توجهت إلى إحدى المكتبات ذات يوم، باحثة عن كتب خاصة بالمرأة، فتفضل الكتبي بتقديم مجموعة من الكتب.
أثار انتباهي من بين تلك العناوين عنوان هذا الكتاب، وبعد تصفح الفهرس أعجبت بطريقة البحث إذ -حسب علمي – لم يسبق لأحد أن أصدر كتابا في الموضوع خاصة من منظور فقهي “دراسة نقدية حديثية”، لذلك قررت أن أتقاسم معكم مضمون الكتاب عبر نشر ملخصه لتعم الفائدة لكل المهتمين.
الكاتبة:
الدكتورة ثرية أقصري، فاعلة جمعوية وأستاذة باحثة متخصصة في قضايا المرأة، حاصلة على الدكتوراه في الشريعة / كلية الشريعة فاس.
الشكل:
كتاب متوسط الحجم، صدر سنة 2017 عن مطبعة أفريقيا الشرق، يتكون من 220 صفحة.
العنوان:
الإمامة: من فعل أمّ، جاء في القاموس المحيط: “أمّهم وأمّ بهم، أي تقدمهم، وهي الإمامة، والإمام: كل ما ائتم به من رئيس أو غيره”.
السياسية: أضيفت للإمامة لتمييزها عن كل إمامة، كإمامة الصلاة. المقصود منها المشاركة السياسية وممارسة السلطة السياسية بما فيها الولاية العامة.
للمرأة: أكيد نتحدث عن المرأة لأن الحديث المعني بالدراسة يتحدث عنها بالطبع؛ “لن يُفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.
تصميم الكتاب:
يتضمن الكتاب بابين، بالإضافة إلى مقدمة، وفصل تمهيدي، ثم خاتمة.
* المقدمة: طَرحت فيه الباحثة الإشكالية.
* الفصل التمهيدي: تطرقت لأهمية الجرح والتعديل.
* الباب الأول: دراسة السند، ويتضمن ثلاثة فصول.
– الفصل الأول: روايات الحديث (25 رواية).
– الفصل الثاني: ترجمة أبي بكرة وقصته مع المغيرة بن شعبة، رواية أبي بكرة وموقفه من حرب الجمل.
– الفصل الثالث: تراجم رواة الحديث ومخرجيه (أطول الفصول).
* الباب الثاني: دراسة المتن: يتضمن أربعة فصول.
– الفصل الأول: معارضة الحديث للقرآن الكريم.
– الفصل الثاني: معارضة الحديث للأحاديث الواردة في حكام فارس.
– الفصل الثالث: دراسة تاريخية عن الملكة بوران.
– الفصل الرابع: ملابسات ورود الحديث.
خاتمة: لَخصت فيها الدراسة، لكنها غير موجودة في النسخة التي بين يدي.
المضمون:
الكتاب هو دراسة لحديث ”لن يُفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”، الذي يعتمد عليه في تنحية المرأة عن المشاركة السياسية وولوج مراكز القرار، دراسة من حيث السَند والمَتْن، وتحليل ونقد لموضوع الإمامة السياسية للمرأة، وقد اعتمدت الكاتبة في هذه الدراسة المنهج التحليلي والمنهج المُقارن.
استهلت الدكتورة الكتاب بمقدمة طرحت فيها الإشكال الموجود بين تكريم القرآن والإسلام للمرأة ومنحها حقوقها السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، وبين مجموعة من الأحاديث، ومنها هذا الحديث الذي أثر سلبا على مكانة المرأة وعزلها عن المشاركة السياسية.
كما أوردت فصلا تمهيديا عن أهمية الجرح والتعديل، حيث أن علماء الجرح والتعديل تصدوا لحفظ حديث رسول الله ﷺ بتبين أحوال الرواة، وهو ما اعتمدته الكاتبة في تراجم رواة ومخرجي الحديث.
الباب الأول: دراسة لمتن الحديث.
