في مولد المصطفى: بشرى وذكرى وزلفى

Cover Image for في مولد المصطفى: بشرى وذكرى وزلفى
نشر بتاريخ

في شهر ربيع الأول من عام الفيل الموافق لسنة 571 من تاريخ النصارى، أشرقت الدنيا بميلاد المصطفى محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. وتحفظ لنا كتب الحديث والسيرة فصولا من هذا الحدث العظيم الذي انتظرته البشرية منذ دعوة إبراهيم الخليل وبشارة المسيح عيسى عليهما السلام. مختصر هذه الروايات يتلخص في أن بركة المولود السعيد قد فاضت على كل من حضر الولادة من قريب أو بعيد:

فأمه آمنة بنت وهب خفف الله تعالى حملها منذ أن علقت به، ويسر ولادتها حين وضعته، وسرها أن تحققت رؤياها بخروج النور منها.

وثويبة أول مرضع له صلى الله عليه وسلم ذهبت تبشر سيدها أبا لهب بالمولود لابن أخيه عبد الله فأعتقها جزاء البشارة. وهو يخفف الله الكريم من عذابه كل يوم إثنين لفرحه بالولادة.

وحليمة السعدية لما قبلت إرضاع الصبي اليتيم عليه أزكى الصلاة والتسليم أدرت لبنا وأسرعت ناقتها وسمنت نعاجها وأنبتت أرضها.

وفي ربيعنا هذا، نتجاوز حدود الزمان والمكان لنتعرض للنفحات المحمدية ونتنسم عبير المحبة القدسية، وكلنا يقين بأن بركة هذا اليوم المشهود لم ولن تنقطع أبدا، بل إنها ثابتة مستمرة موصولة بحب سيد الوجود عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

لذا فإنها المناسبة المواتية لنعلن حبنا لنبي الهدى عليه الصلاة والسلام، و يحدونا الأمل في أن يكون الاحتفاء بذكرى ولادته موثقا لعرى محبته الصادقة، وباعثا على العمل بسنته الصافية، ومحفزا على التحلي بخصاله الجميلة الطيبة.

مولده صلى الله عليه وسلم بشرى لكل البشر:

في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرى تجسدت في إعتاق ثويبة رمزا لتحرير كل النساء والمحرومين المستعبدين في غير شريعة الله. وفي تخفيف العذاب عن أبي لهب الكافر المؤذي لنبي الله لمجرد فرحه بالمولود الذكر الذي ازداد لبني هاشم، بشرى كبيرة لمن يقصد الفرح بالمولد الشريف بعطاء الله الوهاب الكريم الواسع غير المحضور. إنها بشرى تتجدد لكل البشر بأن البارئ سبحانه قد فضلهم على من خلق تفضيلا ودعاهم للسعادة دنيا وأخرى، وبشرهم بالحرية وبالكرامة وبالعدل، وبأنه بعد كل ظلمة كالحة صبح صاف يطل عن قريب.

ميلاد خير البشر ذكرى لمن كان يعتبر

إن في مولده عليه الصلاة والسلام لعظات وعبر، منها: أن ميلاد السراج المنير عليه والصلاة والسلام كان إيذانا بنهاية ليل مظلم بصنوف الجهل والظلم وبداية نهار مشرق بضياء الإيمان وسكينة التوحيد. وأن ولادة المبشر المشفع صلوات ربي وسلامه عليه هي منة عظمى أيقظت الناس من الغفلة وأنقذتهم من الحيرة ودلتهم على طريق الرفعة. وأن ميلاد أشرف الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين في هذه الأمة أعلى شأنها بين الأمم وخصها بالخيرية، فمن شكر النعمة أن نقدر شرف انتمائنا لهذه الأمة وأن نجتهد في تحقيق إسلامنا، وتجديد إيماننا عسى الحنان الوهاب يمن علينا بولادة قلبية نتعلم كيف نكون عبادا لله بالاختيار كما نحن عبيد له بالاضطرار.

مولد الحبيب المصطفى زلفى لمن أراد من الله القربى

ليس الإيمان محصورا في عمل الجوارح، ولا العلم بالله سبحانه مسطور في الكتب. وإنما هو نور تورثه المحبة الإلهية متى استقرت في القلب. وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم دين وعقيدة كما ثبت في القرآن الكريم والسنة المشرفة. لذا فمن رام أن يكون من أحباب الله تعالى فليحب أحب الخلق إليه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. ومن كانت له عند الله حاجة، فإن الصلاة على خير الأنام أفضل قربة لنيل محبة الخالق سبحانه عز وجل: بها تستمطر الرحمات، وتطوى المسافات، وتنال الدرجات، ويرتقى سلم الكمالات…وهي تنور القلب وتعمره بالحب الخالد المثمر معية أبدية في الفردوس الأعلى مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

وصل اللهم وسلم وبارك وأنعم على أشرف الخلق أجمعين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى صحابته الغر الميامين، وعلى التابعين له بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم بمنك وجودك يا أكرم الأكرمين.