قراءة في البيان الختامي للدورة الثامنة عشر للمجلس القطري للدائرة السياسية

Cover Image for قراءة في البيان الختامي للدورة الثامنة عشر للمجلس القطري للدائرة السياسية
نشر بتاريخ

دأبت جماعة العدل والإحسان بمختلف مؤسساتها وأجهزتها أن تصدر بيانات للرأي العام في عدة مناسبات تفاعلا منها مع بعض القضايا التي تفرض نفسها على الساحة الوطنية والدولية.

ويبقى البيان الذي يصدره المجلس القطري للدائرة السياسية في ختام كل دورة يعقدها، حدثا سياسيا بامتياز، وهذا لعدة اعتبارات نذكر منها:

أولا: أنه بيان يصدر بشكل منتظم ودوري في ختام كل دورة يعقدها المجلس القطري للدائرة السياسية بحيث يكون محل ترقب وانتظار من كل المتابعين والمهتمين بالشأن العام داخل المغرب وخارجه.

ثانيا: أن البيان يصدر عن أعلى هيئة في الجماعة تعنى بالفعل السياسي الذي يشكل مدخلا أساسيا في المشروع التغييري الذي تقترحه جماعة العدل والإحسان.

ثالثا: أن البيان هو فرصة تبعث من خلاله الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان رسائلها الواضحة والصريحة والقوية لكل من يهمهم الأمر.

وقد تميز بيان الدورة الثامنة عشرة للمجلس القطري للدائرة السياسية التي اتخذت شعار”جميعا من أجل مغرب الحرية والعدل والكرامة” بقوة خطابه، ووضوح مواقفه، وصدق تهممه بما آلت إليه الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية.

دون أن ينسى في الأخير التذكير بأن ما تشهده الأمة من أحداث مؤلمة إنما هي مخاض عسير ستتبعه ولادة جديدة بإذن الله تعالى فهو القائل سبحانه : “ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز” سورة الحج الآية 38.

إن القراءة المتفحصة للبيان تجعلنا نتوقف عند سياقين أساسيين، سياق على المستوى المحلي، و سياق آخر على المستوى الاقليمي و الدولي.

السياق الأول على المستوى المحلي ” قوة الخطاب ووضوح الموقف”

بيان الدورة الثامنة عشرة وبإجماع كل الذين تابعوه واطلعوا على مضامينه، جاء منسجما مع مبادئ الجماعة وتصوراتها، بل هو استمرار لخطها السياسي الذي لخص معالمه الكبرى الإمام الراحل الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله بقوله: ” وللزحف محجة لاحبة، وهدف معلن، ومرونة ضرورية، وثمن معلوم”. المنهاج النبوي ص: 21

كما اتسمت لغة البيان بالوضوح الذي لا يحتمل التأويل في تسمية الأمور بمسمياتها، وتحميل المسؤولية لمن يتحمل حقا المسؤولية، كل من موقعه – المؤسسة الملكية من جهة والحكومة من جهة أخرى- وهو موقف متناسق مع الكلمة الافتتاحية التي ألقاها رئيس الدائرة السياسية الدكتور عبد الواحد المتوكل في المجلس القطري للدائرة السياسية في دورته الثامنة عشرة الذي أكد فيها:”أن مشكلة المغرب تكمن أساسا في نظامه السياسي، وأن الأزمات الخانقة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أرهقت البلاد والعباد ما هي إلا إفراز طبيعي لنظام سياسي عتيق أضاف إلى الاستفراد بالسلطة والثروة تقريب المداحين المتملقين، وإقصاء الأحرار والمخلصين. نظام عاجز عن معالجة الأزمات التي يتخبط فيها هذا البلد، فأحرى أن يقوده إلى نهضة حقيقية، بل إنه يعتبر، كما يتحدث كثيرون اليوم، العائق الرئيس لأي مشروع تنموي حقيقي. لذلك سواء ذهبت الحكومة الحالية وجاءت أخرى مكانها أم بقيت، وسواء اشتغل فيها النزهاء وأهل المروءة أم انضم إليها من لا خلاق لهم وأخلاق، فإنه محكوم عليها منطقيا وعمليا بالفشل” ثم أضاف في موضع آخر من الكلمة نفسها” ورغم توالي الشكاوى والاحتجاجات جراء السياسات المتبعة التي أرهقت الناس، وأتعبتهم وأضافت إلى آلامهم القديمة آلاما جديدة، فإن النظام وبمختلف مسؤوليه، سواء منهم من يحتل المواقع النافذة أم الهامشية مثل الحكومة والبرلمان، يصرون على تسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقية، لا أدري أغباء أم اقتناعا بما يعتقدونه صوابا حتى وإن لم يشاطرهم الرأي عموم الناس، أم تدليسا وخداعا على ملة من يجعلون الله عز وجل أهون الناظرين إليهم. فالزيادات المتكررة في أثمان المواد الغذائية الأساسية، وفي فواتير الماء والكهرباء والمحروقات، وما يترتب على ذلك من ارتفاع بالضرورة في أثمان سلع أخرى وخدمات تتطلبها حياة الناس… كل ذلك يدخل في إطار برنامج الإصلاح المزعوم، وبدعوى أنها إجراءات كانت ضرورية لتفادي الكارثة، وكأنما يعيش الشعب المغربي في بحبوحة من العيش، وبحجة أن الصناديق فارغة وليس هناك أي خيار آخر. ”

