قصف المستشفيات وقتل من فيها.. حين يدوس الإرهاب الصهيوني كل القوانين والمواثيق

Cover Image for قصف المستشفيات وقتل من فيها.. حين يدوس الإرهاب الصهيوني كل القوانين والمواثيق
نشر بتاريخ

في واحدة من أحقر الجرائم الأخلاقية التي تعرفها البشرية، والتي تعد من أخطر جرائم الحرب، عمدت الآلة الحربية للكيان الصهيوني المجرم إلى استهداف المرافق الطبية الرئيسية في قطاع غزة؛ من مستشفيات ومراكز صحية، متعمدة بذلك تدميرها وقتل من فيها من كوادر صحية ومرضى ومصابين ونازحين فقدوا بيوتهم جراء القصف المستمر منذ 46 يوما، مخلفة بذلك، لحد اليوم، استشهاد 201 من الكوادر الصحية، وخروج 25 مستشفى عن الخدمة، وتوقف 52 مركزا صحيا عن العمل، وتدمير  55 سيارة إسعاف، إضافة إلى استشهاد مئات المرضى والمصابين الذين أصبحت المستشفيات مقابر لهم لتعذر إخراج جثامينهم منها بسبب القصف الشديد والعشوائي.

ورغم أن المستشفيات محمية في القانون الدولي حماية عامة وخاصة؛ عامة باعتبارها مواقع مدنية (إضافة إلى المنازل والمدارس والجامعات ودور العبادة..) وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لاتفاقيتي جنيف لعام 1977 ولاهاي لعام 1954، وخاصة حيث خصّصت المادة 18 من الاتفاقية لحمايتها؛ بحيث لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية التي تقدم الرعاية للجرحى والمرضى والعجائز والنساء، ونصت المادة 19 منها على عدم إمكانية وقف الحماية للمستشفيات المدنية، والمادة 20 على احترام وحماية الموظفين المخصصين لتشغيل وإدارة المستشفيات المدنية. وهو ما يجعل الهجمات عليها مخالفة لقوانين الحرب تستدعي التدخل والمعاقبة. رغم كل هذه القوانين والاتفاقيات شهد الهجوم الصهيوني على مستشفيات غزة كل أشكال نقضها، من قطع للماء والكهرباء والغذاء، وقصف مباشر وحصار واقتحام لجنود الاحتلال ودباباتهم، وتدمير للأجهزة الطبية ولمستودعات الأدوية، وقنص، وإخلاء من المرضى، في صور تعكس الخرق القانوني السافر والهبوط الأخلاقي والانهزام النفسي للمحتل الصهيوني، ومن يمده بآليات القتل والتدمير.

ولعل من المآسي التي شهد عليها العالم لحظة بلحظة، والتي لم تنتفض عليها سوى الشعوب بمن فيها الغربية التي دفعتها الأحداث للتعرف على الحقائق كما هي على الأرض والتخلص من سرديات الآلة الإعلامية الغربية المنحازة والداعمة للكيان الصهيوني، أما على المستوى الرسمي فلم يتخطَّ الأمر عتبة التنديد لمن ما زال يملك بعض “الشجاعة” وإلا فحتى هذه منع الصهاينة منها الحكام والرؤساء، لعل من هذه المآسي ما تعرضت له المستشفيات الكبرى بدءا بمستشفى المعمداني، الذي شهد مجزرة ارتكبها سلاح الجو الصهيوني يوم السابع عشر من أكتوبر المنصرم ذهب ضحيتها نحو 500 شهيد، قال عنها رئيس قسم العظام “الجروح التي أصيب بها الضحايا عبارة عن جروح قطعية، وتشير إلى أن القنبلة التي استخدمت من نوع خاص.. الجروح كانت كما لو أن هناك سكاكين انفجرت في الجموع وقطعت أجسادهم وأطرافهم”، فتناثرت أشلاء الضحايا داخل وخارج المستشفى بل ووجدت رؤوس أطفال مقطعة فوق المباني، بما يؤكد أن المحتل الصهيوني كان يقصد قتل أكبر عدد من الأفراد مستعملا لذلك أعتى ما وصلت إليه يده..

