أولا: من حيث الشكل
1/ الغــلاف
كان الغلاف منسجما بشكل كبيــر مع مضــامين الكتاب وأهم الأفــكار التي أراد الكـــاتب التأكيد عليها وتوضيحها، خـــاصة والكتاب من الكتب الحوارية التواصليــــة التي الهدف منها مد جسور التواصل والتعارف مع الأخر المختلف، ومن ثم كـــان لا بد أن يكون شـــكل الكتـــاب وغــلافه محفزا مشجعا بل وباعثا على قــراءة الكتاب واكتشاف أهم مضـــامينه .
– اختير للغلاف اللون الأزرق الفـــاتح لون السمــــاء الصــافية المبتهجة في صبــاح بـــاكر ليوم من أيــام الصيف الزاهية، إنه صفـــاء الروح ووضــوح الفكر الذي ميز الأستاذ عبد السلام يـــاسين رحمه الله، إنه ابتهاج وفرح بالله دائم ومتواصـــل بسبب اليقين في نصــر الله وتمكيـــنه، اليقين في أن المستقبل سيكون أفضل.
– يتوسط الغلاف صورة للكرة الأرضــية وهي تســـبح في هــذا الكون الشـــاسع الرحب، واختير لها اللون الأبيض لون الفطرة، لون السلم والســـلام الدي سيعم العـــالم إن شـــاء الله، وفوق الكرة الأرضية قليـــلا يطل هلال شهر جديد يرجو العـــالم خيره وبركته، واختير للهلال اللون الأبيض وهو منســجم مع لون الكرة الأرضــية، وكأن السلم والسلام الذي سيعم الكرة الأرضية إن شـــاء الله سببه حركة إسلامية منبعثة وليـــدة مـــا الهلال إلا رمز لها، حركة إسلامية لم يشتد عودها بعد هي في حـــاجة إلى بذل الجـــهود، إلى العمل المضني والجهد الدؤوب، إلى الخبرة والكفـــاءة حتى تقدر على تغييـــر ما بالعـــالم من ظلم وفقر وجـــهل وعنف وغفلة وبــعد عن الله، يومئذ يفرح العـــالم بهذه الحركة الإسلامـــية المُحبة للإنسان، يومئذ يصيــر الهلال بدرا يعم نوره العـــالم إن شـــاء الله.
– فوق الهلال قليــلا وفي أعلى الغلاف نجد عنــوان الكتــاب بلون أصــفر ذهبــي يلمع بريقه من بعيــد: “الإسلام والحـداثة” إشـــارة إلى أن هده الحركة الإسلامية المنبعثة تستمد مشروعيتها وقيمتها من الإسلام بما هو وحي قـــرآن ونبــوة، ومن الحداثة بما هي مجهود بشري وتجديد لا بد منه لتنزيل هـــذا الوحي على واقع متغيــر متبــدل، اللون الأصفر اللامع هو نور كتـــاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وســـلام، نور الإسلام رســالة السلام والعدل والخير للبشرية جمعــــاء، هذا النور شمل الحداثة أيضا، أي أنه سيشمل قلب كل إنســان ليبعث فيه حب الله والاشتيــاق إلى لقــائه، سيشمل كل مجهود مبذول لخدمة دين الله ونصرة المستضعفين من عباده .
– في أسفل الغلاف من جهة اليميــن كتب اسم المؤلف “عبد الســلام ياسين” رحمه الله رحمة واسعة، الرجل الذي أفنى حيـــاته خدمة لدين الله ونصرة للمستضعفين من عبـــاده، هو الذي كــان نموذجا في التواصل والتعارف، كانت يده ممدودة للجميع، وبيته مفتوح في وجه جميــع الفضلاء والشرفــــاء، إيمانا رسخا منه أن التغيير لا بد فيه من مشـــاركة الجميع دون إقصـــاء لأحد، كتب اسمه في أسفل الغلاف تواضعا وافتقارا، وإشـــارة إلى أن مع سنة الأخذ بالأسبــاب وإتقانها لا بد من التوكل على الله وتفويض الأمر له فلا نــــاصر ولا هـــادي إلا هو سبحــــانه.
