ذ. فتحي: قضية “كمال عماري” واحدة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وهي تسائل العدالة الانتقالية في المغرب

Cover Image for ذ. فتحي: قضية “كمال عماري” واحدة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وهي تسائل العدالة الانتقالية في المغرب
نشر بتاريخ

أكد الأستاذ عبد الصمد فتحي أن قضية الشهيد كمال عماري ليست معزولة بل هي جزء ضمن أجزاء من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفها المغرب، موضحا أن هذا الانتهاك الجسيم وأمثاله “يسائل العدالة الانتقالية في المغرب”.

“خلفيات سياسية” لنظام الحكم وراء فشل تجربة العدالة الانتقالية في المغرب

وكان الأستاذ فتحي، يعرض قراءة سياسية لقضية الشهيد عماري كمال، اليوم الثلاثاء 04 يونيو 2024 بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، إلى جانب الأستاذة خديجة الرياضي التي بسطت قراءتها الحقوقية، والأستاذ محمد النويني الذي بسط قراءته القانونية، وذلك في ندوة بعنوان: “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب.. الشهيد كمال عماري نموذجا” أدار أطوارها الأستاذ المحامي عبد الرحيم بوصوف.

وباستمرار هاته الانتهاكات، يقول فتحي؛ نصل إلى نتيجة مفادها أن العدالة الانتقالية التي عرفها المغرب لم تستطع أن تحقق ضمانات لعدم تكرار مثل هاته الانتهاكات، ولم تستطع أن تفرض أو تضع آليات تقي المجتمع من انتهاكات حقوق الإنسان كما يقع اليوم.

وأرجع فتحي سبب فشل التجربة المغربية في العدالة الانتقالية إلى أن مواجهة الانتهاكات الجسيمة تحكمت فيها خلفيات سياسية متمثلة خاصة في إرادة الحاكمين تارة وجزء من المعارضة تارة أخرى ما حال دون فتح صفحة جديدة.

ففيما يخص الحاكمين، يقول فتحي؛ هناك هاجس ثقل الانتهاكات التي أقرتها تقارير المنظمات الدولية في تازمامارت والاختفاء القسري والاختطافات وغيرها، والتي أعطت لحقبة كاملة من تاريخ المغرب وسم “سنوات الرصاص” وهي لحظة تاريخية سوداء في تاريخ النظام المغربي.

دوافع “المصالحة” هي تبييض حقبة “سنوات الرصاص” وتأمين انتقال الحكم ولا وجود لـ “إرادة سياسية”

ولفت فتحي إلى أن دوافع فتح صفحة الإنصاف والمصالحة هي رغبة النظام المغربي في تبييض حقبة “سنوات الرصاص” وتأمين انتقال الحكم من ملك إلى ملك، خاصة في ظروف عصيبة “ولم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية للقطيعة مع المقاربة الأمنية والاستبداد وكل أشكال القمع والبطش والاضطهاد”.

وأشار في حديثه إلى أن ما أسهم في إبراز فكرة الإنصاف والمصالحة إلى الوجود هو ضغط المناخ الدولي السائد، الذي يدفع بشعاراته في اتجاه تحقيق ديموقراطيات في أوطاننا، وقد صدقنا تلك الشعارات حينها قبل أن يكشف الربيع العربي زيف تلك الشعارات التي انقلب عليها أصحابها من قوى الاستكبار العالمي.

ولم تكن هذه المصالحة شاملة، يضيف المتحدث، بقدر ما هي “مصالحة بين الحاكمين وبين جزء من المعارضة التاريخية، ولم تشمل كل أبناء الوطن خاصة المعارضة الجديدة والمستمرة بصرف النظر عن لونها الإسلامي أو اليساري”.

واسترسل موضحا أن هذه المقاربات والاختيارات والآليات لم تكن تبحث عن وضع قطيعة بين الماضي والمستقبل وإنما تبحث عن ترميم الوجه الذي تم تسويده بهذه الانتهاكات ومحاولة تأمين انتقال الحكم إلى “العهد الجديد” الذي رفع شعارات تحققت منها بعض المكتسبات الحقوقية فيما يرتبط بجزء من التعويض وجبر الضرر، ولكن ما يرتبط بالحقيقة التي عوضت بالإنصاف لم تتحقق كما ينبغي.

