قلبك إكسير الحياة

Cover Image for قلبك إكسير الحياة
نشر بتاريخ

إن القلب عضو مسؤول عن ضخ الحياة في شرايين الإنسان، فهو لا يتوقف عن العمل مدار اليوم، في كل ثانية يلعب دورا هاما في سريان الحياة بجسد الإنسان عبر ضخ كميات محددة من الدم لكل أعضاء الجسم.

ودقات القلب المنتظمة هي عملية محكمة بقوانين كونية؛ كل دقة دقيقة في حجمها ووقتها ودورها، بل إن القلب هو طوق نجاة الإنسان يوم القيامة، قال عز علاه: يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) 1

إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، اقترن القلب في القرآن الكريم بالسلامة، أما في الحديث النبوي المشهور 2 فقد ارتبط بالصلاح. فهل للقلب دور آخر في حياة الإنسان غير ضخ الدم للجسم؟ ما مسؤولية القلب في صلاح الإنسان أو فساده؟ كيف يمكن أن يكون لي قلب سليم؟

إن القلب يهب للإنسان حياة في الدنيا الفانية وحياة في الآخرة الباقية، فهو إكسيرها، لذا على المسلم الاعتناء به جيدا والحفاظ عليه من كل ما يضعفه أو يزيحه عن دوره.

حياة القلب تتمثل في ما يختلجه من مشاعر؛ كالرحمة والحب والطيبوبة والسخاء والبذل.. وتترجم أضدادها موته؛ كالحسد والحقد والغيرة والغل، وأشدهم فتكا سوء الظن، مشاعر تهتك بروح القلب وتلوثه، بل تملأه بالسلبية والكراهية فيفيض بسلوكات سيئة تضر به وبمن حوله من أحبابه وأقاربه ومحيطه بصفة عامة.

سلوكات وممارسات تعكس المشاعر السلبية؛ كقطع صلة الرحم والنميمة والغيبة وإفساد سعادة الآخر حسدا وحقدا بولوج عالم السحر والشعوذة، أضف إلى ذلك الزور والبهتان والبخل والانتهازية….

ربط العالم الجليل ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى سلامة القلب بخمسة أمور، قال: “ولا تتم سلامة القلب حتى يسلم من خمسة أشياء: من شركٍ يناقض التوحيد، وبدعةٍ تخالف السنة، وشهوةٍ تخالفُ الأمر، وغفلةٍ تناقضُ الذكر، وهوى نفس يناقض التجرد من شهوات الدنيا. وهذه الخمسة حُجُبٍ عن الله تعالى، لا بد للمسلم من التخلص منها بالاستعانة بالله- عز وجل”.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” 3.

إن ميزان التقوى يرتبط بما في القلب، لذا بشر العلي القدير أصحاب القلوب السليمة بخير عميم، قال عز من قائل في كتابه الحكيم: لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا 4.

إن القلب منبع كل خير ومصدر كل شر، إن صلح صلحت حياة صاحبه وكل من يقرب إليه، وإن فسد خسر صاحبه الدارين؛ ففقد في الدنيا محبة واحترام وتقدير أهله ومعارفه وأصحابه، والخسران الأكبر يوم يوضع الميزان في الآخرة. لذلك وجب على المسلم أن يحرص على تعهد الحفاظ على نقائه لينجو، ولا يتأتى ذلك إلا بكثرة الاستغفار، ومجالسة الصالحين، والتوبة بعد كل ذنب، واجتناب صغائر الذنوب فإنها تنكث في القلب.

وقد وضع لنا رسول الرحمة نبراسا نقتدي به في سلوكنا إلى الله، نحافظ به على قلبنا سالما معافى من كل ما يفسده ويعطله عن دوره في عبادة الرحمن، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ يشكو قَسوةَ قَلْبِهِ، قَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ؟ وَتُدْرِكَ حَاجَتَكَ؟ اِرْحَمِ الْيَتِيمَ، وَامْسَحْ رَأْسَهُ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ يَلِينُ قَلْبُكَ، وَتُدْرِكُ حَاجَتَكَ» 5.

وترك لنا أعلام هذه الأمة من السابقين الصالحين وصفات لعلاج أمراض القلوب وقساوتها، فعَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الأَزَدِي يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الخَوَّاصَ يَقُولُ: «دَوَاءُ القَلْبِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: قِرَاءَةُ القُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ، وَخَلَاءُ الْبطْنِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالتَّضَرُّعُ عِنْدَ السَّحَرِ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ» 6.

فحافظ على قلبك فهو إكسير الحياة الأبدية. 


[1] سورة الشعراء.
[2] عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)؛ متفق عليه.
[3] رواه مسلم: 6708.
[4] سورة الفتح، الآية 18.
[5] عبد السلام ياسين، كتاب شعب الإيمان، ج1، ص: 345، الحديث رقم: 1115. أخرجه الطبرانى كما في الترغيب والترهيب، 3/237، رقم: 3844، ومجمع الزوائد، 8/160، رقم: 13509.
[6] عبد السلام ياسين، كتاب شعب الإيمان، ج1، ص: 346، الحديث رقم: 1117. أخرجه أبو نعيم في الحلية، 10/327.