– في ظهر الغلاف كتبت فقرة مأخوذة من توطئة الكتاب (ص: 9) وأريد لها أن تعرف بالكتاب، تؤكد الفقرة على أن صيغة “تسليم الحداثة” مفهوم نسج خيوطه الأستاذ عبد الــــسلام يـــاسين رحمه الله في ثمـــانينيات القرن الماضي بهدف دفع الإنسان عموما والإنسان الغربي خصـــوصا إلى طرح الأسئلة المصيـــرية بل والإجــابة عنها. أســـئلة: من انـــا؟ ومن أكــــون؟ إلى أيــن أسيــر؟ مــاذا أصيــر بعد الموت؟ وأيضا للتأكيد على أن الحركة الإسلامية هي يد متوددة للإنســـان، مُحبة للإنســـان، حـــاملة رســـالة الإنصــاف والعدل للإنســــان.
2/ العنـوان
* من حيث اللغة:
من الناحية التركيبية: العنوان مركب عطفي، بين اسم معطوف (الحداثة) واسم معطوف عليه (الإسلام)، وإعرابيا فإن المعطوف يتبع المعطوف عليه في حركاته الإعرابية من رفع ونصب وجر، وقد تبعت “الحداثة” “الإسلام” في حركته الإعرابية: الرفع. فهل ينعكس هذا المعنى على دلالة العنوان؟
* من الناحية الدلالية: حرف العطف (الواو) يفيد وجود علاقة بين المعطوف والمعطوف عليه، فهل هي علاقة تقابل وتضاد أم علاقة تكامل وانسجام؟ فما هو الإسلام؟ وما هي الحداثة؟:
– الإسلام رسالة الله الخالدة للإنســان تخبره بــأن له خــالقا، وأنه خُلِق لدور ووظيــفة هي تحقيق العبودية الكاملة لله. أما الحداثة فهي اجتهاد ومجهود بشري نســـبي ونـــاقص، له إيجــابيات كما له سلبيات.
– الإسلام رســالة المعنى لعــالم ضــائع تــائه بين دروب حيــاة الدنيا .الإسلام تذكير الإنسان بشكل دائم وأبدي بالأسئلة المحرقة المصيرية: من أنـــا؟ ومــا أكــــون؟ وإلــى أيـــن أسيـــر؟ ومــاذا أصيــر إذا مت؟ أما الحداثة فهي انشغال دائم ومتواصل بكيفيــة تحقيق التقدم العلمي والتطور التكنولــــــوجي، بكيفية تحقيـــق الربــح وتــراكم الثروة حتى ولو كـــان ذالك على حســاب كرامة الإنسان.
– الإســلام رســالة ســلام لعالم عنيف. عـــالم لا يهمه إلا تحقيــق المصــالح والمنــافع حتى ولو كــان الثمن حيــاة الإنســان وقيمه. أمــا الحداثة. فهي قمة مــا وصلت إليــه البشرية من حيت القوانين والمؤسســـات التي من شــأنها أن تضـــمن السلم والســـلام داخل العــــالم، إلا أنهــا أيضا قمة مــا وصلت إليه البشرية من حيث نوعية الأســلحة والمعدات الأشد تدميرا لحيـــاة الإنسان.
– الإسلام رســالة الروح للإنســـان المريض بحداثته، المدمن على إشباع الغرائز والشهوات المعجب بما ينتجه من آلات وأدوات .المغرور بتقدمه المهووس بالاستهلاك والاستمتـــاع. الإنســان الذي تنــاسى أنه مجرد مخلوق ضعيــف نـــاقص عـــاجز في حــاجة إلى من يأخذ بيده إلى من يوجهه، في حـــاجة إلى رب يحميــه من شر نفســه، سبحــانه لا إلــه إلا هو.
– الإسلام لا تُسمع كلمــاته اليوم بسبب ظروف التخلف التي يعيشها المســـلمون. والحداثة رمز للاجتهاد والمجهود الذي لا بد منه من أجل النهوض بهـــذه الأمة والرقي بها إلى مصــاف الأمم المتقدمة، حتى تسمع كلمة لا إلـــه إلا الله محمد رســــول الله .
– الإسلام رمز لحركة إســلامية منبعثة في العـــالم لا تعتبر الغرب عدوا مطلقا ولكنها يد متوددة للإنســان مُحبة للإنســان حـــاملة رســـالة الإنصــاف والعدل للإنســان.
