين اثنتين: واحدة لمؤرخ ألمعي من القرن الرابع عشر الميلادي (1332 – 1406م)، والثانية لمفكر سياسي شهير من القرن العشرين (1927ـ 2008)، لكن قبل أن أصل إلى هناك اسمحوا لي أن استهل كلمتي بالإشارة لمقتطف من حوار تلفزي، ولعل أكثركم أو بعضكم قد شاهده، مع مسؤول خليجي. سأله الصحافي إن كانت ميزانية الحاكم منفصلة عن ميزانية الدولة، فأجاب بصراحة وبدون تردد بالنفي. وأعاد الصحافي السؤال أكثر من مرة والمسؤول الخليجي يؤكد جوابه معللا أن الحاكم عندهم هو الدولة والدولة هي الحاكم والمال مختلط لا مجال للفصل ولا ضرورة له. ثم أردف بأن هذه الفلسفة، حسب قوله، لا يفهمها إلا أبناء الخليج.

هذا التصريح وأمثاله أو ما في معناه مما يكثر تداوله في بلادنا، فضلا عن الممارسة العملية التي تتناقلها أخبار متواترة، يؤكد كل ذلك إحدى أبرز خصائص نظام الاستبداد وهي “التصرف بمنطق الضيعة”. فإذا استوعبنا هذه الحقيقة جيدا، فإننا سنفهم، ولا أقول نتفهم، السلوك السياسي للحكام ومواقفهم وممارساتهم وخطاباتهم. ومن ثم يزول الاستغراب أو يكاد.

فمنذ حصول المغرب على الاستقلال أو ما يشبهه، صدرت عدة دساتير وخضعت لعدة تعديلات، لكنها كانت ولا تزال دون تطلعات المغاربة التواقين لوثيقة تحاكي المتعارف عليه بين الدول التي تحترم شعوبها، وثيقة تسمح بمؤسسات مسؤولة وبصلاحيات حقيقية، وتمنع الاستفراد بالقرار السياسي وتغول الحاكم البشر. ولا يزال الثابت الذي لم يتغير في منطوق الدستور وروحه هو تركيز أهم السلطات في يد واحدة وفي شخص الملك تحديدا.

ترى لماذا هذا الحرص على هذا الموقف الذي أضحى ممجوجا عالميا؟ فهل الدافع إلى ذلك الخوف على الشعب أم منه، أو الحرص على مصلحة الوطن أم مصالح الحاكمين؟ لم الاستمساك بنصوص تسمح للحاكم بالتصرف في مقدرات البلاد ومصائر العباد وفوق ذلك تجعله في مأمن من المحاسبة والمساءلة؟

ينبغي أن نبتعد عن التفسيرات السطحية. المسألة في تقديري تتجاوز الأشخاص، وإن كان للأشخاص دور، فلا يعدو أن يكون، بتعبير ابن خلدون، في درجة التمسك بمجاري العادة والطبع.

فما دام أن الملكية هي التي تضع أو تختار من يضع الدستور، فإنه لا يتصور أن يأتي من قبلها ما يحد من سلطاتها الواسعة إن لم أقل المطلقة. فالنظام، انسجاما مع طبعه وطبيعته وجريا على تقاليد المخزن الموروثة، يتصرف بمنطق صاحب الشأن الكلي، ومن ثم فإن الدستور لا يمكن إلا أن يكون تعبيرا عن هذا المنطق ووفاء لهذه التقاليد. فمن الطبيعي إذن أن تكون نصوص الدستور مثبتة وحامية للهيمنة الملكية على كل الشؤون السياسية والاقتصادية والتشريعية والقضائية وغيرها. وليس هذا وحسب، وإنما لا يوجد مانع في شرعة الحكم المطلق من إصدار بعض القرارات خارج المساطر المدونة أو تأديب بعض أفراد الرعية بعقوبات غير التي نزل بها الوحي أو نص عليها الدستور أو القانون. وهذا الذي لا يريد أن يهضمه بعض المعلقين عما سمي بالزلزال السياسي.

ولذلك يمكن للمغاربة أن يطالبوا النظام، حتى تبح منهم الحناجر، بدستور جديد يحقق لهم المرجو من دولة الحق والقانون، فستبقى تلك المطالبة صيحة في واد أو نفخة في رماد، طالما أن الجهة التي تستأثر بالحق في وضع الدستور أو تملي الطريقة التي يتم بها إعداده هي هي لم تتغير منذ فجر الاستقلال المنقوص.