في الفصل الأول من هذا الباب، سردت الكاتبة الروايات الخمسة والعشرين للحديث بالسند كاملا، وذكرت الأماكن وتاريخ وفاة مؤلفيها. وقد ورد الحديث بألفاظ مختلفة في كُتب الحديث.
وقد خلصت إلى أنْ لا أحد صرّح بالسماع أو التحديث أو الإخبار أو الإنباء، فكلهم عنعنوه عن أبي بكرة بما فيهم ابنه عبد العزيز، وأن لا أحد وقّع الإجماع على توثيقه ممن رواه عن أبي بكرة.
بالإضافة إلى رواية واحدة لم يذكر فيها أبا بكرة عنعنه سواك بن حرب عن الصحابي جابر بن سمرة، وهي رواية غير معروفة عند أبي بكر البزار الذي قال: لا نعلم أحدا رواه إلا أبا بكرة من هذا الوجه، فهذه الرواية كانت مجهولة عند المحدثين، بالإضافة إلى أن جل رواة هذه الرواية مجرحين.
كما أن معظم الروايات ذُكر فيها لفظ “عصمني الله بشيء سمعته”، أو لفظ “نفعني الله بكلمة سمعتها” وهذا يدل على أن سبب امتناع أبي بكرة عن المشاركة في حرب الجمل هو هذا الحديث الذي سمعه عن رسول الله ﷺ.
أغلب الروايات تدل على أن أبا بكرة سمع هذا الحديث عن رسول الله ﷺ حين بلغه أن الفُرس ملّكوا ابنة كسرى عليهم، وأنّ أبا بكرة قد قال هذا الحديث بعد هزيمة سيدتنا عائشة رضي الله عنها ومن معها في معركة الجمل، ولم يذكره قبل حرب الجمل.
في الفصل الثاني، تحدثت الكاتبة عن ترجمة أبي بكرة وقصته وروايته وموقفه من حرب الجمل.
ترجمة أبي بكرة: اسمه نفيع بن الحارث، وقيل نفيع بن مسروح، تدلى في حصار الطائف ببكرة، وفَرّ إلى النبي ﷺ وأسلم على يده وأعلمه أنه عبده فأعتقه، وقال عنه الحسن البصري: كان أفضل من نزل بالبصرة، (أسلم سنة 8 للهجرة).
كما أن قصة جلده مشهورة، ففي عهد خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، شهد أبو بكرة وإخوته من الأم شبل بن معبد ونافع بن الحارث على سيدنا المغيرة بن شعبة بالزنا الذي أنكر هذه التهمة عنه، فجلدهم سيدنا عمر لقذفهم إياه بالزنا – حدّ القذف ‑ ونصاب الأربعة غير مكتمل، لأن أخاهم زياد بن أبي سفيان لم يشهد معهم بالزنا، ثم استتابهم فأبى أبو بكرة أن يتوب، وتاب الآخران، فكان إذا جاءه من يشهده يقول: “قد فسقوني”. فلم تقبل شهادته.
وكان سيدنا عمر يقبل شهادة أخويه امتثالا للآية الكريمة في سورة النور: “ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم”.
وقد ذكر ابن قدامة: “يروى عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول لأبي بكرة حين شهد على المغيرة بن شعبة: تُبْ أقبل شهادتك، ولم ينكر ذلك منكر فكان إجماعا.
هنا تتساءل الباحثة، هل يَحق لأبي بكرة وإخوته إطالة النظر والاطلاع على بيت المغيرة حتى يشهدوا بتلك الدقة؟ وهل يحق له أن لا يكلم أخاه (قاطعه حتى مات)؟ وهل يجوز بعدما فسقه سيدنا عمر ورد شهادته في أمور تتعلق بأفراد، قبول روايته للحديث وهي شهادة عن رسول الله ﷺ، وأمر يتعلق بالأمة بأسرها. كما أن من شروط قبول الحديث أن يكون الراوي غير فاسق، أي عدلا.
