قراءة في كتاب: “أزمة التعليم وسؤال الإصلاح”

Cover Image for قراءة في كتاب: “أزمة التعليم وسؤال الإصلاح”
نشر بتاريخ

مقدمة

نشر المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات، ضمن إصداراته لسنة 2015م، كتاب أزمة التعليم وسؤال الإصلاح) للأستاذ الباحث نور الدين الملاخ.

قراءة في العنوان

اختار الأستاذ عنوانا مركبا لكتابه: “أزمة التعليم”، حُكم قيمة، وإقرار بأزمة قطاع استراتيجي ومقوم من مقومات النهوض المجتمعي لأي أمة، مما يستوجب الاستدلال على هذا الحكم بأرقام ومؤشرات ذات مصداقية في مجال اشتغال الكتاب، ألا وهو العالم العربي عامة والمغرب خصوصا. هذا الواقع المتأزم المأزوم يفترض بَدَهيا إصلاحا، لكن أي إصلاح؟ وبأي رؤية؟ هل هو إصلاح منبثق عن الأمة أم مفروض من الخارج؟ ولأي إنسان؟ ولأي أهداف؟ أسئلة شائكة تجعل “سؤال الإصلاح” مصيريا، لتجاوز الأزمة.

المقدمة الإطار والخاتمة المخرَج

على خلاف الدراسات التجزيئية لموضوع أزمة التعليم – التي حتما ستغيب عنها الرؤية الكاملة عن واقع الأزمة وأسبابها ومسبباتها، وبالتالي لن يكون الإصلاح المترتب عنها سوى إعادة إنتاج الأزمة- توفق الأستاذ في مقدمة كتابه، إلى حد كبير، في وضع موضوع الأزمة بكل أبعادها في سياقاتها الدولية والإقليمية والمحلية التي أفرزت واقعا مؤلما لقطاع التربية والتعليم، هادفا من وراء ذلك إلى إخراج قضية التعليم من صالونات النخبة إلى رحاب الأمة للوصول إلى إصلاح جذري لمعضلة التعليم في الوطنين العربي والمغربي.

وبغيرة الفاعل في الميدان والإنسان المتهمم بمصير أفواج من ضحايا تخريب التعليم، جاءت خاتمة الكتاب جامعة لمداخل الإصلاح الحقيقية في إطار مشروع مجتمعي وطني تنجمع عليه جهود الغيورين الصادقين وعلى رأسهم رجل الميدان.

أسئلة الأزمة في الكتاب

– السياق العام لأزمة التعليم العربي

في الوقت الذي يعتبر فيه التعليم رافعة نهضة أمم كثيرة، وركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي لدول عديدة، شكلت أزمة التعليم العربي، وما تزال، عقبة كأداء أمام تحرر الشعوب العربية من أوحال التخلف وبراثين الجهل ومهاوي الظلم بشتى أبوابه. وتأتي هذه الأزمة في سياق الشلل الكلي الذي أصاب العالم العربي في شتى الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، نتيجة أسباب ذاتية مرتبطة بالجسم العربي العليل، وموضوعية ناجمة عن فعل الاستعمار والتبعية.

ورغم محاولات الإصلاح في كل الفترات، لم تراوح قضية التعليم مكانها لغياب رؤية استراتيجية لدى الدول العربية لقضية التعليم، وغياب الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح. بل الأدهى والأمر أن أصبح التعليم وسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي لصالح الحاكم أو الفئة المتحكمة في الدولة، وبالتالي أُريدَ للتعليم أن يعيد إنتاج نفس الوضع الرتيب للأمة العربية، وصناعة مجتمعات وفق قوالب متحكم فيها، مما جعل كل حديث عن الإصلاح هو للاستهلاك المحلي فقط. كما أن الارتهان الكبير للمؤسسات المالية الدولية في عملية “الإصلاح” جعل الغرب يفرض أجندته على الدول العربية من بوابة “إصلاح التعليم”.

وفي هذا السياق ظهر مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهو برنامج أمريكي أطلق سنة 2004م، لإعادة صياغة هذا المجال الحساس من العالم وفق الأجندة التحكمية الأمريكية. ويرمي هذا المشروع إلى فرض إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، بدعوى محاربة الإرهاب والكراهية التي تسود المنطقة (خاصة فيما يتعلق بالكيان الصهيوني)، ويعد إصلاح التعليم (خاصة الديني منه) البوابة الرئيسية لتحقيق المشروع الأمريكي.

وتحت تأثير الضغوط الخارجية وتقارير التنمية البشرية التي “توافقت” مع الرؤية الأمريكية، جاءت الاستجابة العربية بإطلاق مراكز أبحاث عربية لأبحاث ودراسات في موضوع إصلاح التعليم أنتجت مبادرات مثل وثيقة الإسكندرية سنة 2004 والمبادرة الأمريكية “الشراكة الشرق أوسطية” (MEPI)، إضافة إلى المبادرة الخليجية لتشجيع ودعم التعليم العربي وغيرها من الوصفات المفروضة خارجيا والفاشلة داخليا.

