كان خلق نبينا ﷺ القرآن الكريم

Cover Image for كان خلق نبينا ﷺ القرآن الكريم
نشر بتاريخ

ونحن نعيش الفرح بالربيع النبوي، مولد الحبيب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، حري بنا أن نستحضر مناقبه صلى الله عليه وسلم، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها حينما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كان خلقه القرآن” 1. كيف لا وقد كانت له صلى الله عليه وسلم صحبة ومحبة للقرآن ليس لها نظير، لقد كان صلى الله عليه وسلم يحرص على الوحي حرصا شديدا مخافة أن ينساه، حتى بشره الله بتلك البشارة العظيمة أنه سيتكفل بحفظه في صدره فلا ينساه، سنقرئك فلا تنسى. وكان صلى الله عليه وسلم يحث الصحابة الكرام على الإقبال على حفظه عن ظهر قلب، قال صلى الله عليه وسلم: “اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه” 2،  فكان كتاب الله أول اهتمامهم وعنايتهم رضوان الله عليهم، يتنافسون في استظهاره وحفظه ويتسابقون إلى مدارسته وتفهمه، ويتفاضلون فيما بينهم على مقدار ما يحفظون منه، وربما كانت قرة عين السيدة منهم أن يكون مهرها في زواجها سورة من القرآن يعلمها إياها زوجها، وكانوا يهجرون لذة النوم وراحة الهجود، إيثارا للذة القيام به في الليل، والتلاوة له في الأسحار، والصلاة به والناس نيام، حتى كان الذي يمر ببيوت الصحابة في غسق الدجى، يسمع دويا كدوي النحل بالقرآن. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكي فيهم روح هذه العناية بالتنزيل.

ومن عنايته صلى الله عليه وسلم واهتمامه بالقرآن الكريم وتحفيز المؤمنين على حفظه، قال: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه” 3، قال الإمام الرفاعي في شرح هذا الحديث: “هذا الحديث الشريف يفيد أن الخيرية قد صحت لمن قد تعلم القرآن وعلَّمَه، لما في القرآن العظيم من بالغ الحكم، وغامض السر، وخطير الشأن، وهو حبل الله الأعظم، به يهتدي المهتدون، ويصل الواصلون. وهو خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباب الله تعالى، والمعجزة الدائمة، والنور الذي لا ينحجب” 4.

ويصف صلى الله عليه وسلم صاحب القرآن يوم القيامة فيقول فيه: “يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن: يا رب حَلِّهِ، فيُلْبَسُ تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيُلْبَسُ حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق، وتزاد بكل آية حسنة” 5.

لهذا شهدت له أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها بخلق القرآن، وشهد له الحق سبحانه على خلقه العظيم بقوله في سورة القلم: وإنك لعلى خلق عظيم، يقول سيد قطب في سياق تفسير سورة القلم: “ثم تجيء الشهادة الكبرى والتكريم العظيم: “وإنك لعلى خلق عظيم”، وتتجاوب أرجاء الوجود بهذا الثناء الفريد على النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، ويثبت هذا الثناء العلوي في صميم الوجود، ويعجز كل قلم، ويعجز كل تصور، عن وصف قيمة الكلمة الطيبة من رب الوجود، وهي شهادة من الله، في ميزان الله، لعبد الله، ومدلول الخلق العظيم هو ما هو عند الله مما لا يبلغ إدراك مداه أحد من العالمين” 6.

فكان حقا كذلك صلى الله عليه وسلم وتشهد سيرته العطرة بذلك مما لا يخفى على أحد، ويقول صلى الله عليه وسلم: “أدبني ربي فأحسن تأديبي” 7. ويؤكد صلى الله عليه وسلم أنه بعث ليتمم مكارم الأخلاق، بقوله: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” 8، يلخص رسالته في هذا الهدف النبيل، وتقوم سيرته الشخصية مثالا حيا وصفحة نقية، وصورة رفيعة لخلقه صلى الله عليه وسلم.

وما نستخلصه من الحديث أن القرآن الكريم هو مصدر لكل الأخلاق، وإشارة إلى الحث على التأدب بآداب القرآن، والتخلق بأخلاقه، والاهتداء بهديه، والعمل بأوامره والانتهاء بنواهيه، وذلك بصحبته وحبه والتعلق به تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

بالخلق الكريم أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وأحبابه، قال عالم الصحابة معاذ بن جبل رضي الله عنه: “كان آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رِجلي في الغرز أنْ قال: “يا معاذ! أحسن خُلُقكَ للناس” 9. وروت أمنا عائشة رضي الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم قال: “إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” 10. وروى الترمذي عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنُهم خلُقا وألطفُهم بأهله”.

وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكاملين والكاملات في الأخلاق فقال: “إن من أحَبكم إليَّ وأقرَبكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسِنكم أخلاقا” 11.

القرب من رسول الله في الآخرة وحب رسول الله لنا هي العروة الوثقى وعماد الطريق للسلوك إلى الله عز وجل، وبين الحبيب المصطفى سبيل الوصول لهذا المقصد الأسمى بقوله عليه أزكى الصلوات والسلام: “ألا أيها الناس! إنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسولُ ربي فأُجيبَ. وإني تارك فيكم ثَقَلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به”. قال الراوي: فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: “وأهلُ بيتي! أذكركم الله في أهل بيتي! أذكركم الله في أهل بيتي! أذكركم الله في أهل بيتي!” 12.


[1] رواه البخاري.
[2] رواه البخاري
[3] رواه البخاري.
[4] الإمام الرفاعي، حال أهل الحقيقة مع الله، ص 101.
[5] رواه الترمذي.
[6] في ظلال القرآن، سيد قطب، ج6، تفسير سورة القلم، الآية 4.
[7] من الجامع الصغير عن ابن مسعود
[8] رواه أحمد.
[9] رواه الإمام مالك في الموطإ.
[10] رواه أبو داود بسند صحيح.
[11] رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
[12] رواه البخاري.