لا نبالغ إذن ولا نجانب الصواب، والأيام بيننا، إن قلنا إنه لا يمكن أن نتوقع في ظل الدستور الحالي أن تكون لنا حكومة تحكم أو برلمان ينهض بمهامه التشريعية والرقابية أو قضاء لا يخضع للتعليمات. فالحكومة هي حكومة صاحب الجلالة، والمعارضة هي معارضة صاحب الجلالة، كما صرح بذلك زعماء أحزاب على الهواء مباشرة، والقضاء يحكم باسم صاحب الجلالة، وكذلك الإفتاء فإنه يتم باسم صاحب الجلالة: وأيا ما كانت الممارسات الصادرة عن الدولة، ومهما كانت مخالفة لنصوص الإسلام الصريحة، فإنها ستجد في وزارة الأوقاف والمجالس العلمية الرسمية من يزكي ويبرر، دون أن يبالي إن خالف مقاله اليوم ما قاله بالأمس. ولله في خلقه شؤون.

ولعل أحدث مثال ما جاء على لسان وزير الأوقاف وهو يحاول أن يفسر هذه الفلسفة العصية على الفهم لجمهور الطلبة في كلية المحمدية في محاضرة بعنوان “فكرة العلماء في النظام العام”، ألقاها يوم الأربعاء 11 أكتوبر 2017، يدعو فيها العلماء إلى النأي بأنفسهم عن منازعة الحاكم في شؤون الحكم. وهي دعوة منسجمة مع طبيعة النظام الحاكم بمنطق الضيعة. فالعلماء هم علماء الحاكم، أو هكذا ينبغي أن يكونوا وإلا اعتبروا خارجين عن الإجماع، أو دعاة فتنة. وكذلك الشأن بالنسبة للمثقفين والموظفين السامين وغيرهم من أعيان المجتمع.

وتأكيدا لهذا المنطق الذي لا يصح معه للعالم أن يفتي ولا للقاضي أن يحكم بخلاف ما يهوى الحاكم، نذكر قصة جاءت في كتاب أخبار ابي حنيفة وأصحابه لأبي عبدالله الصيرمي ملخصها أن محمد بن الحسن الشيباني، تلميذ أبي حنيفة وواحدا من أبرز المساهمين في إغناء الفقه الحنفي، عندما كان قاضيا في الرقة (سوريا)، سأله هارون الرشيد (149ه ـ 193ه/766 ـ 809) إن كان بإمكانه أن يسحب عقد الأمان الذي كان قد أعطاه الرشيد لرجل يدعى يحيى بن عبد الله الحسن. وعندما أجابه الشيباني بأنه لا يمكنه أن يفعل ذلك من الناحية الشرعية، غضب الرشيد غضبا شديدا ورماه بمحبرة كانت على مقربة منه (حجم المحبرة في ذلك الزمان) شجت رأسه وتلطخ ثيابه بالدماء والمداد. ومنع من الإفتاء من بعد ذلك زمانا.

هذا مثال للحظة فارقة تمسك فيها كل طرف بمرجعه والأساس المعياري الذي يستند إليه: موقف الحاكم الذي يتصرف بمنطق الضيعة والناس عبيد له وخول، وموقف الفقيه الذي تصرف بمعيار الشريعة والقانون والأخلاق. ولذلك انزعج السلطان وفقد أعصابه لأنه يرى أن الواجب على العالم والقاضي والمثقف وغيرهم من أعيان المجتمع أن لا يتكلموا بما يزعج الحاكم، حتى وإن كان حقا أبلج، لأنهم ليس لهم وجود مستقل عن السلطان. فهم إليه ينتسبون، وبأمره يعملون، وفي مرتاضه يتفانون، أو هكذا ينبغي أن يكونوا.

وقد فطن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى هذه الظاهرة المرتبطة بالطبع والعادة لدى السلطان المتسلط، فتحدث عما يقتضيه ذلك من موبقات مثل الاستئثار بالمال والرياسة والمحاباة، وذكر أنها كثيرة في دول الملوك، وفي كثير من أمرائهم وقضاتهم وعلمائهم وعبادهم … ثم يضيف هذا الاستنتاج الناتج ولا شك، بعد توفيق الله، عن سعة اطلاع وطول تأمل وبعد نظر:  “وبسببه نشأت الفتن بين الأمة” (ابن تيمية في الفتاوى ج35 ص30). [نحن بصدد قاعدة اجتماعية سياسية مفادها أنه كلما كان الاستئثار بالمال والرياسة والزبونية وغير ذلك من الموبقات وسرى ذلك في المجتمع إلا ونشأت الفتن في الأمة].