– السياق الخاص لأزمة التعليم المغربي

على غرار الوضع العربي العام، لا يوجد وصف دقيق لوسم التعليم المغربي أكثر من وصف الأزمة. فأرقام الهدر المدرسي مهولة (من أصل 100 طفل في عمر سبع سنوات يحصل 10 فقط على شهادة البكالوريا، أمام في صفوف الإناث فلا يتعدى الرقم 7)، إضافة إلى عودة المنقطعين إلى تعزيز أرقام الأمية الضخمة، دون أن ننسى إشكالية الجودة والحكامة، وفقدان المدرسة المغربية لرسالتها العلمية والقيمية…

وغم كل محاولات الإصلاح المتعاقبة بدءًا باللجنة الملكية لإصلاح التعليم (1957) والمناظرة الوطنية حول التعليم (1964)، مرورا بمشروع إصلاح التعليم الابتدائي والثانوي (1980) واللجنة الوطنية المكلفة بدراسة قضايا التعليم (1994)، وصولا إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999) الذي جاء بطموحات كبيرة في أهدافه المعلنة، باعتباره أسبقية وطنية بعد الوحدة الترابية وعشرية وطنية (2000-2009)، لكن كان مصيره الفشل بإقرار رسمي سنة 2008 على لسان المجلس الأعلى للتعليم. وعوض الوقوف عن الأسباب الحقيقية للفشل ومكامن الخلل الأساسية، تم “طبخ” نسخة أخرى من الإصلاح تحت عنوان “المخطط الاستعجالي” (2009-2012)، الذي كرس نفس الأخطاء من ارتجالية وتخبط، بما لا يدع مجالا للشك ان إرادة الإصلاح الحقيقي غائبة عند أصحاب القرار. لتكون آخر الوصفات “الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030” بنفس المنطق ونفس المنهجية والتي لن تؤدي حتما إلا لنفس النتائج.

سؤال الإصلاح في الكتاب

إن الوصفات الجاهزة المفروضة من قوى المنتظم الدولي، أو استنساخ تجارب ناجحة في بيئتها أو التركيز على حلول تقنية جزئية لإصلاح قطاع التعليم لهو ضرب من الخبل والخيال الذي لن يلامس واقع المنظومة التعليمية العربية عموما والمغربية على وجه التحديد. وإن أي إصلاح، أو بتعبير أدق، أي تغيير لا ينطلق من السؤالين المفصلين: أي تعليم نريد؟ ومن أي منطلق نبدأ الإصلاح؟ فمآله الفشل.

الجواب الحقيقي عن السؤال الأول هو تعليم يحرر الأمة العربية من التبعية، ويمنحها استقلالا في الإرادة، وحرية في الاختيار، وقدرة على الإنتاج والابتكار، وريادة العالم بالعلم. ولن يتأتى ذلك إن لم يكن الإنسان نفسه محور الإصلاح، تعليم يصنع إنسان التحرر والتنور، والسبق والمسارعة للخيرات، والشهادة على الناس بالحق، وإن العلم حق.

ولن يكون المنطلق سوى تشخيص عميق للواقعين العربي والإسلامي في شموليتهما، من أجل بناء مشروع العمران الأخوي، الذي يحفظ للأمة كيانها الحضاري والثقافي، ثم وضع استراتيجية ورؤية مستقبلية لبناء مجتمع المعرفة والديمقراطية والحكم الصالح. استراتيجية تنطلق من ثوابت الأمة وهويتها الإسلامية ولغتها الشريفة، مع السعي الحثيث لامتلاك ناصية العلوم الكونية، مستفيدة مما وصل إليه العالم المتقدم في هذا الباب، لا مستنسخة لتجاربه. وسيبقى ذلك كله غير كاف إن لم يكن رجل الميدان ركيزة الإصلاح وحجز الزاوية، في ميثاق يجمع شرفاء الأمة وعلماءها وسياسييها ومفكريها ومثقفيها ومعاهدها العلمية…

قول لا بد منه في الختام

إن تناول الأستاذ الملاخ قضية أزمة التعليم العربي تشخيصا واقتراحا، جانب فيه كثيرا من الدارسات الاستعجالية والتجزيئية، بل أحيانا المتحاملة ومدفوعة الأجر، فبين ثنايا كلماته نجد لوعة وحرقة على مآل الأمة التي تدفع ضريبة فشل التعليم، أو بالأحرى إفشاله. لوعة لم تدفعه إلى إصدار الأحكام الجاهزة، بل تطرق للمسألة بعمق كبير، جعلته يتتبع خيوط الأزمة التي أوصلته إلى منطلقاتها ومسبباتها الرئيسية، ولم تنحرف بوصلة دراسته، تحت ضغط الواقع البئيس، نحو الأعراض الظاهرة للأزمة. كما أنه لم يدع امتلاك العصا السحرية في قضية إصلاح التعليم، بل جاءت مقترحاته جلها على شكل نداءات إلى جمع كل الجهود، وبلورة كل الأفكار، وإشراك كل الأطراف في صنع مستقبل وطني مشترك من الباب الواسع والصحيح، ألا وهو إصلاح التعليم.