أسرد هنا قولتها: ربما فات الذين أتوا بعد سيدنا عمر ردها، بالتالي لا يعني أنها جائزة.
وفي هذا الإطار أجاب الإسماعيلي أن هناك فرقا بين الشهادة والرواية، فالشهادة يتطلب فيها مزيدا من التثبت ما لا يُطلب في الرواية كالعدد والحرية..
وقال سلف الأمة والجمهور أن الصحابة كلهم عُدول ثقاة لا مجال للبحث في عدالتهم ولا تتطلب تزكيتهم إذ تزكيتهم من الله سبحانه و تعالى، كما زكاهم رسول الله ﷺ.
وقد عقبت الدكتورة على هذا الأمر، أن سيدنا المغيرة المتهم بالزنا وهو أمير للبصرة قد شهد بيعة الرضوان، وأن سيدنا أبا بكرة لم يكن لا من المهاجرين ولا من الأنصار.
أما سيدنا أبو حنيفة فلا يحب الأخذ بشهادة أبي بكرة سواء تاب أم لم يتب.
أما موقفه من حرب الجمل، فقد أوردت له مواقف عديدة مختلفة،كما ذكر له ابن حجر أربعة مواقف:
1- رفض المشاركة، لأنه سمع أن رسول الله يقول لن يفلح.. فتذكر هذا الحديث حين علم أن سيدتنا عائشة خرجت مطالبة بدم سيدنا عثمان رضي الله عنهما.
2- كان على رأي سيدتنا عائشة في طلب الإصلاح بين الناس، ولم يكن قصدهم القتال ولما انتشبت الحرب تفرس بأنهم يغلبون لما رأى الذين مع عائشة تحت أمرها، وهذا مناقض للحديث.
3- لا مع سيدنا علي ولا مع سيدتنا عائشة، بل لأن قتال المسلمين كفر.
4- عدم مشاركته مع أي فريق لأن الهدف من القتال كان هو الصراع على حطام الدنيا، كما قال لابن أخيه “لا تفعل إنهم يقتتلون على حطام الدنيا”.
وهذا يفيد أنه قد يكون نسب الحديث زورا لأبي بكرة، فواضع الحديث أراد الانتصار لغير أصحاب الجمل.
أما في الفصل الثالث وهو أطول الفصول، فقد تتبعت رواة الحديث ومخرجيه، وعرضت لكل رواية خلاصة على شكل جدول يتضمن اسم الراوي وأقوال العلماء فيه والنتيجة، وخلصت إلى أن جميع الروايات لها سند لا يحتج به لوجود على الأقل راو مجرح.
وفي الباب الثاني؛ درست الكاتبة متن الحديث، فوضحت في الفصل الأول منه أن الحديث يتعارض مع القرآن الكريم، وجردت بعض الأمثلة للآيات التي يتعارض معها:
1) في الآية 72 من سورة التوبة: المرأة كما الرجل لها واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وأكبر مركز يتيح هذا الأمر هو منصب الولاية العامة، والآية تمنحها سلطة سياسية مساوية للرجل. كما أدرجت رأي بعض الباحثين كالدكتور أحمد الخمليشي الذي قال من ولاية المرأة توليها الوظيفة العامة ومن يستدل بمنع المرأة يستدل بالإجماع وليس بنص.
2) سورة النمل تحدثت عن الملكة بلقيس، وهي ملكة عربية، حكمت قومها بشكل ديمقراطي مبني على الشورى، وقد أثنى الله تعالى على حسن تسييرها للشؤون العامة وممارستها السياسية بحكمة.
فلارتفاع مستوى وعيها السياسي وحكمتها وثقة قومها بها أسندوا الأمر إليها لاتخاذ القرار المناسب بعدما أرسل إليهم سيدنا سليمان عليه السلام رسالته، ولحنكتها اختارت حلا دبلوماسيا، إذ سافرت للتفاوض قبل اختيار الحل العسكري، ولمّا رأت ما عند سيدنا سليمان تأكدت أنه ملك غير عادي فأسلمت وهي الملكة.