ويعقب الأستاذ الإمام عبد السلام ياسين رحمة الله عليه على هذا النص قائلا: “لاحظ كيف ينسب أصناف الناس إلى الأمراء الفاسدين: قضاتهم، علماؤهم، عبادهم [سلفيوهم، متصوفتهم، إسلاميوهم…] ليشير إلى جحافل من الوصوليين السائرين في ركاب الحاكم” (الخلافة والملك، ص80).

وتأكيدا على أن الظاهرة قد تتجاوز الأشخاص، وأن النظام الذي يتأسس على احتكار السلطة والثروة يصبح الحاكم فيه أسيرا لهذا النظام، جاء حكيم المؤرخين ابن خلدون بمصطلح معبر، وهو ما أسماه بـ“ربقة الملك”. وقال: “واعلم أن الخلاص من ذلك (أي من الملك) بعد الحصول فيه عسير ممتنع” [المقدمة ص260]. فحتى لو أراد الملك، وتجاوز سلطان العادة والطبع والتقاليد، وهذا نادر جدا، فإن جحافل المنتفعين لا تمكنه من ذلك. والنتيجة، كما ذكر الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، هي أن الأمة أصبحت “سجينة نظام الملكية وأصبح السجان سجينا” (ن م 60). وهذا لا ينفي أنه قد مر في التاريخ الإسلامي ملوك أفاضل، لكنهم، يؤكد الأستاذ الإمام، كانوا استثناءات عبرت المجال وبقي نظام العض والجبر وحكم الاستبداد مستمرا إلى يوم الناس هذا.

تحدثنا عن  مقتضيات “ربقة الملك” من جانب الاستئثار بالسلطة أو بتعبير ابن تيمية بـ”الرياسة على الناس”، ونتحدث وإن باقتضاب لضيق المجال، عن جانب آخر لا يقل أهمية وهو الاستئثار بالثروة. ولاشك أن الكلام فيه يطول، والحديث عنه ذو شجون. ففي كتب التاريخ القديم والحديث قصص تزري بحكايات ألف ليلة وليلة وتفوقها في الإغراب. نقرأ عن أعراس أودت بخزانة الدولة إلى الإفلاس، مثل زواج قطر الندى من الخليفة العباسي الذي أفلست معه مصرا تماما. ذلك لتعلموا أن العطب قديم، كما قال أحدهم. لقد كان الحاكم يرى أن له الحق الكامل في التصرف في مال المسلمين كيف يشاء، وعلى الجميع، بتعبير وزير الأوقاف، أن ينأى بنفسه عن منازعته في ذلك.

ولا يزال هذا التقليد، وأعني احتجان الأموال بطرق مشروعة وغير مشروعة، والتصرف في مال الأمة بدون حسيب ولا رقيب، مستمرا إلى يومنا هذا. ولئن كانت الممارسة فجة وصادمة في بعض البلاد العربية، مثل ما جاء في كلام المسؤول الخليجي الصريح الفصيح، فإنها في بلاد أخرى ومنها المغرب تتم بأشكال أخرى ناعمة، دون استبعاد الأساليب الخشنة عند الاقتضاء.

فهل يعرف المغاربة مثلا حجم ثرواتهم من معادن مثل الفوسفاط والذهب والفضة وغيرها من النفائس المذخورة في باطن ارضهم أو الموجودة على سطحها؟ وهل يعرفون مقدار ثرواتهم السمكية ومن يستفيد وكيف؟ هل يعرفون كيف تمنح رخص الصيد في أعالي البحار ومقالع الرمال واستغلال الغابات وكيف توفت أراض بثمن بخس ولمن ولماذا؟ وهل يعرفون حجم الأموال المهربة والحسابات البنكية السرية في الخارج ومن أصحابها.  الكل يتحدث، مختصون وغير مختصين، مغاربة وأجانب، بأن المغرب يتوفر على ثروات هائلة لو أحسن استغلالها لتغير وجه المغرب ولذهبت عنه وعن بناته وبنيه التعاسة والبؤس بغير رجعة. وقد تعبت الأصوات مطالبة بضرورة الاقتسام العادل لهذه الثروات بدون جدوى. ذلك لأن هذه المطالب، حسب منطق الضيعة دائما جراءة غير مقبولة، ومحاولات وقحة لتجريد صاحب الشأن من بعض ما يعتبره هو المالك له أصالة.