– الإسلام رمز لحركة إســـلامية هي أمل الأمة ومستقبلها هي أمل المستضعفين المظلوميــن في مشارق الأرض ومغاربها. والحداثة رمز للإمكـــانيات الكبيرة المتــاحة أمـــامها، إمكانيات التقدم العلمي والتطــور التكنولـــوجي، إمكـــانيات القوانيــن والمؤسســات والانتخــابات النزيهة والشفـــافة، لــــكن الحداثة هنا أيضا هي رمز للعقبــات التي تعترض الحركة الإسلامية. عقبات الخضوع والتبعية الاقتصادية والتفافية والسيــاسية لمراكز القرار العـالمي. عقبات الإقصاء الممنهج بحجة العلمانية واللائيكية.
3/ حجم الكتاب
الكتاب من الحجم المتوسط المشجع على القراءة، عدد صفحاته 353 صفحة، موزعة بين توطئة ومقدمة وثمانية فصول، وخاتمة. تحت كل فصل تنتظم مجموعة من العناوين هي بمثابة إشارات حول أهم الأفكار التي يعرضها الفصل. كما تم اختيار عناوين الفصول بعناية فائقة ودقة عالية، حتى تكون ملخِصة وجامعة لكل المعني والدلالات التي يتناوله الفصل بالشرح والتحليل.
4/ تاريخ إصدار الكتاب
صدر كتاب “الإسلام والحداثة” للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله باللغة الفرنسية في شهر يونيو عام 1998، وتمت ترجمته إلى اللغة العربية من طرف مجموعة من الأساتذة لتصدر النسخة العربية في شهر مارس عام 2000.
ثانيا: من حيث المضمون
سياق تأليف الكتاب: جاء تأليف الكتاب في سياق مزدحم بالأحداث والوقائع، إن على المستوى المحلي والوطني أو على المستوى الإقليمي والدولي. فعلى المستوى المحلي فالحركة الإسلامية تعيش الحصار والتضييق، والمؤلف مُحاصَر في بيته محروم من حرية التنقل والحركة. ومن جهة أخرى فالمغرب يعرف أزمة خانقة على جميع المستويات وهو مهدد بـ “السكتة القلبية”، وجيء بحكومة “التناوب” الشكلي و”الانتقال الديمقراطي” المزيف، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وعلى المستوى الإقليمي فالهوة بين الفقراء والأغنياء داخل المجتمعات العربية تزداد اتساعا، وأعداد المعطلين والمهمشين تزداد ارتفاعا، ولا أمل للتنمية المنشودة يلوح في الأفق رغم. وعلى المستوى الدولي فالنظام الليبرالي الرأسمالي في أوج هيمنته، والإنسان الغربي معجَب بتقدمه العلمي وتطوره التكنولوجي، غير آبه بمسألة الأخلاق والقيم، غير مستعد لطرح الأسئلة المصيرية على نفسه ومحاولة الإجابة عنها: من أنا؟ إلى أين أسير؟ ماذا أصير بعد الموت؟. بل وأكثر من ذلك، في هذا السياق (1998) أصبحت وسائل الإعلام الغربية تروج بشكل كبير لأطروحة “صراع الحضارات” وبدأت التصريحات العدائية والتنظيرات المغرضة التي تهدف إلى تشويه صورة الإسلام وتضليل الرأي العام العالمي. في هذا السياق ألف الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله كتاب “الإسلام والحداثة”.خصوصية الكتاب: إن هذا الكتاب من الكتب التواصلية الحوارية التي يهدف من خلالها المؤلف إلى مد جسور التعارف والتفاهم مع الآخر المختلف الذي له تاريخ خاص وتصور خاص للكون والإنسان، تواصل وتعارف يؤدي إلى احترام متبادل لخصوصية كل طرف، إلى اعتراف متبادل بالآخر.
وتجاوز سياسة الإقصاء الممنهج والتراجع عن أطروحة الصراع. فالعالم يتسع للجميع، والمستقبل لحضارة المحبة والعدل والإنصاف للإنسانية.
أهم القضايا التي يطرحها الكتاب: يجيب الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله من خلال هذا الكتاب عن سؤالين أساسيين: ما معنى تسليمُ الحداثة؟ وكيف تسليمُ الحداثة؟
السؤال الأول: ما معنى تسليمُ الحداثة؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من تعريف الحداثة: ما الحداثة؟ تم ما الفرق بين الإيديولوجية الحداثية والحداثة التقنياتية؟ ألا يمكن أن نستفيد من الحداثة دون أن نتخلص من عقيدتنا وهويتنا؟
يعرفها الفيلسوف الفرنسي آلان تورين بأنها ثورة الإنسان المستنير على التقاليد إنها تقديس للمجتمع، خضوع لقانون العقل الطبيعي، أي إنجاز للعقل، للعلم خاصة، للثقافة والتربية. لذلك يجب أن تنحصر أهداف السياسات الاجتماعية التحديثية في تعبيد الطريق التي يسلكها العقل بإلغاء التقنينات والموانع الحرفية والحواجز الجمركية) 1 .
