قصتي مع “طوفان الأقصى” | ذة. عطية معيين

Cover Image for قصتي مع “طوفان الأقصى” | ذة. عطية معيين
نشر بتاريخ

طنجة وطوفان الأقصى.. نصرة دائمة وعطاء متجدد

لم يكن حدث السابع من أكتوبر الماضي، حدثا عاديا عند عامة الناس عموما وسكان المغرب وطنجة خصوصا. لقد كان هذا التاريخ، بداية لإنزال جماهيري حاشد، تتخلله شعارات قوية ومنددة بما يقع لإخوتنا في غزة. خرجت مختلف الأطياف عن بكرة أبيها، ملبية نداء الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، في استنفار قوي يهز أركان المدينة.

لقد عايشت مواقف عديدة، وسَجَّلت ملاحظات دقيقة، مع كل دعوة توجهها الجبهة لأبناء الوطن إذا كانت المسيرة وطنية، أو لساكنة طنجة الأبية إن كانت محلية.

رأيت العمال البسطاء، الذين يشاركون في المسيرة بعد يوم طويل من العمل الشاق، وشاهدت رجال ونساء التعليم الذين لا يثنيهم التعب والجهد المبذول في الأقسام عن الحضور في آخر اليوم، ورأيت بأم عيني ربات بيوت صحبة أطفالهن الذين يتجاوزون الثلاثة أحيانا وهن يتكبدن بعد المسافة والحرص على الأطفال، والأجمل هو تفانيهن في وضع شعارات وصور وملابس و”أكسسوارات” تدعم القضية.. وكان لحضور الأطر العليا والأطباء والطبيبات نصيب وافر وازن. رأيت رجالا مسنين ونساء مسنات لم يمنعهم مرض ولا عجز عن المشاركة وترديد الشعارات بروح شبابية كلها عزم وإرادة ورفض للظلم..

لم تتوان الجبهة صحبة الجماهير الشعبية عن الخلق والإبداع؛ فمع كل محطة كانت شعارات جديدة وأماكن لم يسبق ولم يخطر على بال أحد أن تكون يوما نقطة لتوجه المسيرة ولا خطا من خطوط سيرها. كما اختارت أماكن استراتيجية غير مسبوقة. ومع كل مسيرة تجتهد الجماهير الشعبية في رسم مشاهد تمثيلية؛ مرة ناطقة، وأخرى صامتة، وعروضا مسرحية وصل صداها للمحطات الفضائية العالمية، وأشكال إبداعية مختلفة تتغير في كل موعد. ناهيك عن الوقفات المسجدية كل جمعة.

كما كان التوقيت الزمني للعديد من المحطات؛ نقطة بارزة تُحْسب للجماهير الطنجية، خاصة ليلة رأس السنة الميلادية، وليلة دخول شهر رمضان، وفي ليالي رمضان، وأيضا ليلة عيدي الفطر والأضحى، في إشارة إلى التضامن غير المسبوق وغير المشروط مع الشعب الفلسطيني.

لقد عاشت طنجة خريفا وشتاء، ربيعا وصيفا؛ مظاهرات قوية ومسيرات شعبية، لم يهزمها فيها حر ولا قر، لا برد ولا زمهرير، بإحساس المقل وجهد المغلوب على أمره.

وفي المقابل -ولا شك- ترامت هنا وهناك أصوات المضللين والخانعين، المنادين بتازة قبل غزة، ولماذا لا تحتجون على أنبوبة الغاز التي ارتفع ثمنها؟ وماذا عن كذا؟ وكذا؟… لكنها أصوات خافتة ضعيفة، لا يُسْمع لها صدى أمام قضية إنسانية تضامن معها الجميع ومن دول شتى. قضية نشهد فيها الظلم الطافح والإبادة الجماعية على مرأى ومسمع المجتمع الدولي. قضية نرى فيها تكالب القريب قبل البعيد…

لقد برهنت مدينة مجمع البحرين، بحضورها الدائم ودعمها المطلق للشعب الفلسطيني وخاصة غزة العزة، أن ما يربطهما أكبر من هذا البحر المتوسط الذي يوما ما سيكون جسر عبور بين هذين الشعبين، وسترسو فيه سفننا العامرة بأحفاد سيدي أبو مدين الغوث، وستطهر وتُكَفِّر عن كل الخطايا السابقة التي دنست موانئنا، وستستقبل أحفاد الياسين بدل أحفاد القردة والخنازير..

ستظل أصوات أبناء وبنات طنجة وكافة أرجاء المغرب الحبيب صادحة بالحق، لا تهزمها المثبطات، وستظل تردد دائما وأبدا: “طنجة وغزة شعب واحد .. مو شعبين”.

وللحديث بقية…