قراءة منهاجية في كتاب “رسالة إلى الطالب والطالبة”

Cover Image for قراءة منهاجية في كتاب “رسالة إلى الطالب والطالبة”
نشر بتاريخ

يعتبر كتاب رسالة إلى الطالب والطالبة) إلى كل مسلم ومسلمة من أهم الكتب التي ناقشت الحركة الطلابية المغريبة وقضايا الطلاب بشكل عام، وقد صدرت الطبعة الأولى له سنة 1995 في مرحلة يعتبرها فصيل طلبة العدل والإحسان مرحلة التأسيس وإثبات الذات. وقد جاء هذا الكتاب إلى جانب نذر قليل من الكتابات التي اهتمت بالحركة الطلابية من حيث هي جزء من الحركة الأصلية للمجتمع الإسلامي، كما أشار إلى هذا المعنى الأستاذ مبارك الموساوي في كتابه الحركة الطلابية، القضية والتاريخ والمصير) بقوله: ففي بلاد العرب والمسلمين لا نكاد نجد علماء دعاة اهتموا بالحركة الطلابية اهتماما كبيرا وشاملا، بل كثير من العاملين في “الحقل الإسلامي” ينظرون إلى الحركة الطلابية من حيث حجم أثرها السياسي والحركي. وقد كان هذا النظر من العوامل الأساسية في إخفاق الحركة الطلابية في البلاد العربية من أن تقوم بدورها الطبيعي ضمن الحركة الأصلية للمجتمع الإسلامي… لكن في المغرب ظهر نموذج متميز تجلى في شخص الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين- رحمه الله- الذي اهتم بالحركة الطلابية اهتماما خاصا ومتميزا، بل اهتم بالطالب من حيث هو فرد).

جاءت الرسالة لتجيب عن سؤال طرحه الكاتب في مقدمة الرسالة بقوله: السؤال المطروح في هذه الرسالة هو: كيف أخرج من هذه الدنيا سعيدا بسعادة أهل الجنة؟ كيف أعبر مخاضة حياة أنا فيها مظلوم مكبوت مقهور؟ بأية عقيدة؟ لأية غاية؟ لأية أهداف؟ مع أي سرب؟ بأية أخلاق؟).

عالجت الكتابات السابقة هذه الرسالة من جوانب متعددة وحاولت أن أقدم قراءتي للرسالة مستحضرا مجموعة من الخصائص والمميزات التي طبعت المشروع المجتمعي للعدل والإحسان أو نظرية المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام ياسين موقنا أنه مهما كتب الكتاب ومهما قدم القراء من قراءات في هذه الرسالة لن يوفوها ولو القليل من حقها، والرسالة لا يعرف قدرها إلا الممارسون في ساحات الجامعة.

فأين تتجلى خصائص المنهاج النبوي من داخل هذه الرسالة من أصالة ، شمولية، إجرائية، ومستقبلية؟

* الأصالة: وتظهر هذه الخاصية بوضوح في مقدمة الكتاب حيث يقول الإمام المجدد رحمه الله: لن أحدثكم بلغة العقم والحياد “المعرفي الموضوعي الواقعي” إنما أحدثكم بلغة القرآن الحاملة لدعوة الإيمان، الحية بنبض الغضب على الشر، والاستنفار إلى الخير، المجلجلة بوعيد الثبور لمن صد عن سبيل الله، الواعدة بالحبور بعد البعث والنشور من آمن بالله واتبع سنة رسولك الله. صلى الله عليه وسلم). كما أن الكاتب في أول محور من محاور الرسالة يدعو إلى التريث والمعرفة قبل اتخاذ أي خطوة فيقول: إن لا أتسلح بالرزانة والرصانة والحذر والحكمة حتى أستبين الحقائق ثم أختار مصيري بشجاعة، فمهوى خطواتي إلى مستقبل تافه مجهول). إذا فالأستاذ الجليل لا يخط كلماته إلا بتأصيل من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لم يكتف فقط بتأصيل كلامه بل يدعو أتباعه كذلك إلى تأصيل خطواتهم قبل الاقتحام.

* الشمولية: وقد ظهرت هذه الخاصية على عدة مستويات.

– أولا في العنوان: رسالة إلى الطالب والطالبة) من خلاله يتبين أن الرسالة موجهة لكل الأطياف من الطلبة باختلاف انتماءاتهم واهتماماتهم.

– ثانيا في تحديد المخاطب بالرسالة: إلى طالب الخبز والمسكن والزواج والشغل والكرامة والاستقرار. إلى طالب الحق والعدل. إلى طالب السعادة في الدنيا والآخرة. إلى طالب الجنة. إلى طالب القرب من الله). منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة من هنا يتضح أن الكاتب لم يستثني بخطابه ماديا يريد الخبز والمسكن والزواج الشغل والكرامة والإستقرار فقط ولا ثوريا لم تعلو همته إلا لطلب الحق والعدل ولامسلما لم يتجاوز مطلبه الجنة ولا محسنا سمت همته للقرب من الله)منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة.