ولئن تناول ابن خلدون في النصوص المشار إليها “ربقة الملك” من الجانب النفسي ووفق مجاري العادة والطبع، فإن كاتبا في العصر الحديث وهو صامويل هنتينتون (Samuel Huntington) تناول الموضوع من جانب التحديات المطروحة أمام استمرار الملكيات بشكلها التقليدي الموروث. وقد صاغ هنتينتون مصطلح (The King’s Dilemma) للتعبير عن المشكلة الرئيسة التي تواجه الأنظمة الملكية الراهنة. والترجمة الحرفية هي “معضلة المَلك”، والأنسب في تقديري هو أن نقول “معضلة المُلك”.

وتكمن المعضلة التي تواجه هذه الأنظمة وضمنها المغرب في كيفية القيام بالإصلاحات المطلوبة والتي لايمكن تجاهلها دون أن تفقد السيطرة. ويرى هنتينتون أن أمامها خيارين: إما الاستمرار في التحديث والانفتاح واعتماد نموذج تنموي ناجح مع تكثيف القمع لإحكام السيطرة والاستمرار في الحكم؛ وإما العمل على تحويل الملكية إلى ملكية دستورية حقيقية حيث يسود الملك ولا يحكم.

يبدو أن هذه الأنظمة ومنها النظام المغربي غير مستعدة للخيار الثاني لعدة أسباب أذكر منها سببين وردا في مذكرة إلى من يهمه الأمر بتصرف بسيط وأضيف إليهما ثالثا:
•    الميل الغريزي لكل حاكم يتنافس الكل في إطرائه والتقرب منه إلى الاستبداد بالسلطة والاستسلام لتقاليد الحكم المطلق الموروث.
•    استماتة النخبة المنتفعة من الوضع الفاسد في الدفاع عن امتيازاتها والمحافظة على الظروف السياسية الممكنة لعهود الجمود، وبذل كل ما في وسعها لإجهاض كل محاولة جادة للإصلاح (مذكرة إلى من يهمه الأمر ص4 وص8).
•    أصدقاء النظام الذين يمدوه بالدعم والحماية لن يسمحوا بتحول يهدد مصالحهم.

أما الخيار الأول فإن هذه الأنظمة عاجزة عن السير فيه أو متوجسة منه. ذلك أن القيام ببعض الإصلاحات ولو محدودة وبمبادرة من الحكام (from the top) غالبا ما تؤدي إلى تصاعد، لا إلى تناقص، المطالب الآتية من تحت (from the bottom) الداعية إلى القيام بتغييرات أوسع وأعمق. والنتيجة غير المقصودة هو احتمال خروج الأمور عن السيطرة، فيؤدي ذلك إلى تنحية النخبة التي بادرت بهذه الإصلاحات. ويعتبر نظام شاه إيران مثالا لهذا المسار الذي بموجبه أدت الإصلاحات الآتية من فوق إلى نتائج غير مقصودة وهي نهاية الشاه ونظامه. وكذلك مشروع إعادة البناء (Perestroika) الذي اعتمده كورباتشوف في سنة 1986  فأدى ذلك إلى سلسلة من الأحداث انتهت بسقوط كورباتشوف وتفتت ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي.