قال الدكتور محمد عمارة رحمه الله: لقد تحدث القرآن الكريم عن ملكة سبأ وهي امرأة فأثنى عليها وعلى ولايتها الولاية العامة، لأنها كانت تحكم بالمؤسسة الشورية لا بالولاية الفردية.
وأضافت الدكتورة أن القرآن الكريم ذم فرعون مصر، وهو رجل، لأنه تفرّد بالولاية العامة وسلطة صنع القرار.
كما أوردت تعليق الأستاذة كفاح حداد حول هذه القصة.
3) الآيات العامة التي تحدثت عن المساواة بين الرجل والمرأة، حيث تحدثت عن حقوق النساء وشجبت الأعراف التي كانت سائدة، وقد أحصى الدكتور عبد السلام حادوش عدة دلائل في المساواة، واستخلص أنها المساواة الكاملة والعدل الإلهي.
كذلك أحصى الدكتور ادريس حمادي وقال: “فوارق محدودة قررها الشارع في ضوء وجلاء، لكن يظل الأصل هو المساواة”.
ثم أوردت بيعة النساء باعتبارها حرية في انتخاب الحاكم والقائد – حسب الباحثة كفاح حداد – رغم أن في البيعة قداسة، والبيعة لا تفك؛ كالانتخابات.
وقد وقفت الأستاذة كفاح عند بعض الحقوق التي تقرها بعض الآيات:
· آية البيعة منحت المرأة حق التصويت والانتخابات.
· آية الهجرة منحتها حق اللجوء السياسي.
· آية المباهلة منحتها حق المشاركة في المؤتمرات السياسية والهيئات والتنظيمات، وما يصطلح عليه الآن بمسيرات التأييد والرفض والاعتصامات.. وغيرها.
· آية المجادلة تجعل الحاكم الصالح مكلفا بالاستماع إلى شكاوي الرعية، وتمنح المرأة حق المشاركة في صنع القرار.
أما في الفصل الثاني فقد بحثت في معارضة الحديث للأحاديث الواردة في حكام فارس:
1- الأحاديث التي أشارت إلى هلاك كسرى:
فقد أخرج البخاري الحديث عن هلاك كسرى سبع مرات بلفظين، وأخرج مسلم الحديث بثلاثة ألفاظ، والترمذي والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان بلفظ واحد، وكل الروايات تدل على أن حكم كسرى وحكم قيصر سينتهي قريبا على أيدي المسلمين، كما يدل من ناحية أخرى أنه لن يوجد حاكم بعد كسرى وقيصر سواء كان رجلا أو امرأة، وتدل أن حكم الأكاسرة قد انتهى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
– ألفاظ تدل على أن كسرى قد مات، وهذا غير صحيح لأن الوقائع التاريخية أكدت استمرار حكم الأكاسرة حتى بعد وفاة الرسول ﷺ، لأن دولة فارس لم تفتح إلا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
– حديث: ملك كسرى سيمزق، وملك قيصر سيثبت. وربما هذا الحديث الأخير هو الصحيح.
– ولتجاوز هذا الإشكال أوردت تفسيرا للشافعي: لن يبقى كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام.
– ورجوعا إلى الوقائع التاريخية يتبين استمرار دولة الروم بعد وفاة الرسول ﷺ، مما يدل على أن هذا الحديث ضعيف لأن الرسول ﷺ لا يكذب.
