في ندوة فكرية.. باحثون يتتبعون أوجه حضور فلسطين فكرا وميدانيا لدى الشعب المغربي وأعلامه المعاصرين

Cover Image for في ندوة فكرية.. باحثون يتتبعون أوجه حضور فلسطين فكرا وميدانيا لدى الشعب المغربي وأعلامه المعاصرين
نشر بتاريخ

تتبع باحثون وأكاديميون أوجه الحضور القوي للقضية الفلسطينية فكرا وميدانيا عند الشعب المغربي وأعلامه، وذلك في ندوة فكرية نظمتها مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات يوم السبت، فاتح فبراير 2025، في مدينة سلا بعنوان: “القضية الفلسطينية عند رواد في الفكر المغربي المعاصر”.

الندوة التي أدارها الدكتور سمير زردة، وألقى فيها الدكتور عبد الباسط المستعين كلمة باسم مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات؛ شارك فيها كل من الدكتور عبد الله الجباري، والدكتور أحمد ويحمان، والأستاذ عبد الصمد فتحي، والدكتور أحمد الفراك، والدكتور حفيظ هروس، والأستاذ عبد الإله المنصوري، في حين تعذر حضور الأستاذ عبد القادر الحضري بسبب مرض مفاجئ.

وأكدت هذه الندوة من خلال كلمة مديرها وكلمة المؤسسة المنظمة أن المجتمع المغربي بأعلامه وتياراته الفكرية، اتجهت بوصلته نحو ترسيخ حضور فلسطين في وجدان الشعب المغربي، وتركزت جهوده في رفض الاحتلال الصهيوني ورفض التطبيع معه، كما أنها احتفاء بعدد من علماء المغرب المعاصرين وتعريف الأجيال الشابة بجهودهم في الانحياز للمبادئ والقيم المناصرة للحق الفلسطيني ضد الاحتلال.

الجباري: علماء شريعة وثوريون ويساريون خدموا القضية

الدكتور عبد الله الجباري الباحث في الفكر المغربي المعاصر، تتبع حضور القضية الفلسطينية في الفكر المغربي من خلال ثلاث مقاربات؛ الأولى وقف فيها مع “علماء الشريعة الربانيين” وذكر بعض فتاوى العلامة عبد العزيز بن الصديق، منها حرمة عقد اتفاق غزة- أريحا سنة 1994، ومنها حرمة التطبيع لأنه خذلان للشعب الفلسطيني، والمسلم لا يخذل أخاه كما ورد في الحديث. وفتوى أخرى هي جواز العمليات الاستشهادية.

أما المقاربة الثانية في مداخلة الجباري، المتمثلة في “الاتجاه الثوري” فقد استقصى من خلالها بعض مواقف الزعيم المهدي بن بركة الذي كشف التغلغل الصهيوني في إفريقيا، ورؤيته التفسيرية لطبيعة المشروع التنموي الإسرائيلي باعتباره مشروعا زائفا، لأنه قائم على التمويل والدعم الخارجي للقوى الاستعمارية.

وفي المقاربة الثالثة تحدث الجباري عن “الاتجاه اليساري النقدي” مع الأستاذ عمر بن جلون، من خلال صحيفة فلسطين المغربية، الذي أسهم في الكتابة حول القضية الفلسطين وحفز على ذلك كثيرا. وأشار إلى بعض أفكاره التي انتقد فيها غموض مواقف بعض النخب اليسارية المغاربية من الحق الفلسطيني، نتيجة تأثرهم بمواقف نخب من اليسار الفرنسي الذي تأثر بدوره بالسردية الصهيونية.

ويحمان: الفقيه البصري كان رجل الميدان والعمل في دعم كفاح الحركة الوطنية الفلسطينية

من جانبه اعتبر الدكتور أحمد ويحمان رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أن الزعيم الوطني المجاهد الفقيه البصري كان رجل الميدان والعمل في دعم كفاح الحركة الوطنية الفلسطينية، نظرا لمساره القيادي المتميز في جيش التحرير المغربي وفي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

أحمد ويحمان في المداخلة التي وسمها بعنوان: “القضية الفلسطينية في فكر وعمل المجاهد الفقيه البصري” أبرز جهود الرجل وإسهاماته في خدمة القضية، ومنها إسهامه في تأسيس إذاعة صوت فلسطين من الجزائر، وفي تأسيس الجمعية المغربية لدعم كفاح الشعب الفسطيني.

وذكر ويحمان بعضا من اهتمامات البصري القومية والعربية التي انخرط فيها دعما للشعب الفلسطيني وقضاياه، حيث كان صلة وصل بين قادة منظمة التحرير الفلسطينية والحكام في الجزائر والعراق وليبيا ومصر وإيران من أجل دعم وتدريب المقاومة التي اعتبرها الفقيه البصري “ليست خيارا بل قدر الأحرار”.

فتحي: رؤيةَ الإمام ياسين جمع فيها بين النظر والعمل من أجل القضية الفلسطينية

أما الأستاذ عبد الصمد فتحي رئيس مؤسسة القدس للدراسات والأبحاث والتدريب، فقد أوضح رؤيةَ الإمام عبد السلام ياسين التي جمع من خلالها بين النظر والعمل من أجل القضية الفلسطينية، وتفاعل معها في مشروعه في أبعاد ثلاثة هي: البعد الفكري النظري، فالبعد التربوي التعليمي، ثم البعد التنظيمي التأسيسي.