يؤكد الفكر الحداثي – حسب تورين- أن الكائنات البشرية تنتمي إلى عالم تحكمه قوانين طبيعية يكشفها العقل ويخضع لها في نفس الآن، ومن ثمة يصبح الشعب مرادفا للأمة، لجسد اجتماعي يخضع اشتغالُه هو أيضا لقوانين طبيعية، مما يلزمه بالتخلص من الأشكال غير التنظيمية التي تحاول كسب الشرعية بالتمسح بوحي أو بقرار غيبي) 2 ، كل مالم يكن موافقا لنظرة الفكر الأوحد إلى العالم كان باطلا مناقضا للقانون “الطبيعي”، فوجب تنحيته عن الطريق، ليفسح المجال للحق. “عتيق يتبدل به جديد”.
ثلاث أسلحة إذن تتكون منها ترسانة الحداثة الحديثة: سلاح النقد الذي تشغله الايديولوجيا الحداثية، والسلاح الرأسمالي الذي يعبد صنم الربح، والسلاح المادي لإخلاء الطريق أمام الرأسمالية والأفكار التي تبنيها) 3 .
النقد الايديولوجي أفتك الأسلحة الثلاث لأنه يهاجم كل قديم ويحكم عليه بالبدائية لأنه يقوم على الغيب الذي يجب لفظه باعتباره خداعا يستند إلى وحي أو قرار متعال عن البشر، بذلك يكون الإسلام مستهدفا مباشرة من طرف الحداثة مادام يقوم على وحي مقدس، وما دامت مرجعيته هي رسل الله عليهم السلام) 4 .
في الإسلام لا وجود للكهنوت، والفصل بين الدين والدولة لا موضع له فيه، لسبب بسيط هو أن الولاء لله عز وجل لا يحتاج عندنا إلى الوساطة من أحد، فالقضية كانت أبدا شخصية، والعلاقة بالله كانت دائما مباشرة. فالإسلام لا يعترف بالعلمانية واللائيكية.
رغم المحاولات البائسة اليائسة التي تحاول إبعاد الشعب عن قيمه ومبادئه، والتي بدأت مع دخول الاستعمار وتستمر إلى اليوم بأشكال وألوان مختلفة فإن الشعوب الإسلامية تقاوم بل وتستميت في الدفاع عن دينها بأدوات وأساليب مختلفة، ولنا في الشعب الجزائري خير مثال، 130 سنة من الاستعمار ومن التخريب للقيم من أجل فصل الشعب عن هويته. وفي العقود الأولى للاستقلال ومع أو تجربة ديمقراطية نزيهة يصوت الشعب للإسلاميين فوقعت الكارثة وأصبح الشعب متهما وبدأ التعذيب والقتل، وتنكر الغرب لقيم “الحداثة” للحرية والديمقراطية.
وسيظل الجرح الفلسطيني وصمة عار في جبين الإنسانية، سيبقى دعم أوربا وأمريكا لنشأة “دولة إسرائيل” على حساب تهجير الشعب الفلسطيني المسلم دليلا قاطعا على زيف شعارات الحداثة، سيبقى الابتلاء الفلسطيني مثالا واضحا على حقيقة نظرة الغرب للإسلام والمسلمين، وهو أيضا حافز يستنهض همم المجتمعات العربية والإسلامية حتى تهب لتحرير الأقصى.
لقد سلكت أوربا العجوز طريقا طويلا لتجاوز عصرها الوسيط وتمر إلى عهد الحداثة، لكن لا حق لها في أن تنكر علينا سلوك سبيل آخر… فلتقبلنا أوربا العجوز كما نحن، ولنلج التعاون كما نريد دون أن تفرض علينا أية شروط لها، وحق الاعتراف المتبادل والاحترام التام كفيلان بتنحية الصعوبات وإتمام تبادل مثمر في جو تسوده الكرامة وتأمين مصالح الطرفين) 5 .
