قراءة في كتاب “سنة الله”

Cover Image for قراءة في كتاب “سنة الله”
نشر بتاريخ

الفهرس

الجانب الشكلي

ظروف الإصدار وسياق التأليف ودلالة التسمية

خصوصيته وسط كتب الإمام رحمه الله

قضاياه الكبرى

“سنة الله” وملامح من تشخيص الواقع

“سنة الله” والحلول المقترحة

كشف عن مواطن سنن الله في “سنة الله”

“سنة الله” وموقع المرأة

أما بعد،

دأبت الكتابات الإسلامية لردح طويل من الزمن مشكورة على تتبع السنة النبوية الشريفة، تارة بفهم راضخ لجلال الله، مستحضر لمشروعيتها في التشريع والمعرفة، وتارة أخرى بتنكُّب عن الفهم الواضح والتدارس الناصع، إلا أن تخصيص الكتابة في سنة الله الكونية والنفسية والآفاقية، لتميز تفرد به الأستاذ الحبيب والمربي الرشيد، عبد السلام ياسين، رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وخلد ذكره في الصالحين. وإلى القارئ الكريم بعض ملامح الإبحار في هذا السِّفر الكريم، لا تدعي الإحاطة بكل ما تضمنه من جواهر نفيسة، وإشارات مليحة. نرجو الله السداد والقبول والثبات.

الجانب الشكلي

“سنة الله” إصدار أثرى الساحة الفكرية لعَلم كريم من أعلام الدعوة والبناء والتربية والفكر، صدر في حلة قشيبة تخترق دلالات ألوانها الرملية المختلطة “بصفرة”، والمخطوطة بسواد خط عثماني بديع، تجزيئات الزمان والمكان، لتعبر بإخلاص ودقة عن حقيقة كونية لا يمكن إغفالها، ونحن نعتبر من أخبار الغابرين، ونستشرف زمنا نرجو فيه النصر لأمة وعدت بالتمكين إن أوفت بشروطه.

دلالات الزمن المعبر عنها بعجلة بجانبها أرقام، أو قل هي تعبير عن دلالات المكان كذلك، إن اعتبرنا العجلة كرة أرضية بخطوطها، مما يعطي رمزية الكونية، ويفسح آفاق المعرفة بسنن الله أمام القارئ والباحث حيثما كان ومتى كان.

تنساب صفحاته الثلاثمائة والأربعة والثلاثون بسلاسة النهر الترار، موجهة العقول والأبصار، إلى سبل الاستفادة من الماضي وفهم الواقع واستشراف المستقبل.

صدر الكتاب في طبعته الأولى لما يقارب العشر سنوات، وقد كان كتب قبلها لعشرين سنة خلت، في العشرية الأولى من الألفية الخامسة عشرة بتاريخنا المجيد.

عن مطبوعات الهلال بوجدة سنة 2005 صدرت طبعته الأولى، والثانية في ذات السنة عن مطبعة الخليج العربي بتطوان، في مقدمة وخاتمة تتخللهما أربعة فصول:

1- القاسية قلوبهم: ركز من خلاله الإمام رحمه الله، على غثائية الأمة وانفراط عقدها، وافتراق القرآن والسلطان، وظهور الجور وانتشار الوهن والخلاف والشنآن، ووجه إلى أن الوقوف انتظارا لموعود الله تبلد ومخالفة للسنن ما لم ندُر مع القرآن حيث دار، ونجتهد في فهم التاريخ ونقده، مع تجنب الحماسة الساذجة المتفاخرة بالأمجاد، والتدرج في تغيير واقع الفتنة.

2- روح الجاهلية: اليهود غدة مرضية في جسم الأمة، سوء أدب مع الله تعالى وكذب عليه وتحقير لخلقه، وهم اليوم يستمرون في وظيفتهم الإفسادية بتخطيط، وشهادة الله فيهم ماضية إلى قيام الساعة، فهم روح جاهلية عصرنا. أما حلم صهيون ومجد “مملكة الإله”، فهدف متجذر في معتقداتهم، وسنة الله الماضية نقلتهم من شتات الجيتوهات إلى مركز الفاعلية والتأثير.