الانتهاكات ارتكبت حتى مع بداية مسلسل الإنصاف والمصالحة

وأكد المتحدث أنه لا يمكن استبعاد التجاوزات والانتهاكات في الوسائل والآليات الجديدة إلا بالتأسيس للديموقراطية التي كان فيها أمل للمغاربة للحديث من خلالها عن الانتقال الديموقراطي بمراحله لكن هذا الأمل تبخر بعد سنوات.

وشدد فتحي في مداخلته على أن الانتهاكات ارتكبت حتى مع بداية مسلسل الإنصاف والمصالحة، موضحا أن التفجيرات الإرهابية التي عرفها المغرب سنة 2003 تلتها ممارسات ترسخ معها قانون الإرهاب الذي كممت به الأفواه وسيق به مواطنون إلى السجون وحُكم على كثيرين بسنوات وعقود ومنهم من حكم عليه بالمؤبد.

وتابع موضحا أن هناك استمرارا للانتهاكات منذ اليوم الأول، وإن كان المنتهك في حقه والمضطهد جهة أخرى ولونا آخر، كما تابعنا حراك الريف والانتهاكات في حق الصحافيين ومنهم بوعشرين والريسوني والمفكرين مثل المعطي منجب، ومازالت الانتهاكات مستمرة في حق كثير من المناضلين في هذا الوطن من أجل تكميم الأفواه.

20 فبراير كانت فرصة لوضع قطيعة مع الانتهاكات وفتح صفحة جديدة ولكن…

ولما جاء حراك “20 فبراير” – يضيف فتحي – الذي يخلده استشهاد كمال عماري، وهي ذكرى عكست آمال الشعب المغربي في الانعتاق والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ويخلد الشعار البارز لهذا الحراك وهو “إسقاط الفساد والاستبداد” مشددا على أنه مع استمرار الفساد والاستبداد لا يمكن إلا أن تستمر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وكما كانت مرحلة الانتقال من ملك إلى ملك؛ مرحلة تاريخية كان يمكن أن يتحقق فيها التحول الديمقراطي وتشكل رافعة لتحول حقيقي لو اتحدت الجهود وكانت الإرادة حقيقية لدى الحاكمين؛ كذلك كانت مرحلة “20 فبراير” فرصة حقيقية للتحول ووضع قطيعة مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وفتح صفحة جديدة مع المستقبل.

لكن للأسف، يشدد المتحدث على أنها “فرصة فوتت بسبب التفاف النظام وبسبب وجود مكونات اغتنمت الفرصة وساهمت في إنجاح عملية الالتفاف على مطالب الشعب المغربي الذي ضحى بأبنائه وبفلذات كبده من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة”، يقول المتحدث.

عماري شهيد كل مكونات “20 فبراير” التي خرجت لإسقاط الفساد ودمه “يغذي اللحمة التي ينبغي أن تستمر”

وأشار فتحي إلى أن كمال عماري رحمه الله هو شهيد حركة 20 فبراير وليس فصيل مكون من المكونات، هو شهيد الشعب المغربي وكل المكونات التي خرجت في 20 فبراير لإسقاط الفساد والاستبداد، وعلى ذلك “فدمه واستشهاده يعزز ويغذي هذه اللحمة التي ينبغي أن تستمر”.

وأكد فتحي في الندوة ذاتها، أن تجاوز انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب، لا يمكن أن يتحقق في ظل هذا الوقع، مؤكدا على ضرورة توفر “شروط”، أولها وجود إرادة حقيقية من أجل مصالحة حقيقية بين كل مكونات المجتمع وأبناء الوطن، كما أنه لا بد من وحدة حقيقية بدون إقصاء لأحد وبدون محاولة حصار لأي طرف على حساب طرف آخر.

وتحدث فتحي ضمن هذه الشروط عن ضرورة وجود ضمانات على المستوى الدستوري والمؤسساتي، وكذا استقلال القضاء وتفعيل مراقبة البرلمان، وضمان حرية عمل المنظمات الحقوقية التي هي الضامن لمواجهة مثل هاته الانتهاكات.