وبعد سؤال “ما معنى تسليم الحداثة؟” ينتقل الأستاذ رحمه الله إلى الإجابة عن سؤال “كيف تسليم الحداثة؟” من خلال رسم الملامح العامة للمشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لمجتمع العمران الأخوي. ذلك من خلال أربع عناوين كبرى: المعرفة. كيف أكون، المال، الحكم.
المعرفة
– إن المعرفة الغربية تبحث للإجابة عن جميع الأسئلة إلا سؤال لم الحياة؟ ذلك لأنها تنطلق من مسلمات عدمية تعتبر ألا معنى للحياة ولا أساس للأخلاق، مسلمات دوابية تعتبر بأن الإنسان ليس سوى حيوان متطور لم يخلقه أي إله من عدم.
ينتظر العالم رسالة تمنح للحياة و للكون معنى، إن تسليم الحداثة يبدأ بكشف الغشاوة لتتضح الرؤية وليرتفع الانزعاج المرضي الذي يعترض الرسالة الإلهية ويقمع الصوت الداخلي الذي ينبعث من أعماق كل واحد منا.
– الوحي وحده يمكننا من طرح الأسئلة الوجودية الصائبة والإجابة عنها: لماذا وجدت؟ ما مصيري بعد الموت؟ ما واجبي؟ كيف أستعد للحياة الأخرى؟ بأي أخلاق أسير في المجتمع؟
– يسمى القانون الإسلامي ”شريعة” أي طريقا يسلكه المؤمن الخاضع لله، سير منضبط، منهج حياة) 6 .
– إن التفقير المادي والخلقي الذي تعاني منه مجتمعاتنا يستدعي عدالة اجتماعية مثلما يتطلب إحياء تربويا لأن الانحطاط المادي مصدره البؤس الخلقي والثقافي.
– لا بد من كشف الداء لإحياء الإيمان و ضخه في قلوب و عقول أجيالنا الشابة لا بد من فضح المسلمات الدوابية التي تجعل من الانسان مجرد قرد راقي لا غاية له في الحياة سوى الرفاهية و المتاع… لا بد من محاربة هذه المسلمة ومناهضة الثقافة التي تستلهمها) 7 .
كيف أكون؟
– هل تستطيع المجتمعات البشرية أن تعدل مسارها وتتحكم في مستقبلها؟ أم حكم عليها بالخضوع للتغيير الذي يفرضه عليها منطق التطور الشامل للعالم؟ هل يخضع المسلمون للحداثة باعتبارها حتمية تاريخية مع ما يصاحب ذلك من نتائج أخلاقية واجتماعية أم أنهم يستطيعون التخلص من القبضة الحداثية؟
– تفرض نظرة الإسلام إلى العالم وإلى الانسان أن يكون لهذا الأخير مهمة وواجب مناقضان تماما لما تحدده له النظرة الحداثية فالفرد في المجتمعات الحديثة غاية لذاته، غاية وجود المجتمع أن يلبي رغباته ويشبع حاجاته وواجب وجوده هو يتلخص في احترام القانون الذي ينظم الحياة الاجتماعية المتغيرة باستمرار) 8 .
– بينما يعتبر النموذج الأمثل للمجتمع الاسلامي الذي علينا أن نبنيه القيم الأخلاقية والروحية محركا وغاية في نفس الوقت للمشروع الفردي والجماعي، لا بد إذن من عمل دؤوب يسعى لتكوين الأجيال الشابة إعادة صياغتها لا بد من تربية الأطفال وتنشئتهم على معاني حب الله وحب رسول الله، لا بد من العناية بالمرأة حتى تسترجع مكانتها لتشارك في عملية التغيير والبناء.
– المعرفة يجب أن تنسق الأنظمة المدرسية والقانونية والسياسية والإعلامية جهودها في أرض الإسلام ليهيمن النموذج الاسلامي على العقول وعلى القلوب، على الأعراف والعلاقات الاجتماعية، على العمل وعلى تصور مكانة المرأة، لا بد من تشجيع الحياة الجمعوية في المجالات الخيرية والإنسانية 9 .
المال
– المال في عالم الحداثة في يد المؤسسات الدولية، في يد أصحاب الشركات المتعددة الجنسية، الذين لا يهمهم سوى تحقيق المزيد من الربح، في يد حفنة من الأغنياء المترفين الذين لا يهمهم سوى إشباع الغرائز وتحقيق الملذات، أما الغالبية العظمى من سكان العالم فهي تعيش تحت وطأة الفقر والتهميش.