3- الصحوة الإسلامية: تذكير بوجوب العناية بالمصير الأخروي، وضرب للمثال بأفغانستان، وكيف هيأ الصدق في الله لدحر أكبر الإمبراطوريات العالمية، قبل أن تعيقه العقبات، وفي ذلك تصديق للسنن الإلهية التي لا تحابي أحدا. مع توجيه الإمام رحمه الله، إلى بعض ملامح التميز في أفق الإسلام، وإن بدا كالحا لغير المعتبرين بالسنن، وعلى الرغم من الصراع عليه من قوى الشر العالمية.

4- من الشكوى العاجزة إلى الوعود الناجزة: حيث ركز الإمام المجدد رحمه الله تعالى، على لب الأمر وجماعه: التربية. ودعا إلى التحلي بالأخلاق، وتمثل المروءات ومواقف الرجولة، إذ ليس كل من “التحى وتزيى وتمثل، رجل دعوة، وحتى تسمى من وضعت الخرقة حول وجهها مؤمنة محتجبة لمجرد المظهر الآفاقي، والمخبر الأنفسي يعلمه الله” 1 ، كما أكد على وحدة الصف الإسلامي، والمحافظة على الرحم الإيماني، والعناية بالشباب ذخر الأمة وعامل عزها، وإحياء شعلة العلم في القلوب، في أفق بناء الخلافة الثانية.

ظروف الإصدار وسياق التأليف ودلالة التسمية

على الرغم من الزمن الشاسع الفاصل بين كتابته وإخراجه، فإن معالمه لم تكد تتغير، مؤكدة سنة الله الثابتة الباقية، وإن ظهر متغير أفغانستان التي “كانت وعدا فصارت كمدا” 2 فليؤكد أسباب انحطاط المسلمين وفتنهم وتناحرهم، وفي ذلك ملمح عن شروط النصر والهزيمة، ودليل على أن سنة الله لا تجامل أحدا.

كما أن الكتاب صدر وفي العالم هيجان وتشرذم وفرقة واستكبار مخل من اليهود، ومن سار في ركبهم، على المستضعفين في الأرض، وتجبر وتعنت تصديقا لهرطقات مزعومة، وتنبؤات موهومة من كتب ملغومة، كتبوها بأيديهم ما أنزل الله بها من سلطان.

كما كُتب وتباشير نصر في الآفاق للأمة تلوح، عند من صدق الله فصدقه الله، رغم الإمكانيات، في جهاد الأفغان، وانتفاضة لبنان، وثورة إيران، قبل أن تتولى إلى كمد في الأمة، نتيجة الصراع والخيانة والخذلان. سنة الله.

سنة الله، فما سنة الله؟ عند المفسرين، عادة الله في خلقه، وقانونه وناموسه الحي الذي لا يتبدل ولا يتحول.

سنة الله وردت ثلاث عشرة مرة في القرآن الكريم، تأكيدا على مراعاتها واستحضارها والعمل وفق شروطها وكلها “تديل المؤمنين من الكافرين والمنافقين” . 3

الكتاب، وهذه تسميته، لاشك يستحضر السنن الإلهية ولا يروم مجرد الاعتبار، بل وكأنه يرصد خطة عملية بشروطها وتجلياتها وعراقيلها الممكنة، في سبيل نصر الأمة الموصول بإرادة وجه الله، وابتغاء الزلفى لديه.