ترى كيف تعامل النظام المغربي مع هذه المعضلة لتجنب الاحتمالات التي لايرغب فيها، لاسيما ومطالب التغيير والإصلاح تتصاعد وبوتيرة مزعجة؟ يمكن رصد بعض التدابير المعتمدة في عدة نقط منها:
    •    إعطاء الوعود الفضفاضة والترويج لشعارات خادعة مع إعطاء الانطباع بإمكانية تحققها في الأمد القريب والمتوسط، مثل العهد الجديد، والمفهوم الجديد للسلطة، ملك الفقراء، الإنصاف والمصالحة، المشروع الحداثي الديمقراطي، الجهوية المتقدمة، المبادرة الوطنية للتنمية…
    •    تحريك ملفات تخدم النظام أكثر مما تخدم المعنيين، مثل قانون الأحوال الشخصية وقضية المرأة، ومسألة الحريات الفردية، وثقافة الترفيه الماجن والاستهلاك…
    •    اعتماد خطاب المعارضة والتوجه باللوم إلى الإدارة والأحزاب والمؤسسات المنتخبة والحكومة واعتبارهم مسؤولين عن الفشل في تحويل شعارات العهد الجديد إلى نتائج ملموسة تتحسن معها أوضاع الشعب المغربي.
    •    اقتناص كل الفرص للتأصيل لحكم الفرد وبأنه هو الذي يصلح للمغرب والمغاربة. وقد اعتبر الانفتاح الدستوري لسنة 2011، وإن كان بحجم ثقب الإبرة هو السبب الرئيس في تردي الأوضاع، ومن ثم ينبغي إغلاق هذا الثقب الذي من خلاله تسربت الكوارث التي يعانيها الشعب المغربي. ويعني ذلك عودة حليمة إلى عادتها القديمة إن كانت قد غادرتها أصلا.
    •    البحث عن مشاجب وأكباش فداء لتحميلهم المسؤولية عن كل اختلال أو تقصير أو اختلاس أو فضيحة مثيرة لامتصاص غضب الناس مثل الإعفاءات التي شملت عددا من الوزراء والمسؤولين مؤخرا، وسرعان ما سيكتشف الناس أنها كانت مجرد قطرة من مادة تطهير، على فرض أنه من النوع الجيد، في مستنقع ممتد من الفساد لن يكون لها أي أثر.
    •    إفساد العمل السياسي والنقابي والجمعوي واختراقه، وشراء الذمم وتشويه المعارضين، وتدجين بعضهم واحتواء آخرين، وممارسة ألوان من الضغوط على من يعتبرهم عناصر أو اتجاهات مشاكسة.

لا يتسع المجال للتفصيل أكثر، ولكن ما أوردناه كاف للتأكيد على أن النظام المغربي، كغيره من الأنظمة التي تشبهه في الروح والطبيعة، وإن اختلفت شكلا، ملكية كانت أو جمهورية، لا يمكن أن ينسلخ عن طبيعته الاستبدادية، لأنها من منظوره مسألة حياة أو موت. ولن يقوم بالإصلاحات المطلوبة لأنه يخشى إن بدأت أن لا تنتهي إلا بإنهاء الاستبداد ورموزه. فإذا ما تعرض لضغط شديد، واضطر لشيء من الانفتاح، وتقديم بعض التنازلات، فإنه سيجد، في أقرب فرصة، أو يفتعل من المبررات ما يكفي ليسترجع ما قدم، على تواضعه حتى لا أقول على تفاهته، وليبقى الآمر الناهي دون حسيب او رقيب.

وأختم بناء على ما سبق بالخلاصات التالية:
    •    ينبغي ان لا ننتظر من دار المخزن شيئا؛ هذا وإن مطالبة المخزن بإدخال الإصلاحات المرجوة لانبعاث مغرب جديد ستبقى صيحة في واد ولن تجد منه آذانا صاغية. والأمل في تجاوبه كالأمل في العثور على إبرة ضاعت في فلاة. لا نتألى على الله، فنحن نعلم يقينا أن الله يفعل ما يشاء، ولكن الاعتبار، كما أمرنا، بسنن الله في الأنفس والآفاق ودروس التاريخ تدعونا أن لا نمني الناس بآمال ممتنعة.
    •    من دخل دار المخزن فلن يخرج سالما. فإما أن يخرج منهك القوى لايقدر على شيء، وإما معطوبا وإما محمولا على الأكتاف إلى مثواه الأخير. خرافة التغيير من الداخل انتهت وثبت إفلاسها. فلنبحث عن طريق آخر، ولا نبيع للناس الوهم، ولا نشارك في جريمة التغرير بالشعب تحت مسميات ظاهرها الرحمة وباطنها قتل الأمل وبث اليأس في النفوس من كل تغيير.
    •    خارج دار المخزن هناك فضاء فسيح لكي يسمع الشعب كلمته ويفرض إرادته بشرط التجرد لله والتوكل عليه، والترفع عن الحسابات الصغيرة، وبعد النظر وترك الخلافات جانبا، والاستعداد للائتلاف على برنامج مشترك ولو بالحد الأدنى. غير هذا فإن البلد سيبقى معرضا لزلازل حقيقية، حنانيك اللهم، لا يرغب فيها أحد.

نسأل الله أن يقينا العثرات وأن يجنبنا المحن والإحن ما ظهر منها وما بطن، وأن يولي أمورنا خيارنا لا شرارنا، وأن يهدينا جميعا سواء السبيل. آمين والحمد لله رب العالمين.

فرغ من كتابتها الفقير إلى رحمة ربه عبد الواحد متوكل
في الرباط، يوم الخميس 6 صفر 1439 موافق لـ26 أكتوبر 2017