– أموال الأمة وثرواتها في يد الحاكم المستبد ينفقها على الشهوات أو يهربها إلى الخارج و الأمة تتخبط في مستنقع الفقر، مرضنا يتجسد في: سوء توزيع الثروة والخدمات وشتى أنواع الظلم والفساد المعمم… لكن هذه الأعراض البالغة الخطورة لا ينبغي أن تحجب عنا جذور الداء… شفاؤنا وصعودنا رهينان بثقتنا بالله ثم بقيمنا) 10 .
– كل محاكاة لا تبالي بخصوصية الاسلام وغاياته، لن تقود في أرض الاسلام إلا إلى الخيبة ثم الكارثة، وكل جهد – مهما تكرر- يرمي إلى الاصلاح دون تحكيم الأخلاق في الحياة الاجتماعية والعائلية والسياسية سيؤول حتما إلى الفشل، ولنعتبر بالمجتمعات الغربية الرأسمالية التي تعاني من مصائب نبه إلى خطورتها أكثر المفكرين الغربيين نباهة) 11 .
الحكم
– ليست طموحاتنا محدودة بموعد انتخابي أو تناوب على السلطة لأننا نعلم أن تغيير حكومة أو دستور معين لا يكفل إلا حل أزمة عرضية إن كفل وهيهات!) 12 .
– أفقنا التغيير العميق الذي لا يمكن أن تبنيه وتقوده بعون الله إلا حركة مباشرة متواصلة… مشروعنا بعيد المدى والتغيير العميق الذي يتم بواسطة التربية والإقناع لا يمكن أن يعاش إلا بعد مخاض عسير) 13 .
– بدل الرضا بدستور ممنوح، سيكون من اللازم انتخاب جمعية تأسيسية بواسطة التصويت الشعبي عقب نقاش طويل لا تستثنى منه أي تشكيلة سياسية أو شخصية مستقلة، ولكي لا يكون الدستور المناقش في الجمعية والمعروض للاستفتاء مجرد ورقة تتلاعب بها الرياح لا بد من تغليق قانوني (أي الرفع من نسبة الأغلبية البرلمانية الضرورية لإصلاح الدستور) يحول دون اللجوء إلى لعبة المراجعات كلما ألهبت تقليعة جديدة المخيلات، لتتمكن السلطة الحارسة للدستور من ضمان الاحترام الدقيق للدستور) 14 .
– لكن تغير مراكز اتخاذ القرار لا تكفي لحل المشاك الاجتماعية والاقتصادية، لأن إصلاح النظام الساسي وفك تمركزه لا يمكن وحدهم أن يضمنا الشغل للشبا العاطل إذا لم يصاحبهما إصلاح عميق للذهنيات، وتحسيس تشارك فيه بقوة السلطة السياسية الإدارية والمؤسسة المركزية المتمثلة في المسجد) 15 .
إشـــارات
– تسليم الحداثة يعني الأخذ بيد هذا الإنسان المسكين المغرور بتقدمه العملي وتطوره التكنولوجي، حتى يتمكن من بلوغ الحقيقة الكبرى، حقيقة أن الإنسان كرمه الله وأسجد له ملائكته وخلقه ليقوم بوظيفة العبودية لله عز وجل، وأن هناك حياة أخرى بعد الموت وهناك وقوف بين يدي الله عز وجل وحساب، فإما جنة وإما نار، تسليم الحداثة يعني أن يمارس الإنسان حقه الأكبر حق معرفة الله ومحبته والشوق للقائه.
– تسليم الحداثة يعني أن يصبح القرآن الكريم كلام الله هو المحور، هو الموجه لجميع مناحي حياة الإنسان المعرفية العلمية، الاجتماعية والثقافية، الاقتصادية، والسياسية…
– تسليم الحداثة يعني تحقيق التوازن بين مكونات الإنسان الثلاث (الروح، الجسد، العقل) تحقيق التوازن بين تأليه العقل وتقديسه وإقصائه وتغييبه، بين تدمير البيئة واستغلاها بشكل مفرط وعبادتها وتقديسها، بين الفردانية والأنانية المفرطة والانصهار الكلي في الذات الجماعية حيث الفكر الأوحد والحزب الأوحد، بين التشبث بقيم المجتمع وهويته والحاجة إلى التجديد والابتكار، بين ضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين في التغيير والتطور والتقليد الأعمى ونسخ التجارب.