2‑ الأحاديث التي ذكر فيها كسرى بن هرمز:
ذكر كسرى بن هرمز في الأحاديث التي تحدثت عن إسلام عُدي بن حاتم الذي أتى إلى الرسول ﷺ بالمدينة ليتعرف إلى الدين الجديد، وأخبره الرسول ﷺ أن المسلمين سيفتتحون كنوز كسرى بن هرمز وهو نفسه الذي كان يملكها حين افتتاحها، يعني أنه لن تتولى أية امرأة أو رجل الحكم بعده، وهنا يتبين أن الحديث موضوع.
3‑ الأحاديث التي تحدثت عن مراسلات الرسول ﷺ:
ومن مراسلات الرسول ﷺ يتبين أن الذي ملك كسرى وفارس رجل.
في الفصل الثالث قدمت الكاتبة دراسة تاريخية عن الملكة بوران في الكتب التاريخية التي ذكرت فيها وهي :
· تاريخ الطبري.
· البدء والتاريخ.
· المنتظم.
· الكامل.
· البداية والنهاية.
· تاريخ اليعقوبي.
التناقض وعدم المصداقية هو ما خلصت إليه الباحثة في هذه الكتب لعدم تحقق مؤرخيهم من الأحداث، ففي الكتاب الواحد نجد ذكر حكم الملكة في أزمنة مختلفة.
أما في الفصل الرابع فقد بحثت في ملابسات ورود الحديث:
تفترض الدكتورة، أنه لم تتولى أية امرأة الحكم في دولة فارس في عهد الرسول ﷺ، ولا في الفترة الموالية لعهده ﷺ إلى سقوط دولة فارس، نظرا لانعدام الدقة والمصداقية وتضارب الأنباء حولها.
والكتب التي لم تشر إلى الملكة بوران من قريب أو من بعيد أكثر دلالة على عدم وجودها، فما دامت هذه الكتب تحدثت عن حُكام فارس ولم تذكر من بينهم الملكة بوران فهذا يعني أن هذه الملكة غير موجودة على الإطلاق.
وبالتالي فالحديث مردود لاحتمال أن لا تكون أية امرأة تولت عرش فارس، وهنا تقول الأستاذة أقصبي: “يجب أن يحقق فيه المتخصصون في التاريخ”.
كما أن هذا الحديث ذكر في بعض الكتب ابتداء من زمن الإمام أبي داود الطيالسي ولم يُعثر عليه في الكتب السابقة لهذه الفترة كالمدونة الكبرى والموطأ ومسند الشافعي، ممّا قد يفيد أنه قد تم وضعه في الفترة المتزامنة مع الإمام أبي داود الطيالسي.
في اعتقاد الكاتبة، رغم أن سيدنا أبا بكرة مردود الشهادة فإن هذا الحديث لم يَقُله أثناء حرب الجمل ولا خلال حياته، وأنه بريء منه، وإنما قيل بعد ذلك من طرف غلاة الشيعة للتشفي في سيدتنا عائشة رضي الله عنها ومن ساندها، ولقي رواجا في فترة الصراع حول الحكم بين العباسيين والعلويين، حيث تم استغلاله من طرف العباسيين ضد الشيعة أنفسهم لإبطال حقهم في الخلافة استنادا لكونهم أحفاد سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها، مما أعطاهم القوة والمصداقية رغم أن علماء السنة ضعّفوا رواية الشيعة للحديث وهي: “يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة، قائدهم في الجنة”، لكن رواية السُنة لقيت قبولا ورواجا، وتعتقد أن رواية الشيعة تم إدخال بعض التعديلات عليها ليتماشى الحديث مع أغراض العباسيين الراغبين في تنحية العلويين عن الخلافة، فتم تحوير الحديث الموضوع..
واستشهدت بكلام للأستاذ أحمد أمين، لتبين مدى حدّة الصراع بين العباسيين والعلويين الذي وصل إلى سجالات شعرية.
وفي نظر الكاتبة هذا الحديث لم يذكر خلال حرب الجمل لأربعة أسباب هي:
· لم يذكر في الكتب السابقة لزمن الطيالسي.