خصوصيته وسط كتب الإمام رحمه الله

لئن كانت كتب الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، تنطق صدقا وعدلا بما آمن به وعاش من أجله في شمولية كبيرة، ونظرة فاحصة، وبمزج سلس للمطلب العدلي بالغاية الإحسانية، والقراءة المدققة للتاريخ، المعتبرة من أفراحه وأتراحه، والتأصيل الدقيق للمفاهيم، والرفق في الطرح، والتدرج في عرض المقدمات والنتائج، فلعل ما يميز هذا الإصدار، التقصي الدقيق للسنن الإلهية في الخلق والكون، وفي أحوال الماضي والحاضر والمستقبل الموعود، مع تمحيص نظر في الفاعلين المؤثرين في سيرورة الأحداث سلبا وإيجابا، والربط العلمي المتين بالسنن الإلهية التي لا تتخلف، وإعادة الاعتبار للغيب، وترقب المستقبل بفراسة من يرى بنور الله، 4 واستقراء النصوص والتوجيه العلمي لسبل الخلاص بدءا من مساءلة الذات، إلى النظر في واقع الأمة ومتطلباته، والكشف المبرهن على واقع الكيد للدين، لا من منطلق مفهوم “التآمر” ولكن من منطق الاستقراء للسنن والاستدلال والبرهنة من أقوالهم وكتبهم.

لا تكفي القراءة، وإن كانت متأنية، لسبر أغواره، بل يحتاج إلى عقد أشكال تواصلية ومؤتمرات في موضوعه، تشترك فيه جهود المهتمين لمناقشة قضاياه المتعددة والشائكة والمؤثرة في سير الفرد إلى ربه إحسانا، وسير الجماعة عدلا واستخلافا. وهو بعدُ، قراءة يمكن أن يغرف منها الناس على اختلاف معتقداتهم ومنطلقاتهم لعلهم يفقهون.

قضاياه الكبرى

عرض الكتاب لمجموعة من القضايا الملحة والمؤثرة في سيرورة التاريخ نذكر منها إجمالا:

– قضية الإنسان الكبرى وضرورة صدقة في طلب وجه الله، وتخليص النية له في كل عمل.

– قضية الأمة وحقها في إقامة العدل وإحقاق النهضة والوحدة، إعدادا لغد الإسلام.

– قضايا التنمية التي لا ينبغي أن تكون بعيدا عن روح الإسلام وعمق الإيمان.

– قضية هوان المسلمين وتعدد أعدائهم وواجهات النيل منهم وهوانهم على أنفسهم نتيجة غثائيتهم وإصابتهم بداء الأمم.

– قضايا الحكم من انفراط لعقد الشورى وابتلاء الأمة بحكم الأغيلمة العاض والجبري.

– قضية المرأة وحقها في معرفة الله والتحرر من ظلم القرون لتمارس بحق وظيفتها الفطرية والكونية.

– قضايا الشباب والأسرة.

– قضايا الغيب التي تُنكّر لها وأُسدل عليها ستار التخفي والنكران والإهمال لعهود.

“سنة الله” وملامح من تشخيص الواقع

في الكتاب تشخيص دقيق للواقع لمن أراد أن يعتبر، ومن ملامحه:

– الأمة الإسلامية لقمة مستساغة في أفواه اللئام نتيجة غثائيتها النكراء، تغط في سبات الغفلة ولا تضرب على يد الظالمين المتسلطين على رقاب أبنائها، العاتين فسادا في خيرات البلاد والعباد، ممولين أحيانا لمشاريع أعدائهم. وحكم جبري متسلط، وانتقاض لعرى الإسلام: “كيف لا تأكلنا، ونحن الغثاء الزَّبَدُ تتلاعب به الرياح والأمواج، سوائم الجاهلية؟ أم كيف تعف الأمم عنا ونحن المأدبة والأكَلَة محلقون حول القصعة نَهِمُونَ؟”. 5

 

– انهيار أخلاقي في البلاد المسلمة وفساد إداري وإنتاجية محتشمة، دكتاتورية في الحكم، وبيروقراطية ثقيلة، ويأس شعبي غامر، وانكباب على تدبير المعاش في غفلة عن الله والدار الآخرة.

– اختلاف العاملين للإسلام في الاجتهاد، وتقاتل وتدابر وتخاذل في الميدان، مما يزيد الأمة تفرقا وتحزبا لغير الله وانشقاقا.

– دول ومنظمات مصوّبة أنيابَها ضد الإسلام، رضعت لبان الكره له عهودا، حقد صليبي قديم، يهودية متصهينة ونصرانية مهوّدة، ونوايا توسعية، صهيونية تلمودية، وحلم بوطن إسرائيل الكبير، من الفرات إلى النيل.