مرت الفاجعة تحت أنظار العالم، وامتلأت منصات التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع فيديو لا يستطيع إنسان سوي تحقيق النظر فيها، فتعالت أصوات الأحرار بالتنديد، ولكن الحكومات والمنظمات أخذتها سنة من نوم منعتها من فتح فمها، فازداد تعطش مصاصي الدماء للدم وأعطوا الأوامر لآلتهم المدمرة كي ترتكب مجزرة جديدة، وهذه المرة في مجمع الشفاء الطبي حيث تم قصفه يوم الجمعة 3 نونبر مما أدى إلى استشهاد العشرات وجرح آخرين، وجاء الرد “الكلامي” من منظمة الصحة العالمية التي عبرت عن “صدمتها العميقة إزاء ما حدث!”. وفي ليل 14 نونبر اقتحمت قوات الاحتلال المجمع، بعد أيام من محاصرته بالدبابات وقطع الوقود والكهرباء، ووصلت حتى مبنى الجراحات والطوارئ وسائر الأقسام والمرافق وعاثت فيها فسادا، وأطلقت النار على كل من تحرك داخل المستشفى أو خرج من الممر الذي زعمت أنه آمن، ما أدى إلى استشهاد العديد من مرضى العناية المركزة والأطفال الخدج إضافة إلى من نالته آلة القنص، وتجمعت الجثث في باحة المستشفى، ولم يسمح بدفنها وفق الإجراءات العادية حتى تحللت فاضطرت إدارة المستشفى لدفن 100 جثة في الباحة نفسها.

لم يكتف المجرم بهذا القدر بل أعطى تعليماته بإخلاء المستشفى غير عابئ بحالة المرضى والمصابين، ومنهم من تم قنصه في طريق النزوح.. كل هذا والمنظمات لا تراوح مكان “الصدمة العميقة” الذي يبدو أنها أوغلت فيه أكثر ولم تستطع التزحزح عنه، أما الرؤساء والحكام فيظهر أنهم غطوا في نوم عميق فقدوا معه إحساسهم بالإنسانية..

حقق المحتل “نصره العظيم” في مستشفى الشفاء، علّه يخفف بعض آثار الخيبة الثقيلة التي يمنى بها يوميا جنوده في حربهم البرية على يد المقاومة الفلسطينية الباسلة التي ضربت جميع تكنولوجيا أمريكا “فائقة التقدم” في الصفر على أيدي مقاومين يفجرونها عن بعد ومن مسافة الصفر، فمضى يوسع سياسته الهادفة لدك المستشفيات، فمن ذا الذي يستطيع إيقافه! وهذه المرة سرّع وتيرته، فقصف بشكل مباشر يوم الإثنين 20 نونبر مستشفيين بدل واحد؛ الإندونيسي والعودة، وتكرر نفس السيناريو؛ عشرات الشهداء والجرحى بين المرضى والطاقم الطبي، واستشهاد المصابين في الطرقات، وتم إجلاء نحو 320 جريحا ومرافقا لهم من المستشفى الإندونيسي (بين أمس الثلاثاء واليوم)، وبقي فيه آخرون، في ظل غياب الدواء والكهرباء حتى أنهم استعملوا زيت الطعام بديلا عن الوقود لتشغيل مولدات الكهرباء،  وأكدت أطر طبية أن الجثث موجودة في كل الأقسام، وأنهم فقدوا الكثير من الأرواح بسبب نقص المستلزمات، ودعا مدير عام الصحة في غزة لوقف الإجلاء الجبري ومنع تكرار سيناريو مجمع الشفاء الطبي بعدما تلقى تهديدا من جيش الاحتلال.

خرجت جميع مستشفيات شمال القطاع من الخدمة، وأضحت تُنسّق للإخلاء، وأصبح من لا يموت بالقصف يموت بالنزيف والمضاعفات بسبب عدم وصوله للمستشفيات..

تحولت مشافي شمال غزة إلى مقبرة لمن كان فيها، بل راجت معلومات عن سرقة الجثث من مجمع الشفاء الطبي من طرف عساكر الاحتلال، وتحولت إلى ثكنات عسكرية.. ووصلت نسبة الإشغال في المستشفيات الباقية 190 %، واستولت الحكومة الإسرائيلية على الأدوية التي دخلت ضمن مساعدات قليلة جدا سمحت بها..

فظائع يقول من ينقلون الصورة من داخل غزة إنها لا تمثل سوى 5% مما يعيشه أهلها الصابرون الصامدون.. وما يزال العالم يتفرج، وما يزال ضمير حكام العالم مقفول داخل صندوق منحوا مفتاحه لبني صهيون، الذين تأكد لديهم بأنهم محميون من أي عقاب وأنهم فوق القوانين وفوق كل البشر، يستمرئون مشاهد الأشلاء والدماء والأطراف المبتورة والأعين المفقوءة والأجسام المحروقة ليحققوا عقيدتهم المبنية على علو جنسهم وعلى حقهم في إبادة كل الخلائق التي ترفض خدمتهم والتي لا تعلو عندهم عن مرتبة الحيوانات بتصريحات قادتهم..

كل هذه الكبائر قام بها المحتل الإرهابي بذرائع واهية لا يصدقها الأحمق، أفما آن الأوان كي تتحمل كل جهة مسؤولياتها بدءا من المنظمات الإنسانية والمهنية الدولية في حماية المراكز الصحية وكفالة حق الاستشفاء، وانتهاء بحكام الدول العربية أساسا وسائر الدول عامة في وقف هذا العدوان الصارخ لمحتل ضد أصحاب أرض يظهر أنهم يفضلون أن يقبرون فيها ولا يتركونها.