– ثالثا في المضمون: جاءت محاور الرسالة متنوعة شاملة لكل اهتمامات وقضايا الطلاب من سياسة ودعوة وتربية… فجاءت على الشكل التالي:

• هموم المصير: والذي أجاب من خلاله الإمام المجدد رحمه الله على سؤال الاختيار وأهمية الاختيار حيث يقول: بلاهة محايدة يختار والطالبة في مرحلة من العمر يكون خطأ الاختيار أثناءها مقدمة لعطالة العمر وضلال المسعى، الطالب أم تميزا نافذا حذرا يتعمق في البحث كيلا يحكم على الدعوة الإسلامية من خلال أخطاء بعض أبناء الدعوة؟) كما يقول مبينا خطورة الاختيار: فهل أختار سلامة الاصطفاف مع إسلام رسمي شديد الشكيمة، أم أندفع، على خطر، لأدافع عن الحق، وأنتصر للمظلوم، وأرفض الظلم والظالمين؟ اختيار! مهنة علماء البلاط مريحة!) فيجيب عن هذه الأسئلة وغيرها في الأخير بقوله: أبحث عن مسلك في الحياة، عن عهد مع الله تعالى قبل كل شيء، تنتظم به حياتي في الدنيا قبل مصيري في الآخرة).

• السياسة والدعوة: والذي حذر من خلاله الإمام المجدد رحمه الله أبناء الحركة الإسلامية من أن تطغى عليهم الصبغة السياسية فينسوا الأصل وهي الوظيفة التربوية، وفي هذا الصدد يقول: … فنوشك أن نصبح يوما حزبا سياسيا محضا أرضي المطامح إن لم يدخل الإيمان في قلوبنا، إن لم نتطهر بالتوبة إلى الله، ولم نتعطر بالإقبال على الله).

• في قلبك تعطش إلى الحق: والذي بين من خلاله الإمام المجدد رحمه الله كيف تتحول الشعلة الإسلامية وتوقد الغيرة إذا غابت يقظة القلب إلى رماد تسفوه رياح الزمن، فيقول: ما تيقظ القلب وما عزم وما أراد. ما دخل في القلب الإيمان. ما ارتوى ذلك التعطش إلى الحق الكامن في الفطر السليمة بسقيا حب الله. ما حيي القلب بهمة طامحة إلى الله وإلى ما عند الله صابرة مثابرة. كان وعيا سياسيا نقابيا شبابيا فكريا. كان نشوة في ترديد الشعارات الهادرة، وأخذة في تقليب كلام الغير، وعرض أفكار الغير).

• مادة الفتوة وقوة الاقتحام: حيث اعتبر الأستاذ الكريم رحمه الله الطلبة المسلمين والطالبات المسلمات مادة الفتوة وقوة الاقتحام وحذرهم من إضعاف فتوتهم في عنف رافض وحوار غامض، فيقول: ولا تضيعوا فتوتكم في عنف رافض وحوار غامض، انظروا بعيدا فسيأتي يوم قريب إن شاء الله تتجلى فيه أوهام حاكها كذب الحكام على رقاب المسلمين).

• خياركم أحباب الله حملة رسالة الإسلام: والذي يصف من خلاله الإمام المرشد رحمه الله حملة الدعوة الإسلامية بأنهم يجب أن يكونوا خيار الناس أفاضلهم، فيقول: تلك هي الأمانة العظيمة، تحملها أيد متوضئة وقلوب متطهرة. يحملها خيار الأمة أحباب الله. يحملها مؤمن ومؤمنة ينافسان الناس، يسارعان إلى مغفرة من ربهم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدة للمتقين خيار الناس).

* الإجرائية: وقد طبعت هذه الخاصية كلمات الرسالة كلها لأن الإمام المجدد لم يكتف بالتشخيص والتحليل للواقع الطلابي ولم يكتف بطرح الأسئلة والإشكالات بل كان كلامه في هذه الرسالة واقعيا إجرائيا قابلا للتطبيق وقد أكد ذلك تجربة فصيل طلبة العدل والإحسان التي يشهد لها من الخارج والداخل بتميزها.

* المستقبلية: فقد كان خطابه رحمه الله كما بينا ذلك في حديثنا عن خاصية الشمولية موجها حتى إلى للطالب حتى بعد مغادرته للجامعة، بل يمتد بعد رحيله إلى الدار الآخرة.

إذا ومن خلال قراءتنا للرسالة مستحضرين خصائص ومميزات المنهاج النبوي يتبين لنا أن هذا كتاب ما هو إلا حلقة ضمن سلسلة المنهاج النبوي والمشروع المجتمعي للإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، وأختم قراءتي هذه بالفقرة الأخيرة في الرسالة التي أعتبرها ملخصة للجواب عن السؤال المطروح، أكان انتمائي إلى جماعة إسلامية ظهورا في الساحة النقابية السياسة، أم اندماجا في رفقة ينهض بي حالها ومحبتها إلى تقوى الله، والعمل الصالح المقبول عند الله، وتعلمني الطريق إلى محاب الله على خطى رسول الله؟)قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه صلاة الله وسلام الله).