– طبيعة مستعصية بما قدمت أيدينا “نَجرّ أذيال الهزيمة في قافلة إنتاج الغذاء وفي قافلة التصنيع، والتنمية، والتنظيم، والحكم، والتسلح، بينما غيرنا ممن لا يسبح الله يركب متن الطبيعة، ويتحكم فيها، ويستعلي في الأرض بغير الحق. سُخرت للآدميين من غيرنا هذه الأكوان لما جلسوا إليها، واستمعوا، وتحسسوا، وتصرفوا بمنهجية التجربة العلمية التي كانت يوما ما زهرة نبتت في حقلنا. أخذوا فسيلتها وغرسوها في أرضهم، وفي عقولهم، وألهتنا نحن عنها حروب البأس الشديد بيننا، وهي حروب بدأت مبكرا ولا تزال قائمة، وألهانا عن تجارتها الرابحة تمزق العقل المسلم وعجزه عن النظرة القرآنية الجامعة، كل ينظر إلى الأنفس والآفاق من زاويته الضيقة الجزئية” . 6

– سيادة القيم الإنسانية الاستهلاكية على حساب قيم الأخوة والتراحم، وانتشار الإفساد الصناعي للبيئة، وشيوع الجوع والفقر والتهديد النووي، وتحكم الجاهلية.

بالمقابل:

– خير في الأمة موصول وبواعث انبعاث قوية.

– يقظة إسلامية في أرض الله الواسعة، في التراب المسَفيت وبلاد ما وراء النهر والأندلس وإفريقيا وغيرها.

– نصر هنا وهناك دليل على نزول مدد الله الموعود متى توفرت شروطه.

– قواعد للدين مبثوثة في الأرض من المسلمين، وأفواج جديدة تدخل في دين الله تباعا.

– شباب متدفق بالحيوية، مقبل على الدين، ومؤمن بقضايا الأمة.

– منهاج شرعي ثابت يحتاج أن يترجم عملا على أرض الواقع، وتشخيص قرآني ونبوي لأحوال الأمة وأدوائها وسبل علاجها وسيرورتها التاريخية يحتاج إلى التفعيل والاعتبار.

– نسب إسلامي لم ينقطع رغم الدخن، وداء الأمم، والزيغ والفتن، ولا تزال في الأمة طائفة ظاهرة على الخير.

“سنة الله” والحلول المقترحة

لم يقف الإصدار عند التشخيص الموضوعي لأدواء الأمة وأسوائها، بل عمل على البحث عن سبل العافية من صيدلية منهاجية نبوية، ومنها:

– العناية بالمطلب القلبي، واستعادة الخصال الإحسانية، والكينونة في مستوى العبودية لله تعالى مع الدعاء والتضرع، لأن الأمة يضيرها ما يترسب فيها من أمراض القلوب، أكثر مما يضيرها مكر أعدائها: “إن مهمتنا الأولى أيها الأحباب، اليوم وغدا وبعد غد، أن نكون روحا سارية في المجتمع موصولة بأجيال بعدنا إلى يوم القيامة تتحسن نوعية إيمانها وترتفع همتها الإحسانية جيلا بعد جيل، وتنتشر، وتعم. ولنأخذ في اعتبارنا أن أهل الخبرة والقدرة والرصيد العالي من التجربة والمعرفة هم غالبية الناس من المسلمين ممن لا يزالون في مرحلة تريث لا يتفتحون للإسـلام تفتح هذا الشباب. وإن فيهم الخير الكبير، فهم من أمة سيدنا ومولانا محمد رحمة العالمين صلى الله عليه وسلم، لا ينتظرون إلا ظهور الحق لينضموا إلى صف سبق إليه الشرخ المبارك” . 7

– نهوض المرشحين للجندية لمعالجة الرزايا النفسية القلبية الموروثة من البيئة المحيطة، بالتربية ثم التربية ثم التربية، دون أن تلهيهم القضايا الفرعية عن القضايا الكبرى، مع الدخول العملي في عملية التغيير والبناء إبراما للعرى المنقوضة، وإحلالا للشورى المفقودة، وإحياء للمروءات في السوق والمصنع وكل المجتمع.

