قرآنا عجبا | 19 | “مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ”

Cover Image for قرآنا عجبا | 19 | “مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ”
نشر بتاريخ

في بداية النبوة، انقطع الوحي لفترة عن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو في مكة. كانت فترة عصيبة وصعبة.. شعر النبي بفراغ هائل في موضع القلب، وشمت فيه مشركو مكة فقالوا: لقد قلاه ربه. (أي هجره).

ثم نزلت سورة الضحى تربت على كتفيه.. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى..

كانت فرحته عليه الصلاة والسلام كبيرة.. إلى درجة أن هناك رواية تقول حينما أنزلت هذه السورة قال صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، لذلك بعض قراء القرآن الكريم يقولون حينما يقرؤون هذه السورة: الله أكبر.

جاءت سورة الضحى تواسي الرسول صلى الله عليه وسلم وتعلمه بمكانته عند ربه.

وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى أجمل فترتين فى النهار والليل: الضحى الضوء الرائق، والليل ليس على إطالته، وإنما هو الليل إذا سجى (أي سكن). هدأت الحركة الدائبة للبشر وكفت الخلائق عن سعيها للرزق، وسكن الليل بأهله من العشاق والعباد.

ولفظة (سجى) لطيفة الوقع على الأذن، ومن معانيها أيضا طال، فيكون قسما بالليل وطوله.

وقد يكون المعني أن الضحى هو بداية الأشياء، بداية الإشراق لكل شمسٍ طالَ انتظارها، بداية الدّرب والحُبّ والقُرب.

ترتل هذه السورة فتحس منذ بدايتها بالنور، فلا تعرف إن كان هذا النور هو النور المتدفق من حضوره صلى الله عليه وسلم.. أم هو نور الضحى.. أم أنه نور الضحى هو الذي جعلنا نرى مسيرته الشريفة بهذا الوضوح.. من اليتم إلى المأوى، ومن الفقر إلى الغنى، وصولا إلى الهدى ونزول الوحي..

مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى

هذه الآية عجيبة، مذهلة.. تُلامسك دون إذن، تُحْيي ما مات فيكَ رغمًا عنك، تشعر أنّها لك..

كل مواقف الحياة التي ظننت فيها أنّك وحدك كان معك، ما ودّعك، آيةٌ تضرب أعماق شعورك، نعم أنت ما ودّعك..

كما لوّ أنّك الوحيد في الحَيّ الذي اختاره الله ليصلّي الفجر جماعة، يمشي ينظر الأبواب مغلقة والنوافذ مظلمة فيشعر أنّ الله أيقظه دون غيره، ووفّقه ليكون السّائر إليه حينَ غفت عيون العالمين عنه..

كم من مرةٍ أيقظك من نومِ قلب وغفوة روح وتيه مسار.

وتَذَكَّر دائمًا؛ إنْ أحَبَّكَ الله، أحَبَّكَ كُلّ شَيْء!