· أبو بكرة لم يشارك في حرب الجمل على غرار مجموعة من الصحابة الذين يعتزلون القتال إذا اقتتل المسلمون فيما بينهم.
· لا عائشة ولا من معها كانوا يطالبون بتولي الخلافة بل بالقصاص.
· الحديث يقارن بين ملكة الفرس وبين سيدتنا عائشة وهي ليست ملكة.
أما الأسباب التي جعلت عامة الفقهاء يأخذون بهذا الحديث في رأيها هي:
· الوضع المزري الذي عاشته المرأة في الجاهلية.
· الفترة القصيرة التي عاشها المسلمون في المدينة في عهد الرسول ﷺ أدت إلى عدم استيعاب مكانة المرأة.
· دخول شعوب كثيرة في الإسلام بعادات وأعراف تُهمش المرأة.
· الانشغال بحروب الردة وبالقتال من أجل ترسيخ العقيدة الإسلامية، على ترسيخ مفاهيم العدالة الاجتماعية.
· قصور معظم النساء والرجال عن استيعاب نظرة الإسلام للمرأة.
وختمت بذكر الأساليب المتنوعة التي ذكرها القرآن الكريم من أجل تغيير النظرة الدونية للمرأة التي عددها الدكتور ادريس حمادي انطلاقا من سورة النساء.
وترى أن بعض العلماء لم تنفع معهم تلك الأساليب لأنهم هجروا القرآن الكريم، أما العلماء الذين لم يهجروا القرآن ففسروه انطلاقا من ثقافة عصرهم وذكرت مثالا لذلك، فالإمام الطبري الذي نقل عن قتادة أن بلقيس كان أحد أبويها جِنا، وكان مؤخر قدميها حافر الدابة، ينقلون من غير تمحيص مما ينتج عنه نسج أساطير بعد ذلك.
وكخلاصة، اجتهدت الباحثة ثرية اقصري، من خلال تخصصها وبذلت جهدا في جمع روايات الحديث وتبين أحوال رواة ومخرجي الحديث ودراسة كتب التاريخ، فالحديث مناط الدراسة جميع رواياته لها سند لا يحتج به، وأن أبا بكرة مردود الشهادة، كما أن له مواقف مختلفة من معركة الجمل، والحديث معارض للقرآن الكريم وللأحاديث التي أشارت إلى هلاك كسرى والتي ذكر فيها كسرى بن هرمز، أما بخصوص مراسلات الرسول ﷺ، فهي تدل على أن ملك فارس رجل وليس امرأة، ثم أن الملكة بوران لم تذكر في بعض كتب التاريخ وأن الكتب التي ذكرت فيها يشوبها التناقض، وقد ذكرت ابتداء من زمن الإمام أبي داود الطيالسي، هذه الفترة عرفت صراعا بين العباسيين والعلويين حول الحكم، مما يرجح فرضية الكاتبة بأن الحديث موضوع.
وعلى العموم فقد كانت الكاتبة موفقة في منهجية بحثها ونقدها للحديث، ولعل دعوتها للمتخصصين في التاريخ لمزيد من البحث كدليل على أن ما نحتاجه اليوم هو الاجتهاد الجماعي في قضايا المرأة، مع استحضار فقه التاريخ، وفقه الواقع، لأن ما تعرضت له المرأة من ظلم باسم الدين يرجع بالأساس لما طرأ على العقل المسلم بعد انتقاض عروة الحكم وتحوله من خلافة شورية إلى ملك، لتعود المرأة موؤودة في بيت زوجها أو أبيها، حتى أن أفضل النساء وأتقاهن عند البعض هي من تخرج خرجتين في حياتها. وقد فسرت آيات وأحاديث بعقلية ذكورية متأثرة بما عاشه المسلمون، كما أن عددا لا يستهان به من الأحاديث الضعيفة والموضوعة عن المرأة لا مجال لحصرها الآن ساهمت في دونية المرأة وتهميش دورها في المجتمع.