– التركيز مع العامل الإيماني على العمل الميداني، لتحقيق التمكين والتعرض لـ”وعد الآخرة”.

– الاستفادة من علوم السابقين وترويض حصان الحضارة للسير به نحو وجهة قاصدة تحقق الاستخلاف الموصول بالله والدار الآخرة، لأن التنمية وحدها بعيدة عن الإسلام توغل في الجاهلية، فلا بد من “جهاد إعادة البناء كله، وتوحيد دار الإسلام كلها، والجواب عن التحدي في شموليته وامتداداته النفسية والفكرية والعلمية والعملية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟” . 8

– محاربة الغثائية، لأن الغثاء لا يقوى على جميع المهمات ما دام غثاء، مع التشبث بجليل الأخلاق وكريم المروءات: “كمالات العلم، وحيوية العمل، وصدق الإرادة، والصبر على الشدائد في نصر الله. كل هذه أخلاق عليها يعطينا الله النصر، وعلى الأخلاق الغثائية من وَهن وخوف لا يتنـزل علينا القدر إلا بما نكره” . 9

– الدوران بتدرج في عالم الأسباب، والرفق في معاملة الناس، إذ من إنكار سنن الله في الكون والتاريخ، الحكم بجاهلية المجتمع.

– التحزب لله والغضب له، لا من منطلق النخوة البشرية ولا حمية القومية، ووصل النسب الإسلامي والمحافظة على رحمه بدعم جهود العاملين لنصرته، ووضع الأعمال في ميزان العفو والأخوة والعدل لتجنب الفتنة، وتجنب التبديع والتكفير، ومعالجة الجراح تأسيسا لغد الخلافة الثانية.

– تجاوز عقلية “التآمر” لتعليق الخطايا والرزايا على مشاجب الغير في إنكار متبلد للسنن، وتفسير التاريخ والتعامل معه وفق سنن الله لا بالعقلية الانهزامية المبررة، واليقين فيما أخبر به رب العزة سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم. إن الذي أخرج يهود الجيتو من عفنهم ومهانتهم وجحور ذلهم، إلى مجال السياسة العالمية والمال والنفوذ، لـ”قادر على نصرة أمة الإسلام المستضعفة في الأرض 10 ، “قادر سبحانه أن يخرج الأمة الموعودة بالعُقبى من ورطتها” .

– القراءة الواثقة المعتبرة من كتاب الله تعالى للاستفادة من أحوال الغابرين وللاهتداء إلى “المسار الذي يجب أن نتبعه أفرادا للفوز بالنجاة في الآخرة، وأمة لنفوز بالاستخلاف الموعود، وإقامة دين الله في الأرض على منهاج النبوة، تلك الخلافة الثانية التي يراها غيرنا بعيدة، ويراها من يقرأ سنة الله ويثق بوعد الله وبشارة رسول الله قريبة” . 11

– العناية بفئة الشباب وإحياء التربية الإيمانية فيها، والعلم بالله، والحكمة العالية، والهمة الجهادية “حتى تكون رَسول الأجيال النيرة من سلفنا الصالح إلى أجيال القومة والوحدة والخلافة على منهاج النبوة”. 12

– التحرر من طوق التقليد والتبعية، والدوابية الإعلامية، والاحتواء الثقافي، باستعادة عافية الفطرة الإيمانية والإعلان عن بدء مسيرة التحرر.الاجتهاد في فقه التاريخ وتجاوز الحماسة الساذجة وعقلية التفاخر بالأمجاد “والمطلوب إرجاع الوضع إلى نصابه الإسلامي، وإخضاع الواقع الثقيل لعمليات التغيير اللازمة حتى تَدور حياة المجتمع حول القرآن” . 13

كشف عن مواطن سنن الله في “سنة الله”

من السنن الثابتة التي لا يطالها تغيير ولا يحيطها تبديل:

– أن الله ينصر الفئة الصادقة على قلتها وضعف عدتها ووعده حق لا يتخلف.

– أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ليس في إطار الجدل الفلسفي العقيم ولكن بطريقة عملية بعيدا عن “الثقافة المعلبة”.

– أن البلاء قد يقع على المستضعفين في الأرض، وعلى المسلمين خاصة، بدرجات عظيمة “من جراء المجاعات والنقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين، ويسمي لسان العصر هذا “تخلفا” لأن العصر ينظر بمنظار التحليل الغربي المادي الماهر في إدراك الأسباب وتسلسلها وقيامها وقعودها، الغافل عن مسبب الأسباب جلت عظمته” . 14

– اليقين بأن آخر هذه الأمة خير كثير، وأن التآمر طبع في المستكبرين وإن كان لا يفسر ما بنا من ويلات.

– أن اتخاذ الأسباب مطلب، وانتظار الوعد بلا استعجال لأن “سنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن تجري الأقدار وفق سببية يبلغ فيها العباد غاية الجهد وينتظرون تنزل أمر الله” . 15

– أن بالتحزب لله تتنزل رحماته وفق شروطه ومواصفاته.أن سنة الله لا تجامل الغافلين بل “تطحن رحى سنة الله من عرض عن الله وعطل أوامر الله وطغى في أرض الله” . 16

– أن من سنة الله تمحيص الصادق من الكاذب وتحديد المسؤوليات، مصداقا لقول الحق سبحانه في سورة آل عمران: وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ .

– أن “سنة الله الخاصة بهذه الأمة أن يجعل لها سببية غيبية لا تحسبها الحاسوبات. الإيمان عدة، والصلاة عدة والصبر عدة” . 17

“سنة الله” وموقع المرأة

من شأن استدعاء منهاج النبوة في مراجعة التاريخ، والاعتبار من أحداثه، وقراءتها من منار الشرع، عدم الغفلة عن محورية دور المرأة في ميادين الفاعلية والحضور.

وإذا كان الخطاب على طول صفحات الكتاب موجها للرجل والمرأة على حد سواء باعتبار اشتراكهما معا في مهام التكليف والأحكام والمسؤولية والولاية العامة بينهما، إلا أن هذا لم يمنع الإمام المجدد رحمه الله، من تخصيصها بهمسات مركزة في الفصل الرابع من هذا التأليف.

إنها المسؤولة عن سلامة الفطرة واستقرار الأسرة، تحميها بما أوتيت من رفق وصبر ومداراة، من الفتنة وعوامل الاضمحلال “يجب أن تكون الدعوة وآل الدعوة منصرفين انصرافا تاما لتقويم الفطرة. فمكان المرأة المؤمنة أما وبنتا وأختا، هو مكان الصدارة. صلاحها في نفسها وتأثيرها في الوسط الجماعي ابتداء من بيتها هو صلاح الأمة. المرأة الصالحة هي عماد الأمة، ليس في هذا أية مبالغة لأنها حافظة الغيب، حافظة الفطرة والأسرة التي يتآمر عليها إبليس وحزبه جميعا، فهي وحدها كفاء لهم وهي متعهدة الأنفس” . 18

كما طالب رحمه الله، من جملة مطالباته الملحة، برفع الظلم عنها المتراكم عبر قرون العض والجبر، وتحريرها من قيود الفهم القاصر الماجن الذي جعل منها لعهود قينة لتزيين الواجهات أو أداة للترويج والترويح.