إنه خيار لن يزيد الوضع إلا تأزما إذا تحدثنا بلغة الارقام، فالناتج الداخلي الخام للمغرب يبلغ حوالي 100 مليار دولار، ومن المتوقع أن يبلغ الدين العام حوالي 79 في المئة من ذلك سنة 2015 بحسب تصريح الأستاذ محمد حمداوي في حوار أجراه معه موقع “عربي 21” الالكتروني

كما توجهت دعوة البيان مرة أخرى إلى كل الفضلاء والغيورين من أبناء هذا البلد من أجل توحيد الجهود للتأسيس لفعل جاد و مسؤول يخرج المغرب من الأزمة التي يتخبط فيها .

السياق الثاني على المستوى الاقليمي و الدولي : ” نصرة لكل الشعوب التواقة للانعتاق “

لقد أشارت وثيقة المجلس القطري – مقدس – في البداية للسياق الاستثنائي الذي يطبع الساحة العربية و الإسلامية، سياق سماته البارزة، اضطراب واقتتال وانقسام، في جسم أمة كانت قد استبشرت خيرا بهبوب رياح ربيع الانعتاق من قيود الاستبداد وبراثين الفساد، لتفاجأ بدوي صاعقة الانقلاب على إرادة الشعوب.

ولقد خلفت هذه الانتكاسات التي آلت إليها الأوضاع في كل من سوريا والعراق، والمسار التراجعي الذي عرفته كل من ليبيا و اليمن، والانقلاب على الشرعية في مصر، يأسا وبؤسا وحزنا في نفوس الكثيرين، وكأن الشعوب المسلمة محكوم عليها بأن تعيش أبدا مذلولة مقهورة، خصوصا مع تلكئ مواقف المنتظم الدولي اتجاه ما يحدث، بل وتواطئه مع بعض الأنظمة ما دامت تحرس مصالحه الاستراتيجية وتحمي أمن الكيان الصهيوني.

وعليه، فقد أدان البيان بشدة الاعتداءات الصهيونية الوحشية على المسجد الأقصى، وكذا استمرار الحصار الخانق على غزة العزة، في مقابل هذا لم يفته التنويه بالمواقف المنصفة لبعض الدول الغربية حكومة وشعبا في مساندتها للقضية الفلسطينية.

وعلى العموم ، فالبيان وكما أشرنا في البداية وجه رسائل قوية وواضحة للرأي العام الداخلي والخارجي، مفادها أن الجماعة مازالت وفية لمنهاجها في التغيير القائم على المسؤولية والتشاركية ونبذ العنف، وهو الأمر الذي كان يوصي به الإمام المرشد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في كل مناسبة، بقوله رحمه الله: لا مناص لنا ولكم معشر الديموقراطيين من حوار يصفي الأجواء) 1 و يتابع قوله مؤكدا : وأنه من المغامرة أن يزعم زاعم أن مكونا وحيدا من مكونات الشعب يستطيع مهما بلغ من قوة عددية وعددية أن يحمل على كتفه أوزار الماضي وكوارث الحاضر وآمال المستقبل) . 2


[1] عبد السلام ياسين رحمه الله، العدل، الإسلاميون والحكم، مطبوعات الصفاء، ص 54، ط1/ 2000
[2] موسوعة سراج 576/577.