الأستاذ فتحي في مداخلته حول: “القضية الفلسطينية في فكر الإمام عبد السلام ياسين”، تحدث عن خصائص النظرة المنهاجية إلى القضية عند الإمام تأسيسا على الرؤية القرآنية، والمستقبلية في الاستشراف، استرشادا بالهدي النبوي وبوعد الآخرة القرآني، ثم على الشمولية.

وأكد فتحي أن الشمولية في هذه الرؤية تعتبر الصراع في فلسطين هو العنوان الأبرز للمعركة بين الإسلام وروح الصهيونية التي تسري في قوى الاستكبار العالمي، وأن تحرير فلسطين مرتبط بتحرر الأمة من قيود الاستبداد والهيمنة الاستعمارية، كما أن النصر قرين للإيمان والعمل الصالح الذي يعد الأخذ بالأسباب من لوازمه.

الفراك: توجه الفيلسوف طه عبد الرحمن مُؤسس على أن الكيان شر مطلق ‏  

وعرض الدكتور أحمد الفراك، طرحا فلسفيا إسلاميا في الموضوع من خلال رؤية الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن للقضية الفلسطينية، واستند إلى كتابه: “ثغور المرابطة: مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية”، ووقف على مداخل ثلاثة عرض فيها طرح طه عبد الرحمن للصراع الإسلامي والإنساني مع الكيان الصهيوني في فلسطين.

أستاذ الفلسفة بجامعة عبد المالك السعدي، أكد أن توجه الفيلسوف طه عبد الرحمن مُؤسس على أن الكيان الصهيوني يمثل تحديا للإنسانية، وهو شر مطلق ينهج فعل الأذى والإيذاء للإله والأرض والإنسان، موضحا أن المقاومة هي واجب أخلاقي.

ولفت المتحدث إلى أن المقاومة في هذه الحال هي من تجليات المرابطة المقدسية المتعالية عن السياق الزماني والمكاني، لارتباطها العميق بالأسس الائتمانية المتسمة بالإيمان وأداء الأمانة والانتصار لقيم الفطرة، وحمل المثقفين مسؤوليتهم في تمثل المرابطة المقدسية المعنوية، وبالأخص في أداء واجب رفض التطبيع لمخاطره في التمكين للاحتلال الصهيوني في الإذلال والأذى والإيذاء للإنسان الفلسطيني وللأمة الإسلامية والإنسانية.

هروس: علال الفاسي دعا إلى جعل القضية الفلسطينية ضمن الحلّ الإسلامي الأوسع ‏  

وحضر فكر الزعيم الوطني علال الفاسي في هذه الندوة، من خلال مداخلة الدكتور حفيظ هروس، الباحث في الفكر الإسلامي، الذي بسط الرؤية التفسيرية للعلامة الفاسي وتحدث عن العوامل الذاتية والموضوعية لاحتلال فلسطين وخص النكبة بالذكر، حيث عجز الحكام والقادة العرب عن تحرير أرض فلسطين لبعدهم عن نبض شعوبهم ولتمكن “معجزة الارتجال” منهم.

ومن هذه العوامل يضيف المتحدث، هيمنة الاحتلال الفكري على الكثير من النخب والمثقفين، وكذا لقوة حضور فكرة الدولة اليهودية لدى الحركة الصهيونية التي تسربت إلى الأفكار والمؤسسات الغربية، سواء الليبرالية أو اليسارية وحتى للكنيسة المسيحية.

وأبرز هروس دعوة الزعيم علال الفاسي إلى جعل القضية الفلسطينية ضمن الحلّ الإسلامي الأوسع من المقاربة القومية العربية، معرجا على الجهود العملية للزعيم الوطني في نصرة فلسطين، التي كانت آخر ما تحدث عنه قبيل وفاته المفاجئة في مكتب الرئيس الروماني في 20 ماي سنة 1974. 

المنصوري: فلسطين أسهمت في تشكل الوعي السياسي للمجاهد الخطابي

وختمت هذه الندوة بأفكار المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، التي تناولها الأستاذ عبد الإله المنصوري الباحث والإعلامي في مداخلته بعنوان: “شذرات من أوراق الأمير الخطابي الفلسطينية”، وقد اعتبر فيها أن القضية الفلسطينية أسهمت في تشكل الوعي السياسي للمجاهد الخطابي في اقتران مع قيادته للثورة الريفية المسلحة ضد الاحتلال الإسباني سنة 1921.

وأشار المتحدث إلى قوة الروابط بين الشعبين الفلسطيني والمغربي عبر تاريخ مشترك في الكفاح ضد المحتل، إذ خرج الشعب الفلسطيني في مظاهرات عارمة في مدينة قلقيلية دعما لجهاد الخطابي، الذي بدوره جمع تبرعات من القبائل الريفية لفائدة الفلسطينيين حين خوضهم لمعارك ضد الاحتلال البريطاني بقيادة الشيخ عز الدين القسام.

وذكر المنصوري عددا من الشخصيات البارزة التي تخصّ المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي بالتقدير؛ من مفتي القدس الشيخ محمد الأمين الحسيني والقائد الفلسطيني أحمد الشقيري وغيرهم، لجهاده ونصرته العملية للكفاح الفلسطيني، بدعوته للجهاد في فلسطين وإسهامه مع الوطنيين المغاربة في توجيه خمسة آلاف متطوع إلى الأرض المحتلة، كان منهم المهدي بنونة والهاشمي الطود الذي أرّخ في مذكراته لمشاركة المغاربة في مواجهة العصابات الصهيونية في معارك سنتي 1947 و1948.

يمكنكم تتبع أنشطة مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات عبر موقعها.