أما بعد،

فإن كتاب “سنة الله” لمساءلة لواقع كثرت فيه النتوءات وقلت الأسباب، وعميت البصائر عن موافقة مواقع سنن الله الثابتة، وهو تقص فريد للسنن الإلهية وتذكير صريح مليح بضرورة مراعاتها، لأنها اعتبار بالماضي وفهم للحاضر وتخطيط واع ومبصر للمستقبل، وقبول بالشرط الإلهي في نهوض الأمم وسقوطها “واحترام قوانينه في التاريخ والتعرض لذلك لوعده بالنصر. قبول إيماني واحترام عملي هما ضمان النجاح” . 19

“سنة الله” تأكيد لثبات الفطرة البشرية، وللحاجات الإنسانية والدوافع الاجتماعية والتكتلات الاستكبارية، مهما اختلفت الصور، وتباينت الوسائل، وتعاقبت العصور. وإن القبول بسنة الله اندراج في سلك الرسل عليهم السلام وسير على منوالهم، وترق في مدارج الإحسان، وطلب للكمال، بعد وضع القدم راسخة على بساط التصديق الواثق بقدر الله مالك الملك ذي الجلال والإكرام، وليس ذاك المطلب النفيس بالمتحقق في الخلوات، إنما بالعناية بأحوال النفس وانعتاقها مع استحضار سير الأمة الجماعي.

كلما تحققت شروط سنة الله في الأمة، تحقق لها النصر الذي وُعدته، وتم لها التمكين، وتجاوزت الفتن المظلمة الكالحة التي كان لإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عنها أثر بالغ في تقويم سلوك أجيال خير القرون، لكن بين انعزال بعضهم وسكوت بعضهم الآخر، مواقع قدر الله الذي أراد جل وعلا أن يحقق النصر للأمة بعد أن تتعلم كيف تفهم السنن، وتتفاعل معها، وتحقق مقاصد الشرع.

ختاما، قصد هذا الكتاب النفيس، أن يعلمنا التفاعل مع التاريخ، لا بعقلية الغثاء، ولا بقعود القانعين المتغنين بالأمجاد، بل بيقين الأيادي الفاعلة والعقول المدبرة والقلوب المؤمنة المتشوفة التي تحسن قراءة التاريخ بثوراته وقوماته، بانتصاراته وانهزاماته، بانتقاض عرى الدين فيه، بخلافاته الداخلية وحروبه الطاحنة، بخيانة الأعداء وغدر الأبناء… وبيقين المصدق الواثق بنصر الله الموعود، ذلك التاريخ الذي “ليس مباراة بين الأمم مفتوحة على المجهول، بل هو سنة الله الجارية على ميعاد، وهو الساعة، والنفخ في الصور، وموت الخلائق، ثم البعث والنشور، والموقف، والحساب، والجزاء، والعقاب، والجنة، والنار”. 20

والحمد لله رب العالمين.

 

 


[1] سنة الله، “المؤامرة على الإسلام”، ص249
[2] نفسه، ص3.
[3] نفسه، ص235.
[4] الكثير من الأحداث كانت عند كتابته ترقبا، فتحولت الآن إلى واقع مثل الانقسام اللاذع الدموي للطوائف الأفغانية، والتطور الهائل للاقتصاد الصيني، والتنينات الأربعة، كوريا الجنوبية وهونغ كونغ وتايوان وسنغافورة، الذي غير ميزان القوى عالميا… تراجع الصفحات 208/253/318 على سبيل المثال.
[5] سنة الله، المؤامرة على الإسلام، ص236، موسوعة سراج.
[6] نفسه، شباب الصحوة، إلى الرجولة، ص 262.
[7] نفسه، ص 265.
[8] نفسه، تحديات الجاهلية، ص170.
[9] نفسه، استطلاع، ص76.
[10] ” نفسه، “وبالحق أنزلناه” ص 141.
[11] نفسه، “المؤامرة على الإسلام”، ص 238.
[12] نفسه، شباب الصحوة، إلى الرجولة، ص260.
[13] نفسه، رحا الإسلام، ص21.
[14] نفسه، “المؤامرة على الإسلام”، ص241.
[15] نفسه، القومة، 298/299.
[16] نفسه، الخلافة الثانية، ص312.
[17] نفسه، ناموس الأسباب، ص277.
[18] نفسه، ص 275.
[19] نفسه، “ولن تجد لسنة الله تبديلا” ص8.
[20] نفسه، بين يدي الساعة، ص 315.