قول فيما يجري

Cover Image for قول فيما يجري
نشر بتاريخ

من يملك أدنى مستوى من الوعي السياسي، بله الممارسة الممتدة التي تمكّنه من استشعار اتجاه الأمور، سيدرك قطعا أن الوضع الهادئ الذي كانت عليه البلد قبل أيام، ليس سوى رماد فوقي يُخفي جمرا متّقدا ينذر بالاشتعال.

ذلك أن ما حذرنا منه، وحذر منه الغيورون سنين عددا، اختيارات تجرف المشهد وتحتكر السلطة وتضعف الفاعلين، وسياسات تحتكر الثروة لتصب في جيوب النخبة المستحوذة وتستنزف قدرة المغاربة حتى ما عادوا يطيقون حياتهم، وتهميش متعمد لشرائح مجتمعية واسعة على رأسها الشباب، وإقصاؤهم وسد منافذ الحياة في وجوههم، حتى بات “الحريك” مطمع فئة واسعة من أبنائنا. وفعلا صدقت العرب حين قالت: لا يمكنك أن تجني من الشوك العنب.

انطلقت موجة الاحتجاجات الشبابية الجارية وهي ترفع مطالب شعبية مشروعة؛ إصلاح لقطاعي الصحة والتعليم، وتحسين الظروف الاجتماعية، وإنهاء للفساد الذي بات منهج تدبير. وتتوسل بأساليب سلمية.

غير أن السلطة، طيلة أيام السبت والأحد والإثنين، أبت إلا أن تنحاز إلى أسلوبها القمعي العتيق، ورفضت أن تتعامل مع اللحظة بما يستحق من رشد سياسي ونضج تدبيري، تستمع فيه بعمق للنداء وتقدم جوابا سياسيا واضحا وملائما، وعمدت في المقابل إلى إخراج جوابها الأمني المكرور، الذي لطخ المشهد ووتر الأجواء ودفع الوضع إلى احتقان متوقع. وما كانت المتابعات وإطلاق المحاكمات، إلا زيتا آخر صبّه المسؤولون على بقعة الزيت المشتعلة الآخذة في التوسع.

لتأتي ساعة الانجرار إلى العنف، والرد على العنف. ولتنفلت الأمور بسرعة في عدد من الساحات والمدن، ولينخرط البعض في تصرّف غير مسؤول إلى اعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، ولنصبح في مواجهات مفتوحة بين القوات العمومية وعدد من الشباب، في مشهد يسيء إلى الوطن الجامع، لا يستثني الفاعل والمتفاعل، ويدق ناقوس الخطر من العنف الذي قد يدمر كل شيء.

لست هنا في موضع التأكيد على موقفنا الرافض للعنف؛ سواء اتخذه البعض وسيلة للتعبير والتغيير، أو انتهجته السلطة أسلوبا للقمع والتكميم. ولست في موضع التذكير بمواقفنا من الاستبداد والتسلط الذي هو السبب الرئيس في الانحباس والانغلاق، ثم التوتر والتحرك، فالاحتجاج والاصطدام. ولكن اللحظة مناسبة لقول واضح مباشر:

  • على الدولة أن تكف عن تكميم الأفواه وتصدير الخوف، فما عاد ذاك ينفع ويجدي بعد منسوب الوعي المتنامي خصوصا بعد حراك 2011. بل الواجب عليها اليوم أن تستمع إلى المطالب بإمعان وتتجاوب معها بصدق.
  • على الدولة أن تُوقف التوقيفات والمتابعات وتنهي المحاكمات، وأن تطلق الموقوفين على خلفية الاحتجاجات الجارية، وأن تطلق سراح كافة معتقلي الرأي والاعتقال السياسي.
  • على كل الاحتجاجات الشعبية القطع، التام النهائي الذي لا تردد معه، مع وسائل التعبير العنيفة، والحذر الشديد من المخربين والمنفلتين والمندسين، فما كان العنف في شيء إلا شانه كما قال حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
  • بعد واجب اتخاذ خطوات أولى سريعة مباشرة (وقف الاعتقالات، إطلاق المعتقلين، فتح الباب للاحتجاج السلمي)، لا مناص من المبادرة إلى ما دعونا إليه مرارا: حوار وطني مفتوح، يتأسس على المطالب الشعبية المشروعة، وينطلق منها. حوار يعيد ترتيب الأولويات، ويؤسس لتعاقد جديد، ويطلق ورش إصلاح جدي وحقيقي، يفضي بنا إلى مغرب حر ديمقراطي، يحتفي بكل أبنائه وبناته، وتجنب المعالجات الكاسدة سواء منها المعالجة القمعية أو بعض الإجراءات الالتفافية التي تلامس القشر وتتعامى عن الجوهر، إذ إن معضلة المغرب ليست في وزير أو حكومة أو إدارة من الإدارات، إنما المعضلة هي في الاستبداد والفساد البنيويين الذين طالب حراك 2011 بإسقاطهما وجرى الالتفاف على هذا المطلب لتستمر الأزمة كامنة تحت رماد المعالجة الالتفافية السطحية ولا تلبث أن تنفجر في أي وقت.

اللهم احفظ بلدنا من كل سوء، وأبرم لوطننا أمر رشد